الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة واليسار في عصر العولمة

سلامة كيلة

2004 / 5 / 1
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004


كان التحليل الطبقي وصراع الطبقات من أوليات التحليل اليساري، حيث اليسار المعبّر عن البروليتاريا ضد البرجوازية المتحكمة بمجمل الاقتصاد، والتي تراكم الثروة على حساب العمال، ومن سرقة مجهودهم، وتمارس النهب والاستغلال والاضطهاد، وتقيم السلطة التي تعبّر عن مصالحها، والتي تستخدمها ضد النشاط العمالي، وحيث تصدر القوانين المانعة لنشاط العمال والمعبّرة عن مصالحها هي بالذات. ليكون صراع الطبقات هو المدخل لتوحيد الطبقة العاملة، من أجل حصولها على حقوقها كونها هي قوّة الإنتاج الاجتماعي، وبالتالي على طريق بنائها سلطتها التي تحقق العدالة والمساواة عبر إلغاء الملكية الخاصة.
لكن يبدو أن هذه المفاهيم باتت من الماضي، ليس لأن الصراع الطبقي قد اختفى، وليس لأن الطبقة العاملة قد انتهت، وثبت خطأ التحليل الطبقي، بل لأن أوهام اليسار (أو ما كان يسمى يسار) التي حلّقت بعيداً، وصلت إلى أن الطبقات اختفت، والتحليل الطبقي بات من الماضي، استناداً إلى التطور التكنولوجي الهائل، وبالتالي افتقاد الحاجة إلى التحليل الطبقي، ولتكون الإشارة إلى الصراع الطبقي تطرفاً خارجاً عن ضرورة «النضال السلمي الديمقراطي»، انطلاقاً من فكرة «الشعب»، أو «المجتمع المدني».
هنا سنلمس أن التحليل ينطلق من أن الواقع قد تجاوز منطق الطبقات، وخصوصاً (أو تحديداً) الطبقة العاملة، ليكون التحليل الطبقي من الماضي، وتعبير عن «جمود عقائدي»، الأمر الذي جعل معنى اليسار غائماً، أو نافلاً، لأن الأسس التي قام عليها قد انتفت، فهو المعبّر عن التحليل الطبقي، وصراع الطبقات، والمؤسس للرؤية التي تسعى لتشكيل البديل الاشتراكي، وبالتالي فإن «الواقع» الذي يفرض العمل من أجل الديمقراطية يفرض الانطلاق من «المجتمع»، أو «المجتمع المدني» دون الطبقات، وبتجاوز للتمايز الطبقي، وصراع الطبقات لأنه يشير إلى «غياب» الطبقات، نتيجة التفكك الاجتماعي (الطوائف والقبائل) أو نتيجة «تساوي» الشعب أمام استحقاق الديمقراطية، وضرورة تكريس المجتمع المدني، أو نتيجة تلاشي الطبقة العاملة و تعميم الطبقة الوسطى.
هل اختفت الطبقة العاملة؟ وهل انتهت مشاكلها؟
هذا ما يشاع استناداً إلى «الثورة العلمية التكنولوجية» وهناك ما يعززه في الواقع وإن جزئياً. حيث لم تتحوّل الطبقة العاملة إلى أغلبية، ثم نتيجة التطور التقني وتوسّع استخدام الآلة الذي قلص من حجمها أيضاً. إن وهم تحوّل الطبقة العاملة إلى أغلبية في المجتمع هو الذي حكم رؤية اليسار انطلاقاً من تحليل خاطئ لماركس. وهذا لم يحصل، لسبب جوهري لم يلمسه ماركس وربما لخطأ تحليلي، يتمثّل في عدم ملاحظة أن فيض الإنتاج الذي وجد مع نشوء الصناعة (وهو ما حلّله ماركس بعمق) يمنع توسّع الصناعة ذاتها، نتيجة ضيق السوق، وبالتالي يمركزها. مما يجعلها غير قابلة لاستقطاب أغلبية الفلاحين المحررين (من قيود الإقطاع الأوروبي) لكي تتحوّل الطبقة العاملة إلى أغلبية سكانية. مما سبب بنشوء فيض عمالة كانت سبب انخفاض أجور الطبقة العاملة. لكن تحوّل الرأسمالية من إطارها القومي (مرحلة الرأسمالية المتنافسة) إلى نمط عالمي يسيطر على سوق عالمي هائل، فرض توسيع الطبقة الوسطى (الإداريين والتقنيين) أكثر مما سمح بتوسّع الطبقة العاملة، لأن الهيمنة على سوق عالمي يفرض تعزيز «القطاع الإداري» في الشركات أكثر من تعزيز الطبقة العاملة التي ظل فيض الإنتاج معيقاً لتوسّعها.
وبالتالي ظلّت الطبقة العاملة، في المراكز الرأسمالية، محصورة في نسبة من المجتمع (الربع أو الثلث). الأمر الذي حدّد حجم اليسار الشيوعي (وربما كان توسّع الطبقة الوسطى هو الذي سمح بانتصار الأحزاب الاشتراكية واستلامها السلطة ديمقراطياً). لكن الثورة التكنولوجية وتزايد دور المعرفة والآلة، أفضى إلى تقلّص جديد في حجمها، وربما يكون انهيار المنظومة الاشتراكية، وبالتالي انفلات الرأسمالية (بعد انهيار العدو)، وانفتاح السوق العالمي أمامها من جديد (السوق الاشتراكية السابقة، وبلدان حركات التحرّر). ربما يكون ذلك قد أفضى إلى «خلخلة» وضع الطبقة العاملة نتيجة تزايد البطالة بفعل إفلاس الشركات، أو نتيجة الميل للإفادة من اليد العاملة الرخيصة (المكسيك بالنسبة للولايات المتحدة، وأوروبا الشرقية بالنسبة لأوروبا) سواء باستقدامها أو «نقل الصناعة» إلى مناطق تواجدها. الأمر الذي جعل الطبقة العاملة تتعرّض لهزة جديدة. لكنه لا يعني تلاشيها. بل يشير إلى خلخلة نتيجة المنافسة بفعل انفتاح السوق، وبالتالي فإن الطبقة العاملة لا زالت قائمة، رغم تحدّد حجمها في المراكز، نتيجة السيطرة الرأسمالية على العالم.
هذه السيطرة التي لا تلغي الوجود الطبقي في الأطراف، على العكس فإنها تفرضها، كما تفرض تفاقم الصراع الطبقي فيها، بفعل النهب الإمبريالي والاستغلال العنيف، وبالتالي الإفقار الشديد و التهميش والبطالة.
إذن، إن الإشارة إلى اضمحلال الطبقة العاملة تنطلق من لمس وضع المراكز الرأسمالية فقط (رغم إشكالية هذا الفهم كما أشرت)، دون لمس وضع الأمم المخلّفة، التي إذا كانت لم تصبح أمماً صناعية إلا في بعض الأمم مثل كوريا الجنوبية وجزئياً البرازيل والمكسيك، ودول المنظومة الاشتراكية السابقة (وذلك بسبب السيطرة الإمبريالية بالذات)، وبالتالي لم تنتج طبقة عاملة صناعية ذات شأن، إلا أن فيها طبقة عاملة كبيرة (وإن كان يغلب عليها الطابع الزراعي والخدمي وجزئياً الصناعي). فإضافة إلى الطبقة العاملة الصناعية، هناك العمال الزراعيون وهم كتلة هامة وفاعلة، إضافة إلى عمال الخدمات. وكذلك فئات مفقرة من الفلاحين والحرفيين، والموظفين والمهنيين. وصراعها مع رأسمالية المراكز يترافق مع صراعها مع الرأسمالية المحلية التابعة (رأسمالية الهوامش) وهو صراع متصاعد نتيجة النهب والاستغلال والتهميش.
ويبدو ـ نتيجة ذلك ـ أنه الصراع الأساسي في التشكيل الرأسمالي العالمي، وعلى حلّه يتوقف تحقق الاشتراكية في الأطراف كما في المراكز (عكس التخيل السابق لماركس)، لأن وقف نهب الأطراف هو الذي يضع رأسمالية المراكز في أزمة عميقة يمكن أن تسعى لحلّها عبر تشديد نهب الطبقة العاملة المحلية، إضافة إلى إفقار وتهميش الفئات الوسطى المستفيدة من السيطرة الرأسمالية على العالم.
ما أود الإشارة إليه هو أن التحليل الطبقي لا زال فاعلاً، وأن الصراع الطبقي قائم بالفعل وليس وهم مثقفين، وربما ينبع وهم المثقفين من عدم رؤية ذلك، وبالتالي ميلهم نحو دعم الرأسمالية المتطرفة التي تسعى من أجل فرض ليبرالية قصوى لا تقود إلا إلى نشر التوحّش والفوضى والدمار. ربما كان الوضع «المبهم» للطبقة العاملة في المراكز (الذي أشرت إليه للتو)، وكان انهيار المنظومة الاشتراكية هو الذي أسس لذلك، حيث خبت حرارة الصراع الطبقي، واندثرت حرارة الثورة، وكذلك تهاوى ألق الاشتراكية. لكن انهيار المنظومة الاشتراكية فتح الأفق لصراع طبقي عنيف على الصعيد العالمي، وإلى بدء تصاعده في المراكز.
هذا الأمر يفرض إعادة البحث في وضع اليسار (والماركسي خصوصاً)، من أجل تحديد دوره في الصراع الطبقي العالمي، وفي الصراع في كل أمة. حيث يجب النقد الجدّي لتحوّل مفاهيمه في العقد الماضي، وطغيان الميل الليبرالي فيه، واعتباره الليبرالية والعولمة، تطوراً مهماً في الرأسمالية، لكي يعبّر عن واقع الصراع الطبقي العالمي، كشكل سياسي ثوري للطبقة العاملة والفلاحين المفقرين، ويطرح مطامح الشعوب المضطهدة في التحرّر والتطور، والمساواة. إنه الأكثر تعبيراً عن الميل الناقد للرأسمالية والمعني ببلورة مشروع تجاوزها.
لقد ارتبطت نهاية اليسار القديم بالمشكلات العميقة للتجربة الاشتراكية، كما بميل رأسمالية المراكز إلى تحقيق «المساومة التاريخية» مع طبقتها العاملة انطلاقاً من «الحرب الباردة» ووجود «المعسكر الاشتراكي». الأمر الذي ساقه في مسار مناقض لـ«طبيعته» وعمّا يعبّر، وعن رؤاه وتصوراته، لهذا «انكشف» كاتجاه رأسمالي يدافع عن الليبرالية المتوحشة، ويقرّر حتمية الرأسمالية وضرورة التطور الرأسمالي، بل وإجبارية هذا المسار. لكن تصاعد النضال الطبقي العالمي، المنعكس بأشكال عدة من النضالات المطلبية ومن الدفاع عن حق العمل، وعن كل أشكال الضمان الاجتماعي. وكذلك النضال المتّسع ضد العولمة المتوحشة ومن أجل عولمة إنسانية. كل ذلك يفرض أن يعيد اليسار تشكيل ذاته كقطب في الصراع الطبقي ضد الرأسمالية، وضد شكل العولمة الذي تفرضه، من أجل عالم إنساني متكافئ، وعادل ومتحرّر.
نحن في مرحلة إعادة بناء اليسار، بالتأسيس على إعادة صياغة تصوراته، وتحديد دوره. إنه القطب البديل للرأسمالية في المركز وفي الأطراف، وهو الذي يجب أن يعبّر عن الطبقة العاملة المفقرة وعن العاطلين عن العمل، كذلك عن جموع الفلاحين الفقراء، وكل المهمشين، في سعيهم لتحقيق بديل اشتراكي يتجاوز «اشتراكية الأمر الواقع» التي سادت معظم سنوات القرن العشرين. اشتراكية تتضمن الديمقراطية حتماً، وتعبّر عن كينونة الإنسان، الإنسان الفرد، والإنسان الطبقة، والإنسان المجتمع.
هناك نهوض إذن، ومن اللازم أن تتبلور الحركة اليسارية القادرة على دفعه إلى الأمام، وتفعيله بما يسمح بتحقيق أهداف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وكل المفقرين والمهمشين والعاطلين عن العمل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تتطلّب اللياقة والقوة.. شاهد كيف تتدرّب لاعبة غولف في صالة ر


.. بلينكن: واشنطن تعارض معركة كبرى في رفح




.. مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة مئات وتدمير أكثر من 700 منزل جرا


.. طالبة تهدي علم فلسطين لعميد كلية بيتزر الرافض لمقاطعة إسرائي




.. ناشط ياباني ينظم فعاليات غنائية وثقافية للتعريف بالقضية الفل