الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة العمالية المغربية وسؤال مواجهة مخاطر العولمة

مصطفى عنترة

2004 / 5 / 1
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004


تشهد الحركة العمالية المغربية تحولات بنيوية إثر التغيرات الدولية المتسارعة، ذلك أن رياح العولمة القادمة باتت تهدد موقع هذه الحركة من حيث ضرب كل المكتسبات التي سبق أن حققتها في ظروف جد عصيبة، ولعل اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وقبلها اتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي قد أوضحت بالملموس أن الطبقة العاملة مدعوة إلى مواجهة مناخ جديد أصبح خلاله للرأسمال العالمي دورا رياديا.
الأكيد أن النقابات العمالية على وعي بخطورة هذا الوضع، وبالتالي فهي ملزمة إلى الدخول في مرحلة إعادة تأهيل ذواتها بغية التكيف مع هذه المستجدات العالمية. وبمعنى أكثر وضوحا فإن النقابات العمالية مدعوة للدخول إلى عالم المأسسة بدل المنشأة الذي توجد عليه، وتغيير ثقافتها الاحتجاجية لفائدة ثقافة الشراكة والتصالح مع الرأسمال باعتباره حليفا موضوعيا وشريكا استراتيجيا ضمن تعايش يخدم مصلحة الطرفين في نهاية المطاف، والبحث عن آليات جديد للعمل تتماشى مع مستجدات العصر.. فتراجع حركة الإضرابات والاعتصامات التي ميزت الساحة الوطنية في السنوات الأخيرة مؤشر على هذا الوعي المخالف للوعي المغامر الذي ساد في مرحلة سابقة. كذلك من شأن خروج مدونة الشغل إلى حيز الوجود أن يساهم في إذكاء هذا الوضع، فهذه المدونة التي كانت في الأمس القريب موضوع خلاف كبير بين أرباب العمل والمركزيات النقابية، اعتبرتها النقابات العمالية بمتابة قانون جديد للاستثمار لصالح أرباب العمل فيما وصفها الباطرونا بقانون جنائي مسلط على رقاب المستثمرين..، انتهت في الأخير إلى توافق الأطراف المعنية، حيث لعب إدريس جطو الوزير الأول دورا كبيرا من خلال تقريب النقابات العمالية الأكثر تمثيلية والباطرونا نظرا للعلاقة المتميزة التي تجمعه مع مسؤولي المركزيات النقابية والباطرونا الممثلة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب بقيادة حين الشامي على اعتبار أنه كان عضوا فيها. ومن شأن تطبيق مراسيم المدونة أن يساهم في تسريع وثيرة هذا التحول الهيكلي الهام الذي تعيشه الحركة العمالية بالمغرب.
لكن يبقى هذا الوعي الحاضر لدى النقابات العمالية، اتجاه مخاطر العولمة تعترضه مجموعة من العوامل قصد التحول إلى أرض الواقع:
أولها، أن مسلسل الشتت النقابي لازال متماديا، آخر حلقة تلك التي عشناها في السنة الماضية بعد إقدام الغاضبين داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على مبادرة خلق مركزية جديدة تحت اسم: الفيدرالية الديمقراطية للشغل بقيادة الطيب منشد، انضافت كرقم جديد لقائمة النقابات المتواجدة داخل الساحة الوطنية، وهذا التشتت لا يخدم في العمق مصالح الشغيلة المغربية، بل أكثر من ذلك يضعف موقعها التفاوضي لفائدة الباطرونا.
ثانيها، غياب الوعي الوحدوي، ذلك أن غالبية المركزيات العمالية تقف وراء صناعة قراراتها تنظيمات سياسية، مما يجعلها تفقد نوعا من استقلاليتها، ذلك أن أهم القرارات نجدها تتخذ خارج الاجهزة النقابية التقريرية، لدرجة أن هذه الاجهزة لا تعمل إلا على مباركتها..وهذه السمة تطبع جل تنظيماتنا النقابية. فأغلب الصراعات التي يعرفها أقطاب الحركة العمالية تكون انعكاس لصارعات سياسية، تستخدم خلالها النقابات كأدوات في الصراع.. والأمثلة في هذا الباب عديدة، وهذا ما جعل البعض يتحدث عن ما سمي بـ "النقابات الحزبية". فنقاباتنا الأكثر تمثيلية لم تستطع بعد تجاوز خلافاتها في اتجاه بلورة ميثاق وطني للتعامل بينها من خلال تنسيق مواقفها حول القضايا المجتمعية الكبرى لاعتبارات متعددة منها أساسا الطبيعة البنيوية للحركة العمالية، إذ أن مركزية الاتحاد المغربي للشغل تمخضت عنها على سبيل المثال مركزية الاتحاد العام للشغالين بقيادة عبد الرزاق أفيلال التي تمخضت عنها الكونفدرالية العامة للشغالين بقيادة عبد الحق السملالي.. أما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فقد انشقت عنها الفيدرالية الديمقراطية للشغل بقيادة الطيب منشد، والأمثلة في هذا الشأن عديدة.. أيضا الحزبية التي اتسمت بها بعض المركزيات النقابية (أي وصاية السياسي على العمالي) وصراعاتها حول مسألة التمثيلية سواء في الداخل أو الخارج.. هذا دون أن ننسى الدور الذي لعبه المخزن في العديد من المحطات التاريخية لإضعاف النقابات العمالية الأكثر شعبية.
ثالثها، بروز الاسلاميين في بعض القطاعات النقابية (التعليم..)، وهذا الأمر ساعد بدوره على على تعميق تمزق الجسد النقابي، ذلك أن الريادة النقابية لم تعد لفائدة قوى اليسار، بل أكثر من ذلك أصبح لحزب العدالة والتنمية ذي الميولات الاصولية مركزية نقابية جديدة تحت إسم الاتحاد الوطني للشغل تخطو بشكل متقدم في اتجاه منافسة النقابات العمالية التقليدية في قطاع معينة.. ومن شأن القوى الإسلامية ان تكتسح قطاعات نقابية جديدة اعتبارا لقوتها التنظيمية والجماهيرية، فضلا عن أزمة الديمقراطية التي تشكو منها النقابات التقليدية، والشيخوخة التي تميز قادتها وما شابه ذلك من العوامل التي تنخر جسد التنظيمات العمالية.
رابعها، بروز نقابات قطاعية في ميادين معينة كالتعليم والأبناك..كما هو الحال بالنسبة إلى النقابة المستقلة للمهن التعليمية بقيادة محمد بولعيش.. وهذا الأمر بدوره يساهم في إضعاف موقع الطبقة العاملة.
خامسها، ضعف الاهتمام بالعنصر البشري من خلال عدم القيام بتنظيم دورات تكوينية داخل وخارج التراب الوطني وضعف الاستفادة من الخبرات الدولية والتجارب النقابية الناجحة.
الادارة هي الاخرى ملزمة بتوفير المناخ السليم والصحي لأطراف العملية الانتاجية بغية توفير الارضية الصلبة أمام القوى الاجتماعية لمواجهة تحديات العولمة من استقلال القضاء وتطوير المحاكم التجارية وتحديث آليات عمل جهاز مفتشي الشغل.. ودعم كل الخطوات الرامية إلى تحصين مناعة القوى الاجتماعية ضد مخاطر زحف العولمة.
مما لاشك فيه الحركة العمالية لعبت دورا أساسيا قبل الاستقلال من خلال مواجهتها للمستعمر الغاشم وبعده من خلال نضالاتها إلى جانب القوى التقدمية من أجل تأسيس دولة القانون والمؤسسات، وبدورها قد خضعت الفصائل النقابية النشيطة منها إلى القمع الشرس من طرف المخزن فضلا عن محاولات الاختراق والتدجين، لكن المتتبع اليوم للمشهد السياسي يقف عند التراجع البين للحركة العمالية داخل ساحة الفعل السياسي لأسباب تعود ربما إلى الغموض والضبابية الذين يلفان أفكار وطروحات الطبقة السياسية.
فالاطراف الديمقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل هي التي ساندت الجناح التقدمي داخل حزب الاستقلال وكانت وراء تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، نفس الدور لعبته أطراف مماثلة من خلال دعم الاجنحة الراديكالية داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في محطات متعددة ( الشبيبة الاتحادية، الفقيه محمد البصري..) قبل أن ينفجر الصراع داخل الاتحاد الاشتراكي إثر فشل أصدقاء عبد الرحمان اليوسفي المستقيل من الكتابة الاولى للاتحاد وعجزهم عن الحفاظ عل التوازنات السياسية المطلوبة، بل أكثر من ذلك الشعارات التي سبق أن رفعها الكونفدرالي نوبير الاموي في عقد التسعينيات من القرن الماضي حزل موقفه من نظام الحكم ومطالبته بنظام يسود فيه الملك ولايحكم، فضلا عن احتضان المركزيات النقابية لنضالات المعطلين وعائلات المعتقلين.. ودعم كل المبادرات الديمقراطية.
فالنخبة النقابية عجزت عن تقديم أطروحات متقدمة من الناحية النظرية في كيفية التعامل مع شبح العولمة ومواجهة مخاطرها المتعددة، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض النقابات الشعبية في دول أمريكا اللاتينية وأوربا... والتي تقوم باستمرار بالتظاهر ضد العولمة والتحذير من انعكاساتها السلبية المدمرة والبحث عن انجع السبل لمواجتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا


.. أمير الكويت يصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ أحمد




.. قوات النيتو تتدرب على الانتشار بالمظلات فوق إستونيا


.. مظاهرات في العاصمة الإيطالية للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعي




.. جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تتعهد بقطع شراكاتها مع إسرائيل م