الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش إنعقاد المؤتمر الخامس لإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ، دور المثقف المندائي في المرحلة الحالية (1 )

فائز الحيدر

2009 / 6 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


على هامش إنعقاد المؤتمر الخامس لإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر
دور المثقف المندائي في المرحلة الحالية
( 1 )

فائز الحيدر

يمر الوطن الجريح العراق بشكل عام والطائفة المندائية بشكل خاص في مرحلة غاية في الصعوبة ، حيث الخطف والقتل والأضطهاد وتغيير الدين والمستقبل المجهول لألاف العوائل المندائية في دول الأنتظار واللجوء بسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشها عراق اليوم ، وفي هذه الظروف المعقدة ينعقد في الأول من تموز القادم / 2009 في العاصمة السويدية أستوكهولم المؤتمر الخامس لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ، وقد وجهت الدعوة لحضور المؤتمر الى العديد من المثقفين والباحثين المندائيين والمعنيين بالشؤون المندائية أضافة الى رجال الدين ، لغرض وضع خطة عمل واضحة لمسيرة الطائفة المستقبلية وهمومها ومطاليبها ولأستنهاض وقيادة الطائفة كي تأخذ قضيتها المصيرية بما يتناسب مع الظروف الجديدة التي تواجهها في المجالات الدينية والثقافية والأعلامية والفنية ولأبراز الوجه المندائي الجديد والمساهمة في أداء دورهم في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الطائفة .

أن الطائفة المندائية رغم قلة عددها فهي تملك طاقات ثقافية وأعلامية وفنية كبيرة لا يمكن الأستهانة بها ولمعت بينهم أسماء الكثير من المبدعين والعلماء والأطباء والمهندسين والشعراء والكتاب والمثقفين والسياسيين ، ولكن هذه الطاقات لم تستثمر بالشكل المناسب لصالح الطائفة ووجودها لأٍسباب عديدة لا مجال للخوض بها في هذا المقال . إن ما قام ويقوم به الأخوة المثقفين المندائيون على أختلاف أختصاصاتهم في إبراز قضيتهم في العراق أو في بلدان المهجر يعد شيئا" بسيطا" مقارنة بما قدمه المثقفين من خارج الطائفة والمتعاطفين معها رغم وجود الكثير من الملاحظات حول دقة ما كتبوه ، وعليه فأمام المثقفين المندائيين اليوم ونحن على هامش أنعقاد المؤتمر الخامس لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر واجبا" كبيرا" لأداءه وليكونوا قدر المهمة التي تجابه الطائفة في الوقت الحاظر .
وفي الوقت الذي نتمنى ان ينجز المؤتمر أعماله بنجاح لابد من أن نستعرض ماذا نعنى بالثقافة عموما" والثقافة المندائية خاصة ، ومن هو المثقف المندائي وما هي الصفات التي تتوفر في هذا الشخص لكي يكون مثقفا" وما هو دور الثقافة المندائية والمثقف المندائي في الوقت الحاضر ، وما هو دورهم في الدفاع عن مصالح شعبهم العراقي بشكل عام وطائفتهم بشكل خاص .

وقد يسأل البعض من الأخوة هل هناك ثقافة مندائية خالصة ؟ وهل نحن في حاجة الى مثل هذه الثقافة لأبراز وجودنا ؟؟ وهل هي ضرورية لمجتمعنا ككل وللمجتمع المندائي بشكل خاص ؟ وهل إن الثقافة بشكل عام عملية يشترك في إبداعها وتبادلها البشر بغض النظر عن الدين والقومية والمعتقد ؟؟ وهل هناك ثقافة أنسانية يمكن تبادلها بين المجتمعات ، وأخرى غير أنسانية غير صالحة للتبادل وتشجع على العنف والقتل والأرهاب .

يبدو إن هذه الاسئلة وغيرها الكثير في المجالات الثقافية والاجتماعيـة لم تحسم أجابتها إلا بعد أن يتم تحديد معنى الثقافة بشكل عام وما نعني بالمثقفين ، وما هي صفاتهم وأختلافهم عن المتعلمين ... وهل تأخذ الثقافة طابعا" طبقيا" بينما التعلم هو عملية مشتركة للناس جميعا" .
لا يمكن أعطاء تعريفاً محددا" للثقافة يمكن الاستناد إليه بشكل كامل ، حيث يعتبر مفهوم الثقافة مفهوماً واسع يشمل معاني عديدة ويمكن أن يشمل على أنماط متعددة من السلوك والقيم والوعي لدى المجتمع ، أي أنه منظومة خاصة تعبر عن تاريخ وتطور المجتمات .

فهناك من يعرف الثقافة بأنها كل النشاطات التي يقوم بها المجتمع بمعناها الواسع ، كاللغة والزواج والملكية والسلوك . ووفق هذا التعريف فالمندائيون كمجتمع صغير لديه اللغة الخاصة به ولديه طقوس دينية خاصة بالزواج تختلف عن باقي الأديان ولديه تعاليم ينص عليها كتابهم المقدس الكنز العظيم ( الكنزا ربا ) في مسألة الملكية والسلوك الأجتماعي ، اذن فللمندائيين ثقافة خاصة تميزهم عن غيرهم .
وهناك من يقول أن الثقافة تعبر عن مجموعة القيم الاجتماعية المتشكلة تاريخيـاً وما ينطـوي عليهـا من اكتساب لقيم جديدة تؤطر ضمن شبكة من العلاقات الاجتماعية لتكون جزءً من منظومته المكتسبة وهذا ما ينطبق على المندائيين أيظا" حيث القيم الأجتماعيـة التي ورثوها طيلة آلاف السنين ولدت لهم ثقافـة خاصـة ذات سمات مميزة أيظا" .

و يعرف جيرارد أودوننيل (Gerard O’Donnell ) الثقافة بأنها : ( عندما تأسس جماعة بشرية ما طريقة لحياتها ، وحيث تكون هذه طريقة مقبولة بصورة عامة من الإدارة ، الملبس ، وآداب السلوك والمعتقدات . توصف هذه بأنها ثقافتهم ... ) . ووفق ما يطرحه جيرارد فتعريفه للثقافة ينطبق على المندائيين أيظا" بشكل كامل حيث يملك المندائيون ثقافة خاص بهم بأعتبارهم جماعة بشرية لها أسلوبها الخاص بالحياة .
أذن فالثقافة هي عبارة عن مقاييس أخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر على السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الأحسن والأفضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة ويعتبر المثقف هو المرآة التي تعكس هذه النشاطات الثقافية .
وبسبب تعدد التعريفات حول الثقافة ، جاء إعلان مكسيكو لغرض تحديد معنى الثقافة في إطار عام وواسع كالتالي : ( إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات ) .

ويجمع الباحثين والمفكرين على إن للثقافة خصائص رئيسية تتميز بها وهي إن الثقافة تراكم لنشاطات الأنسان لعهود طويلة باعتبارها نشاطات مكتسبة وليست غريزية وهي ذات ملامح أنسانية ، ولا مجال لقيام أية ثقافة دون الوجود الإنساني الذي ينمي هذه الثقافة ويكتسبها عن الغير من خلال تطور حياته الاجتماعية فناً وفكراً وسلوك . وبما إن الثقافة ذات طابع إنساني فهي تنتقل من جيل لآخر، ومن مجتمع لآخر ، من خلال العادات والتقاليـد والقوانين والأعراف . وعملية النقل هذه تتم من خلال التعلم ، مع إضافة كل جيل لما يكتسبه مما يطرأ على حياتـه من قيم ومبادئ وأفكار وسلوكيات جديدة نتيجة لتغير الظروف . والثقافة الأنسانية تمر بمراحل مختلفة وحسب كل مجتمع فهي قابلة للتعديل والتغير من جيل لآخر، ، ويمكن للأجيال الجديدة أن تضيف قيماً ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة لدى الأجيال السابقة .
ومن الصعوبة بمكان إعطاء تعريف واضح ومحدد متفق عليه للمثقف لدى المفكرين والاتجاهات الفكريـة المختلفـة حيث إن كل مفكر يعّرف المثقف وفقاً لمنطلقاتـه ومفاهيمـه ، وكذلك انسجاماً مع مصلحتـه الاجتماعية ، وميوله السياسية والإيديولوجية ، وإن من الأسباب الواضحة بعدم أمكانية إعطاء تعريف موحد للمثقفين هو موقعهم من الوضع الأجتماعي والسياسي في المجتمع ، ويمكن اعتبار التعريف التالي للمثقف هو الأفضل حسب رأينا ... ( المثقف هو الذي يمتلك قـدراً من الوعي والرؤيـة والثقافـة والإطـلاع على الأشكال المتعـددة للثقافة . وهذا الأمر يتطلب جهداً متواصلاً من المتابعة للمثقف ، لحركة التطور والتحديث لأنماط الثقافـة المتعددة الجاريـة على صعيـد العالم . ومن يتخلف عن هذه المتابعة ، لايمكنه التواصل مع حركة التطور الثقافي وبالتالي فأنه سيتخلى من ذاته عن صفة المثقف ) . ووفق هذا التعريف فأن المثقف المندائي يملك من الوعي الأجتماعي والسياسي والثقافي وهو مطلع على الثقافات العامة المحيطة به طيلة مئات السنين بحكم الظروف التي عايشها في اماكن تواجدهم في العراق وإيران .

أما المفكر الإيطالي ( غرامشي ) يعتبر كل إنسان مثقفاً وإن لم تكن الثقافة مهنة له ، ذلك أن لكل إنسان رؤية معينة للعالم ، وخطاً للسلوك الأخلاقي والاجتماعي ، ومستوى معيناً للمعرفة والإنتاج الفكري ، وهكذا يتسع مفهوم المثقف ليشمل المفكرين والعلماء والكتاب والمبدعين والفنيين ، ورجال الأعمال والطلبة . ومن هذا المنطلق ووفقا" للمفكر (غرامشي ) يمكن أعتبار الكثير من المندائيين على أختلاف أختصاصاتهم يقعون ضمن صنف المثقفين لما يملكون من من معرفة كبيرة في مجالات عديدة .
، ولكن هناك من يخالف هذا الرأي ويتعبر ان تعريف المفكر غرامشي حول إن كل متعلم يملك شهادة جامعية هو مثقف هو غير صحيح ووصف سطحي للثقافة ويعني ضمناً أن كل متعلم مثقف وذلك لأن للمثقف وظائف وأدوار أخرى تميزه عن بقية المتعلمين وليس حصوله على الشهادة الجامعية فقط .
فالمثقف يسعى دائما" للمعرفة و الاطلاع ، و يحب جمع المعرفة في أكثر من مجال علمي اي أن غرضه الاساسي من البحث و الاطلاع هو المعرفة و الفائدة ...فتجد المثقف يهوى النقاش و البحث من أجل توسيع مداركه و تفتيح عقله . أن المثقف ليس هو الذي يوجد الثقافة فهي موجودة بدونه ، لكن المثقف هو الذي ينقلها من السكون الى الحركة . فلا ظهور للثقافة دون مثقف . إن القيم والمفاهيم والمعلومات والعقائد والفلسفات والأخلاق وكل مكونات الثقافة ومقوماتها تبقى صوراً ما لم تظهر على أرض الواقع وتتجسد و هذا هو دور المثقف .

وفي نفس الوقت هناك مثقف خامل ليس له دور وهناك مثقف نشط ينهض بدوره في المجتمع ، ويوجد مثقف منغلق ينتج ثقافة الجمود لا يستطيع مواصلة مسيرته ومثقف منفتح ينتج ثقافة التجديد ، يواكب الزمن ويعيش فيه فمسيرته متصاعدة ، وهناك مثقف مستبد يتحول قلمه إلى رفض الآخر ، ولا يتحدث إلا بلغة الرفض والنفي والإقصاء ويمارس القمع والإرهاب ، ومثقف ديمقراطي يتحدث قلمه بلغة التعددية والتعايش والتسامح ويمارس الحرية والعدالة ، ويميز بين مثقف السلطة الذي يكرس الاستبداد ويمارس الظلم ويعشق المال ومثقف الشعب الذي يعشق الحديث وإحترام الآخر ، يعشق العلم والحرية . وهذه الصفات هي التي نحتاجها يجب أن تتوفر في المثقفين المندائيين لكي يؤدوا دورهم بنجاح عند حضورهم المؤتمر القادم .

من جانب آخر يعتبر بعض المتعلمين أنفسهم ( مثقفين ) وهم بعيدين كل البعد عن الثقافة ، وذلك لعدم توفر الشروط اللازمة للمتعلم لكي يسمى نفسه مثقفا" ومنها : أن يكون ذا قدر معقول من التعليم يؤهله للتواصل مع مسيرة العلم والثقافة ، وأن يكون متمكنا" في اختصاصه وله قدر من المعرفة بالتراث العلمي لأختصاصه وله معرفة بباقي التخصصات مع مواكبته للتطورات التي تحصل في اختصاصه . ولا يؤمن بالخرافات والتطرف ، ويملك قابلية على الإقناع والتأثير في الآخرين . ويمارس النقد الأجتماعي بشجاعة . بعيدا" عن الغرور والمكابرة . ان يكون متزنا" ، متواضعا" ، عفيف اللسان ، مراعيا" لمعايير الأخلاق العامة و الذوق العام ، والأخلاقيات في الأوساط الثقافية , و نقل وإشاعة الجانب المشرق من السلوك الحضاري من مبادئ وقيم قد تكون غائبة أو خافية في تراث مجتمعه ويؤمن بأسلوب النقاش والحوار الديمقراطي وتقبل النقد ، وعدم فرض آرائه على الآخرين .

ترى كم من المتعلمين الآن يتصف بهذه الصفات ليعتبر ( مثقفاً ) .... بالتأكيد هم قلة قليلة . وهذه حقيقة مرة لا يعترف بها الكثير من متعلمي اليوم مكابرة فكم منهم يدعي كونه مثقفاً وهو غارق في النفاق وإدعاء البطولات الكاذبة ويتفوه بكلمات رخيصة ولا إلمام له بأي تطور علمي أو اجتماعي أو سياسي سوى الخبث والنفاق ونتمنى ان يكونوا بعيدين عن المؤتمر .

25 / حزيران / 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط