الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل العدالة والحرية في إيران

رمضان متولي

2009 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لا يترك الاستبداد شعبا دون أن يترك فيه ندوبا وجروحا لا يعلم أحد متى تشفى، وكأنه ورم خبيث في جسد هذا الشعب كلما قطع له رأس ولدت له آلاف الرؤوس حتى ينهك من يحلمون بالحرية والعدالة وكرامة الإنسان.

ويقدم الشعب الإيراني نموذجا لهذا النضال العظيم من أجل الحرية والعدالة، هذا النضال الذي دخل في دوامة من مقارعة أمراض بدت كما لو أنها غير قابلة للشفاء، ربما تعود في تاريخها المعاصر إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي وأد تحولا ديمقراطيا واعدا بمساعدة المخابرات الأمريكية عندما قاد انقلابا على حكومة محمد مصدق في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

حكم الشاه شعبا عظيما بالحديد والنار، حاول بطريقة هزلية مثيرة للسخرية أن ينسب نظامه الهزيل الذي يعتمد على مساندة القوى الاستعمارية له إلى سلسلة الأسر الفارسية القديمة التي حكمت امبراطورية الفرس البائدة، بينما كان نظامه عميلا للولايات المتحدة يلعب دور ذراعها اليسرى في منطقة الشرق الأوسط مع إسرائيل التي ظلت وسوف تظل ذراعها اليمنى.

امتلك الشاه جيشا كبيرا، وأهم منه جيشا آخر كان مسلطا على رقاب المعارضين لنظامه في الداخل هو جهاز "السافاك" الذي أسس بمساعدة المخابرات الأمريكية والموساد واستخدم ألوانا من التعذيب والوحشية ضد معارضيه.

لكن الغرور والقمع لم يقض على روح الشعب الإيراني المناضلة، واندلعت شرارة الثورة بين عمال البترول الذين نظموا إضرابا هائلا عام 1978 ضمن موجة من الإضرابات العمالية التي رفعت مطالب الحرية والعدالة وحقوق المرأة ومواجهة الإمبريالية ما لبثت أن تحولت إلى إضراب عام استمر حتى الإطاحة بديكتاتورية الشاه وتكوين مجالس ديمقراطية متنوعة عرفت باسم "الشورى".

ونتيجة لعوامل عديدة، تحققت السيطرة للإسلاميين بزعامة الخوميني الذي تبنى خطابا معاديا للإمبريالية خاصة مع احتلال السفارة الأمريكية واحتجازعشرات الرهائن. ولأن اسم الشاه ونظامه كان مرتبطا بالسجل القذر لسيطرة الإمبريالية الأمريكية في إيران والمنطقة، استطاع الخوميني بهذه الطريقة إضعاف المعارضة ضده وبدأ ترسيخ نظام الملالي وولاية الفقيه. أعادت "الثورة الإسلامية" إنتاج الاستبداد ولكن بعباءة دينية، أسس الخوميني نظاما قمعيا وعمل على تدمير المنظمات الجماهيرية التي نشأت في خضم الثورة وقادت أهم حلقاتها، قام بسلسلة من الهجمات والإعدامات لقادة المنظمات الثورية التي ساهمت أكبر مساهمة في نجاح الثورة ضد الشاه، مثل "فدائيي خلق" و "مجاهدي خلق" وحزب "تودة"، وهاجم المنظمات النسائية التي كانت تطالب بحقوق المرأة وحركات حقوق الأقليات تحت غطاء الخطاب الديني الغامض والمراوغ.

وبعد عقود من الاستبداد، يبدأ الشعب الإيراني من جديد، هذه المرة يكافح أساطير الجمهورية الإسلامية، هذه المرة يحاول البحث عن مخرج من أزمة اقتصادية طاحنة وحصار ظالم وفساد وتفاوت هائل في توزيع الثروة وسلطة الملالي والفقهاء. وهذه المرة أيضا يتم استخدام الجماهير الغاضبة من قبل مجموعة من "الإصلاحيين" المرتبطين بالنظام الإيراني ولا يريدون إلا تعديلات طفيفة على هذا النظام لتحسين العلاقة بالغرب وإسرائيل من أجل احتواء الأزمة والبحث عن فرصة للخروج من الحصار وتعظيم ثروتهم وسلطتهم. وسواء تحقق لهم ما يريدون ام لا فإنهم سيتركون هذه الجماهير لآلة القمع والتعذيب والقتل كما حدث في عام 1999 عندما تعرض الطلاب المؤيدون لخاتمي لموجة من الاعتقالات والقمع على يد الحرس الثوري.

دعونا نتمنى أن تتجاوز الحركة الحالية سيطرة فصائل النظام الإيراني المنقسمة على ذاتها سواء المحافظين أو الإصلاحيين بأن ينضم إليها عمال إيران رافعين مطالبهم الخاصة من أجل مزيد من الحرية والعدالة إذا كان لهذه الحركة أن تنتشل إيران من ربقة الاستبداد وانقسامات الطبقة الحاكمة التي تستخدم كل فصائلها المؤامرات الخارجية ضد النظام. ولكن يبدو أن خطاب وسياسات أحمدي نجاد الشعبوية والتأييد الواسع الذي يحظى به في صفوف البازار وفقراء المدن والريف سوف يساعد النظام على تجاوز هذه الأزمة ولو مؤقتا، خاصة وأن تطورات الأحداث الإقليمية جعلت منه رمزا لمواجهة الإمبريالية في بلد يعاني مرارة تاريخ طويل من التدخل الإمبريالي ضد مصالحه وطموحاته.

قصة الاستبداد لم تنته بعد في إيران، ولكنها لن تنتهي على أيدي مجموعة من الإصلاحيين الليبراليين الذين يرتبطون بمصالح مع النظام القائم ومع قوى الإمبريالية الأمريكية والغربية، فهؤلاء لا يريدون إلا توسيع مكاسبهم وسلطاتهم داخل النظام، ومحاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية من خلال التحالف مع الغرب ورفع الحصار والعزلة التي تعاني منها "الجمهورية الإسلامية". لكنهم لا يحملون أي هدايا لفقراء وعمال إيران ولا لهذه الجموع الواسعة من الشباب الغاضب الذي يحلم بحرية، فرصتها الوحيدة أن يطرح هؤلاء الغاضبون مشروعهم الخاص للقضاء على امتيازات الطبقة الحاكمة من أصحاب الثروة والنفوذ.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
محمد عبد القادر الفار ( 2009 / 6 / 26 - 10:56 )
موضوع رائع جدا

شكرا للأستاذ رمضان


2 - احسنت واوجزت
همسات ( 2009 / 6 / 26 - 12:20 )
نبذه مختصره وقراءه مميزه
شكرا لك

اخر الافلام

.. محاكمة ترامب في نيويورك تدخل مراحلها الحاسمة| #أميركا_اليوم


.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف منزلا بحي النصر غرب مدينة




.. -بالدموع والصراخ-.. أب فلسطيني يودع نجله الشهيد بغارات على ر


.. مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل




.. تصاعد أعمدة الدخان إثر قصف إسرائيلي شرقي مدينة رفح