الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات زوجة عاملة ..البطيخة المدللة

انتصار السعداوي

2009 / 6 / 25
الادب والفن



بدأت نهارات الصيف الطويلة المحملة برائحة التعب من مسيرة العمل اليومي وحرارة الشمس الظهرية والتي تلوح لنا بمتاعب النصف الثاني من اليوم الصيفي ونحن نبحث عما يطفئ هذه الحرارة كل يوم بعد انتهاء مسيرة العمل بعلبة مثلجات عائلية او كيس من الفاكهه ,وأنا خارجة يوم أمس من عملي قررت ان اشتري بطيخة ,قال البقال ان اصغر بطيخة بسعر أربعة آلاف دينار وترددت قليلا ثم ساومت الرجل وحصلت عليها ب3500 دينار .
وأنا في الحافلة بين كربلاء والهندية كنت احضن البطيخة كطفل خوفا من ان تنزلق وتنكسر ,سألتني سيدة بجواري عائدة من عملها هي الأخرى .بكم كيلو البطيخ اليوم ؟وكأنه دولار قلت لها ب750 دينار .قالت السيدة بحزم :(بعد وكت هسه الفقير مايكدر ياكل بطيخ عود من يرخص نكوم نجيبة كواني وتاكل الجهال )انزعجت قليلا وشعرت بالحرج وأردت أن أتبرع لها بالبطيخة .فتناولت طرف الحديث سيدة اخرى في المقعد الخلفي ولماذا لاياكل الفقير والغني في وقت واحد .السنا من بني آدم ؟ومن يضمن اننا نستطيع ان نأكله بعد شهرين ومن يضمن حياتنا بعد شهرين ؟
فالتفتت أليها السيدة ذات الزنابيل المصنوعة من سعف النخيل وقد أفرغت مابها في سوق شعبي في كربلاء .قالت ببساطة (لان الدنيا لازم يصير بيها فقير وغني ويكدر وما يكدر وعنده ومعاندة .هاي هي سنة الحياة .والله خلقها مثل الميزان بيها زايد وناكص وإحنا شغلنا نزود الناكص حتى ينعدل الميزان )
فقالت لها السيدة الأخرى وماذا يأكل الفقير في هذا الحر ليطفيء حرارته ؟
فأجابت السيدة ذات الأربعينات من عمرها (.ياكل خيار. الخوير رخيص والطميطة رخيصة .لو ياكل غنصين باكلا هم رخيصة والخضرة هواي ورخيصة .الفغير ياكل الرخيص وينتظر الغالي من يرخص بس مايرخص عركة جبينة )
صمتت السيدة المناظرة الأخرى وكرهت تلك البطيخة وأردت التخلص منها بأي طريقة .فكيف أقدمها لامرأة تحمل فلسفة العراقيات الشجاعات المتواضعات ؟ ووجدت السيدة الأخرى لاتستحقها .فقلت للمرأة ذات الزنابيل :ياأخت كلامك هذا فلسفة وبفلسفتك هذه حتما أنجزت شيئا مها للوطن .قالت أنها ربّت أولادها السبعة على هذا المبدأ وكلما كبر احد أولادها من البنين أو البنات وبلغ العاشرة من عمره قالت له احمل سلاحك وقاتل من ا جل لقمة العيش وهي تقصد ان يحمل (الكرك) ويحرث الأرض ويرعاها لتسفر عما يأكله ويحفظ كرامته وتحميه من الضعف والعوز والمذلة .
تلك الأرض الطيبة مهما كانت صعبة أنجبت هذه السيدة القوية والتي أنجبت هؤلاء الرجال المتماسكين وستنجب مرة اخرى للتأريخ ماينظفه من الشوائب التي تعكر صفوه وتشوه الحقيقة .
انقضى طريق كربلاء طويريج .وحين دخلت بيتي استقبلني ابني قائلا الله يساعدك ماما فانفرطت البطيخة من حوزتي الى ذراعيه بسهوله









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان


.. تفاعلكم | بعد حالة الطوارئ الثقافية التي سببها في الرباط، حو




.. تفاعلكم | مخرج فيلم -آخر سهرة في طريق ر-، محمود صباغ، يرد عل


.. أحمد السقا يروى كواليس تعرضه للخطر في أفلامه ونجاته من الموت




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 13 مايو 2024