الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لإيران الحبيبة

ضياء حميو

2009 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


حين اندلعتْ الحرب العراقية الإيرانية ، كنت في المدرسة المتوسطة ،فرحتُ أنا وأقراني بها لأننا لن نذهب للمدرسة في اليوم التالي ،لم أكن اعرف ماتعنية الحرب..!!
تعطلتْ المدارس أكثر من شهر وضجرنا من بقائنا في البيوت.
شح وانقطع النفط والغاز ،ولم يعترض الكبار على واحدة من أقدس مازرعوه ، "النخلة العمة " ، صمتوا حين اضطر بعض القرويين لقطع النخيل واستخدام جذوعه كوقود للطبخ والتدفئة.
إنها الحرب ، لامكان للمقدس فيها ..!!

لم يعد في التلفاز غير أغاني الحرب وخطاباتها ، حتى افتتاح التلفاز لبثه الإذاعي كانوا يختارون له آيات من القرآن قصيرة ،يختمونه بدعاء ظل يتكرر ثماني سنين " اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة وامنحه المقام الكريم الذي وعدته ،إنك لاتخلف الميعاد" ،كنا فرحين باختزال فقرة القرآن الكريم لنشاهد ماحدث مع السندباد في أفلام الكارتون ،ولكنهم أوقفوا بثه واستعاضوا عنه بكارتون قصير خمس دقائق بدلا من خمس عشرة دقيقة.
اختفى من البيت ثلاثة من إخوتي والتحقوا بالجبهات كجنود ... لم أشاهد أمي تبتسم بعد ذلك اليوم..!
إنها الحرب لامكان للابتسام بها ..!

وحين حل العيد ، لم يرقص الناس رقصة " الجوبي " كما اعتادوا ..!
إنها الحرب ، اختفت " الجوبي " والى اليوم كرقصة من رقصات العيد...!

عاد احد الجيران ،بإجازة عسكرية ،حاملا معه ، خرطوشة اطلاقة مدفع عملاقة ، لم نر مثلها من قبل ،كان يتباهى بها أمام ضيوفه هو وزوجة ،وكذا جلب الكثير من الجنود مختلف أنواع الخراطيش ،وصرنا نعرف نحن الصغار ،تماما كل خرطوشة لأي نوع قذيفة ،لم تعد خرطوشة جارنا ذات أهمية لكثرة الخراطيش ، ولذا استخدمها أخوه ،بعد أن وضع فيها عمود من الحديد وصب بها كونكريت لتكون رافعا لمستقبِل البث التلفزيوني ،بعد سنتين شاهدت الخرطوشة ،تثبت إحدى دعائم بيت عزاء جارنا الشهيد في معركة " القادسية " الثانية.
إنها الحرب ،تستخدمها وتستخدمك..!

جار آخر كان جنديا عاد بإجازته بعد معارك مدينة "المحمرة" ، حاملا معه إحدى الغنائم التي أرانا إياها ،كانت البوم صور لعائلة إيرانية ،هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها البوم صور ،مازلت أتذكر إحدى الصور ،لطفلة في عمري وسط حقل مليء بالزهور البرية فسيح ،قال جارنا انه لم يأخذ من هذا البيت الذي هجره أهله بسبب الحرب غير " الألبوم "لأنه وجد إن أهل البيت كتبوا على ورقة وضعوها بجنب " قرآن " :أمانة الله ورسوله "...هل كان أهل البيت عربا ؟! ،ولكنه أضاف بأسى إن جنودا آخرين لم يأبهوا ونهبوا البيت كله ،حتى القرآن "..!
إنها أخلاق الحرب.

اتشحت المدن بالسواد، وبدل السؤال:ابنُ من الذي أتوا بنعشه اليوم "شهيدا" إلى مركز الشرطة "لتسلمه إلى عائلته"، صار: كم هو عدد النعوش؟!
إنها الحرب لها أسألتها الخاصة..!

كرهتُ هذا الرجل المعمم الذي لايريد أن تنتهي الحرب إلى أن يدخل "كربلاء"..!
كانت ماكينة الحرب الإعلامية ،تردد دوما " الفرس المجوس الحاقدون"،كرهتُ هذه الحرب وهؤلاء المجوس البرابرة الملتحين ،كرهت الإيرانيين ،الذين لايوقفوا الحرب ليعود إخوتي إلى البيت ، وتعود لامي ابتسامتها.

أبي يضع المذياع على إذاعة " مونتي كارلوا "ويغفوا بانتظار خبر عن الحرب،السنين تمر ....والحرب تغدوا منسية للعالم إلا لنا نحن العراقيين والإيرانيين، لأنها لاتريد أن تنسى إننا وقودها ،وإذاعة " مونتي كارلوا "ولأيام طويلة لاتذكر شيئا عن الحرب.... فقط إعلانها عن جبنة " لافاش كيري " جبنة البقرة الضاحكة ،لم أكن اعرف عن الجبن إلا انه إحدى مشتقات الحليب ،وكشأن اغلب القرويين لانشتري إلا السكر والشاي والتتن من المدينة ، لم نذق الجبن يوما لأننا نكتفي بما نزرعه وتنتجه حيواناتنا ،ومن هذه الأخيرة لانعرف سوى ،الحليب ،والزبدة ، واللبن الخاثر الذي نسميه " روبه " بالعراقي....!
سألتْ أمي عن طعم الجبن..؟!
اعتدل أبي بجلسته كمن يريد أن يلقي خطبه ،وقد أصاغ جميع أفراد العائلة السمع له ،قال "لقد تذوقته عند زيارتي لأحد الأصدقاء "حضري "من المدينة ،وهو يشبه الروبة الصاكه " الجامدة، وملحة زايد ،كسر بجمع " خرط "هراء..!
بعد هذا الجواب لم افهم لماذا كل هذا الاهتمام من إذاعة مونتكارلوا "بروبة صاكه"..!!

تمر سنين "الحرب المنسية" ، وترصد الحكومة في القناة الثانية العراقية ساعة بث تديرها " منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة "، كان أجمل مافي هذه الساعة هي فقرة خمسة عشر دقيقة لاغاني فارسية قديمة ...!!
من هنا بدأت معادلة أخرى في حياتي ،سمعت :مختلف الأغاني التي لامثيل لوقعها في داخلي أنا الذي لاافهم الفارسية ، ولكنها الموسيقى ،استمعت " لمهستي " وداريوش وكوكوش وهايدة كولبيكاني وغيرهم ،من خلال موسيقاهم أحببت الشعب الإيراني ،كرهتُ نظام الملالي التي حرّم بها هذا الغناء الجميل ، واكتشفتُ إن " حكومتي العراقية " كانت تكذب،كرهتُ صدام حسين ...!
كيف لمن يبدع هذه الموسيقى أن يكون بربريا مجوسيا حاقدا..!!
ماذا عن عمر الخيام وسعدي شيرازي العظيم ماذا عن حافظ ؟!

نعم رغم الحرب ورغم إن أمي لم تستعد ابتسامتها، لكني أحببت الشعب الإيراني، مبدع الفنون الجميلة الأصيلة
لإيران الجارة والأيام العصيبة التي تمر بها، أقول:
أبكي مع كل قتيل يسقط في المظاهرات، وانتفض مؤيدا كلَ صرخة حرية من شبابكم.
لإيران الحبيبة... أهدي ابتسامة أمي التي فقدتها في الحرب، أملا أن أراها تتوزع بالتساوي على وجوه الأجيال الإيرانية والعراقية الجديدة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاتعليق
جيفارا ( 2009 / 6 / 27 - 21:22 )
بألامس ألقريب ظهرت لنا علي هذا أإلموقع وقلت أن للعرب ذيول أليوم تقول لم أشاهد ألبوم صور أين كنت تعيش وكيف أصبحت تفكر من قال لك أن ألمجوس ليس لهم حضارة وموسيقي........... أسف جدآ اخ ضياء نسيت مطرب أيراني صوتة جميل أسمة (ستار )ولة أغنية رائعة هي دليسمبا


2 - العزيز ضياء حميو
مارسيل فيليب / أبو فادي ( 2009 / 6 / 28 - 00:23 )
مبدع في أسلوبك المميز كما عهدتك دائماً ، ولك منا كل الود والتقدير


3 - لعنة السلطة والكرسي
انس ( 2009 / 6 / 28 - 06:52 )
ما الذي جناة صدام والخميني غيبو شعوبهم عن العالم دمرو الحقول والعقول واحد يبحث عن سلطة والاخر يبحث عن كرسي كنت افرح عندما اشاهد السندباد وما انتدوم الفرحه حتى ينقطع شريط افلام كارتون وتبدء صور من المعركةواشاهد ابشع ماتعرفة الطبيعة الا وهو القتل وقتل من الابرياء طبعا الا الف لعنة على الحرب ومن وراء الحرب


4 - ذكريات جيل
قاريء للموضوع ( 2009 / 6 / 28 - 11:42 )
الخراطيش ...نهب المحمرة ومهران وعبدان ...الشباب الغائب في الجبهة ...التوابيت...صدام وخميني

استذكار جيد لقطعة من حياة جيلنا ...
لكن نسيت ن تتحدث عن برنامج
(لكي لا ننسى (

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة