الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة

محمد سمير عبد السلام

2009 / 6 / 27
الادب والفن


تعد طبعات الأيدي Hand Prints الموجودة ضمن رسوم الكهوف القديمة ، علامة جمالية ، يمكننا من خلالها أن نعيد قراءة البدايات الملتبسة للفن ، في اتصالها السري بنشوء المجتمع ، و الثقافة ، و الإبداع ، و الحضارة ، و العالم الداخلي للإنسان ؛ فهي خطوة متطورة باتجاه البصمة الإنسانية المقدسة بجوار الطوطم الحيواني القديم ؛ مثل الثور ، و الحصان ، و الفيل .
إن هذه الطبعات تؤكد الحضور القوي للإنسان ، ممزوجا بلحظات رعب أصيلة تكمن في انقطاع الأثر عن التكوين ، و كأنه يناهض الموت من داخل مخاوفه المتكررة . الأيدي تقاوم الموت ، و تستشرفه ضمن بنيتها الخاصة ؛ فهي الأثر الجمالي للتكوين ، أو للطاقة الإبداعية المتجاوزة للتجسد من خلاله .
و تشير موسوعة أول آرت All-Art.org إلى الدلالات الطقسية ، و الرغبة في الامتلاك في علامة الأيدي ، كما تذكر انتشارها في كهوف مختلفة في فرنسا ، و أسبانيا ، و غيرهما . و الصورة منشورة على الموقع نفسه في سياق فنون ما قبل التاريخ على الرابط :
http://www.all-art.org/history16.html
و أرى أن أهمية هذه العلامة الإشكالية تنبع من أمرين :
الأول : تأويلي ، و ينشأ من الالتباس ، و التناقض ، و غياب الفاعل المحدد رغم تأكيد الحضور الإنساني ؛ مما يستدعي تأويلات جمالية مفتوحة لهذا الانتشار الجمالي المعقد للعلامة ؛ فهي تجمع بين التكرار ، و الاختلاف الجزئي ، و التنامي الزماني ، و المكاني للأثر ، و أطيافه المتكررة في تاريخ الفن ، و ما بعد نظرية الفن أيضا .
الثاني : جمالي ، و فيه تلتقي البدايات الفنية ، من حيث هي مجموعة من الأشكال المتداخلة ، و الارتباطات المركبة بين مكونات الوعي ، و الحياة البيولوجية ، و الاجتماعية ، و الطقوس دون انفصال ؛ مما يدل على ولوج الفن لبنية الوجود نفسها دون تمييز ثقافي بينهما ، و سنرى أن هذه التداخلات المجازية ، و المعرفية قد عادت في سياق تفاعلات حرة تتجاوز البنى المستقلة للذات ، و الإطار فيما بعد الحداثة ، و لكن في اتجاه الوعي بتفكيك المركز ، و قراءة الفن في تجارب الحياة اليومية ، و المواد الجاهزة كما هو عند دوشامب ، و راوشنبرج ، و غيرهما .
و أرى أن طبعات الأيدي حملت دلالات الرغبة في الخلود ، و الفرح بالوجود التخيلي الأول بينما تتجه الفنون المعاصرة إلى إحداث تفاعلات لعبية واعية تتجزأ فيها الخبرات الإنسانية ، و المادية ، و الثقافية في عمل فني يتجاوز بنيته الخاصة دائما .
و يمكننا أن نؤول علامة الأيدي في مسارات عديدة ، و محتملة تؤكد بروزها الفريد ، و تواترها بين أطياف المجموع ، و النتاج الجمالي للوجود .
* فرح الحياة /
إن انفتاح الكف يجسد تجدد طاقة الحياة المجردة ، دون نهاية ؛ فهو إعلان صارخ عن وجود متكرر مرح ، و لكنه مقطوع أيضا ، و يحتمل الموت في صورة معلقة . الموت لا يكتمل هنا أبدا ؛ إذ يقع في صيرورة ديناميكية انتشارية تشبه الحياة نفسها . الموت جزء من وهج إبداعي يقاوم مدلوله كعدم ، أو ظلمة .
• بعث الطاقة الكونية /
اليد تتحد بقوة الحجر ، فتكتسب حضورا كونيا ، و هي أيضا صوت المادة ، و طيفها المتحرر من صلابة الصمت . إنه سرد في نسيج الحجر ، يؤكد مقاومة الموت ، و الخصوصية الكونية المتجددة للتكوين الجمالي للإنسان في اتحاده الخفي بطاقة العناصر .
• بنية المجموع /
مجموع القبيلة في طبعات الأيدي أقرب إلى النزعة الإنسانية ؛ فبصمات النساء ، و الأطفال حاضرة بقوة ، و يغيب عنها الحيوان الضخم ، و كأنها تجسد قوة القبيلة كمجاز إنساني يمتد في الماضي ، و المستقبل ، و يستشرف انتشار الحضارة ، و تراكمها .
• العمل الإبداعي /
تشير اليد دائما إلى العمل ، و خاصة العمل الإبداعي ، و هي هنا تجمع بين الأداة ، و الموضوع ، و كأنها إبداع مضاعف . الأيدي موضوع رئيسي ، و جمالي في الحضارة البشرية ؛ فقد تفاعلت مع الحجر ، و النار ، و المحصول ، و غيرها . إنها طاقة الحياة اليومية ، و الفنية أيضا ، و هي النشوء المتكرر في مواجهة تاريخ الدم ، و الفناء .
و سنلاحظ الامتداد السحري لليد اليوم في تكنولوجيا الكمبيوتر ، و البرامج ؛ إذ نتعامل معها الآن بشكل يومي عند فتح روابط الإنترنت ، و ملفات الكمبيوتر ، و برامج القراءة الإلكترونية ، و غيرها . لقد انفلتت اليد من لحظة الفرح بالجمال الأولى حتى اختلط تكوينها الفريد بالمعرفة المتجددة ، و اتساع الوعي الآن .
محمد سمير عبد السلام - مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه