الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار جوان تتر --فطر الأرض يختبئ في قلبي

فرات إسبر

2009 / 6 / 26
مقابلات و حوارات


هَادئة تتابع الشّاعرة السوريّة فرات إسبر نَحْتَها الشّعري المُتوَاصِل في تقديم نصوص متميّزة، شاعرة لاتعترف لا بالزمان ولا بالمكان... طفولتها فراشة لم تر جناحيها... الحلم ما زال على العكاز، الأحلام موجودة، كل يوم، وهي مترافقة مع كل يوم جديد وبدون أحلام لا حياة مثل البحار بلا أسماك...المرأة بالنسبة إليها تعيشُ حالة إقصاء حقيقي، رغم وجود الحنين الجارف إلى العائلة ولكن في لحظة تجد نفسها مشطوبة من سجلات العائلة ومن سجلات الشهرالعَقاري...فرات إسبر التقيناها وتحدّثنا معها عن الشّعر والمَوت والعُزلة وعن مواضيع أخرى فكانَ هَذا الحِوار.

* الموت، شبح أرّقَ مُخيّلَة الكثير منَ الشّعراء، برأيكِ –الموت-تجربة حياتيّة أُخرى، أم يبقى ذلك الشَبَح المجهول، لماذا افتتحت أسئلتكَ، بسؤال المَوت؟
- هل تصدق، إذا قلت لك إنه ظلٌ يرافقني، ولا يغادر. يعيش معي في كل ثانية. أكرهه وأخافه. وأعتقد أنه الآن يحوم حولي. صار الموت هاجِساً مرعبًا. كيف ما ننظر في هذا العالم نرى الموت يزداد سرعةً، أكثر من سرعةِ الضوء، تفتح الراديو أو التلفاز أو الانترنت أو أي وسيلة اتصال بالعالم لتفاجَأَ بالخبر، ألم، رعب، مات اليوم العدد الفلاني في بغداد، وغيرهم في باكستان، وانهيار مدرسة في الصين، ومقتل العشرات بهجوم انتحاري، هكذا صار عالمنا كوكب موت، بدلاً من كوكب حياة، وبصراحة النساء أكثر حساسية تجاه الموت من الرجال، موت الرجال مختلف، لكن موت النساء أكثر فظاعة هذا ما إذا كان قراراً متخذا من قبل صاحبه سواء رجل أو إمراة.موت سيلفيا بلاث سنياريو مخطط له، وصُمِّمَ بعناية وتفكير، كأنّها تمضي إلى شيءٍ ما يشبه حياةً أُخرى قد تجد فيها الخلاص من خيانة مرعبة. أعتقد أنّ موتها كان أكثر بعداً من الخيانة التي تعرّضَت لها. هناك تركيبة معينة في شخصيّة النّساء يمكن أن يكون لها علاقة بتركيبتها الهرمونية والفزيولوجية وهذه تؤثر في مناخ الجسد، فتهبُّ العاصفة، فيها، كما هي في الطبيعة. وايضاً غَرَق" فرجيننا وولف "لم يكُن سَهلاً، هذا يتطلّب إرادة قويّة وليس كما يسمّيه علماءالنفس، ضعف الإرادة أكرهُ القبور، لا أحبُّ زيارتها، أريدُ أن أبقى في الحياة، أكرهُ الغرق والنار.

* الصّور الأولى، الطفل الذي كُنَّا، مادّة كتابيّة، حَقلٌ خصب لدى الكثير من الشّعراء والروائييّن، الآن ما شعوركِ وأنتِ تتأمَّلينَ صورةَ الطّفلة التي كُنتِ؟
- لا علاقة لطفولتي بما أكتب، كلانا غريبتان، لا أذكرها.لا أذكر سوى طيف البنت الخجولة التي كانت تعرفُ الأجوبة في الصفّ، ولكن يدها تهتزّ عندما تريد الإجابة، عندما أفكّرُ بها أتضايق وأشعرُ بالغيظ منها، طفولتي فراشةٌ لم أرَ جناحيها أبداً، ولا أدري ما لونها.

* المَكانْ، "المَدينة، مَدينة كافافيس"، صِلَةُ الشّاعِر بالمَكان؟
- المكان حلمٌ لَم يتحقّق، المرأة لا مكانَ لها في هذا العالم، مهزومة على كلّ الجبهات، داخليًا، العائلةوخارجيًا المجتمع والقوانين المرأة تنتقل من خانة إلى خانة، عابرة في هذه الحياة، في محطّات ليست لها، وإنّما هيَ، وسيلةأو جسر.

المكان، بيت وحجر وأرض، تبُنى عليهما الذّاكرة، مُثْبَتة في السجلّ العَقاري، كما هيَ راسخة في الذّاكرة، هي تُمْنَح للرجل بحقّ الوراثة الشرعية والعرفية والقانونية، ولكن المرأة لا تخضع لهذا العرف ولا لهذا الميراث، هي خارج العائلة لأنّها انتقلت بخانتها إلى زوج آخر. فهي تابعة له وخارجة عن العائلة، قد تقول لي إنك لا تقصد بسؤالك عن المكان "كبناء وحجر "وإنّما تقصد المكان" كعلاقة ورمز" وأنا أقول لك كلاهما لاينفصل عن الآخر، كلاهما كلّ وجزء. لم أعرف المكان حقيقة، حتى الآن، حنيني مشتبه به، لأنني لم أعرف الجدران، هناك في الوطن الأمّ...غُربتي "المكان الرمز" مَنحتني الضّوءَ والحرارة والدفء، القوّة بأن أُعيدَ بناء شخصيّتي التي بقيت في الظلّ لسنواتٍ طويلة.

المكان بالنسبة إليّ يتمثّل بالحَجَر، الحَجَر القويّ، الذي يمنحُ القوّة ويُعطي إحساسًا بالوجود.وعليهما تُبنى الذّاكرة، فإذا لم يكُن لكَ بيتٌ وأرض فلن يكون لك ذاكرة. علاقة الرجل بالمكان تختلف عن علاقة المرأة بالمكان، هي مرتحلة، وهو، عائد، سواء في الموت أو الحياة.المرأة تنفصل عن المكان بالموت والحياة، هي في نزوح دائم!
نحن النساء نعيشُ حالة إقصاء حقيقي، رغم وجود الحنين الجارف إلى العائلة ولكن في لحظة تجد نفسها مشطوبة من سجلّات العائلة ومن سجلّات الشهرالعَقاري.بحكم القانون وبحكم الوجود اللاإنساني.

* الفَراغ، العبث، الفَقد، لاجدوى الاشياء، الأوهَام، القَسوة، الإنتظار، عَناصرٌ هيَ كل مانملك في الحياة، كيف نبدأ "مرةً أُخرى"؟ ومِن أين؟
- الحياة، كتلة مما ذكرتَه، والروح هي مسرح لكل هَذه المتناقضات كلٌّ منا يرى الأشياء بمنظوره الخاصّ وبالنتيجة أنا أعتبر الحياة بحد ذاتها فَقد كامل لأننا سنغادرها مجبرين. نعيشُ في الفراغ، المساحة، التي تفصل أرواحنا عن أجسادنا. نعيشُ في الفَقد عندما نرى أجسادنا تترهَلّ وتموت، بعض الأعضاء فيها كالأشجار، نعيش بالوهم بأننا سعداء بمتعة الحياة والوجود ولكننا ننتظر بالمقابل الموت، السيّاف المرعب، هكذا هي حياتنا وما ذكرتهُ لي من عناصر يؤكّد تمامًا بأنه لا جدوى من الحياة، وبالرغم من كل هذا نبقى متمسكين بها.

* العزلة، ثمَّةعزلةٌ إجبارية، وعزلة يختارُها الشّاعر، أو ربمّا هي التي تختاره، "سَمِعنا كثيراً عن شُعراءٍ اعتزلوا"، برأيك ماالذي يدفعُ الشّاعر إلى العُزلة؟
- سؤالك يطرح شقين، الشق الأول هل تقصد به أعتزال الشّاعرعن الكتابة؟ أم العزلة بمعنى التوحُّد والإبتعاد عن الناس؟
الاعتزال مفهوم آخر، بمعنى التقاعد وأنا برأيي أن الموهبة لا تعتزل، ولكن أنا أحترم من يتوقّف عن الكتابة، عندما لايجد شيئًا يكتبهُ. هذا إكرامٌ منه لذاتِه ولقرّائه.
أمّا العزلة، وسأتحدّث عن نفسي، العزلة هي التي اختارتني لأسباب يَصعب شرحها وهي كثيرة ومتعددة ولكنني كي لا أكون ناكرة للجميل ومُدّعية لقد لقيتُ نفسي في هذه العُزلة، وجدتها.هذه العزلة أعطتني مفهومًا جديدًا لحياتي، الجديدة والسابقة، ورأيت كم اختلفت الحياة، ولكن إذا طال زمن العزلة تتحوّل إلى حالة مرضيّة، يصعُب التخّلص منها.

* الكتابة المتولّدة من رَحمِ الهَزيمة، برأيكِ هَل تُعيد الاعتبار إلى مَن هُزِِم؟
- سأتحدث عن هزيمة المرأة. هزيمة قاتلة لتجربة عشتها، الهزيمة الحقيقية للإنسان، أن لايعيش بالمستوى اللائق به كإنسان.الهزيمة لاتُعيدُ الإعتبار إلى من هُزِم، إلا بشرط الإنتصار على من هَزَمَنا. الحياة مليئة بالهزائم، كل يوم معركة مع الذات أو الخارج أو المحيط.أعتقد أن الإنتصار الحقيقي في الحياة هو البقاء أقوياء بقوة الروح وقوة الجسد.

أعتقد أن الكتابة تفيد في الهزائم، جعلك قويًا تُعطي مناعة داخلية للبقاء أمام الصدمات، وكنتُ قد تحدَّثتُ في حوارٍ سابق عن دور الكتابة في حياتي بأنها حَمَتني من هَشاشة العِظام وما زلتُ أشعرُ هذا بعيدًا عن المُسكّنات والأدوية، لقد كانت دواءً لي. وهذا أعتبره انتصاراً على الهزيمة التي لحقت بي نفسيًا ومعنويًا.
* الحلم، المَغارة الواسعة، هل سَبَقَ وأن أفرغتِ حُلماعلى البياضِ المُخَطّط في زيّ نصٍّ؟
- الحلم ما زال على العكاز، الأحلام موجودة، كل يوم، وهي مترافقة مع كل يوم جديد وبدون أحلام لا حياة مثل البحار بلا أسماك، فبدون الأسماك اعتقد أنه لا معنى للبحار.أحلامٌ كثيرة، ولكن السؤال هل تتحقق؟ لم أحقق أحلامي، فأنا امرأة تحيا على درج الهاوية.

* لَحظَةُ البدء بالكتابة؟
لا وقت محدد للكتابة عندي، تأتي في أي مكان وأي زمان -قد يضحك البعض مني-حقيقة لا أجلس إلى مكتب ولا إلى طاولة، أحيانا أكتب ما يخطر في بالي بأي مكان، على" علبة المحارم "على غلاف كتاب.أحيانا على مغلف معي أو أوراق أعثر عليها في محفظتي قد -تضحك مني-وقد لايصدق البعض! أحيانًا وانا أسير في الشارع أقف في الطريق في أي زاوية وأكتب ما يجول في خاطري أو ما زارني من كلام جميل.

أحيانا أصبح عصبية، أفقد الأقلام، تضيع مني، وأحاول العثور على قلم، تكون الأفكار قد ضاعت، أحيانا أترك نشر الغسيل أوالطبخ أو أي عمل من أعمال البيت وأكتب الفكرة التي راودتني. أجمل القصائد التي كتبتها وأحبها كثيرًا، كتبتها وأنا جالسة أمام باب البيت أتأمّل المارّة أو أطفال المدارس في ذهابهم و إيابهم.أو في الحديقة وهكذا. الموهبة أو طفرة الكتابة لامكان لها ولازمان قد تأتي أو لا تأتي ولكن لا يمكن تحديدها والسيطرة عليها لأنها غير خاضعة لقوانين ومراسم وأنا أستغرب مّمن يجلس إلى مكتب وينتظر ساعات لقدوم الوحي!

الكتابة" كمأة "مخبأة في بطن الأرض، تُظْهِرُها العواصِف والأمطار، أو قد لاتُظهر غير الحصى وآمل أن يكون فطر الأرض في قلبي يختبئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر