الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صندوق نائلة

أحمد الفيتوري

2009 / 7 / 2
كتابات ساخرة


عند بوابة فاطمة عقب اندحار الاحتلال وقفت مدهوشا : رجل وأطفال يجمعون الرمل عند باب البيت ، الرمل كما هو ظاهر لغرض البناء ، فلاح علي بعد النظر علي آلة حرث متهرئة يحرث الأرض ، وقاب قوسين أو أدني ثمة بعد سلك شائك مدافع وجنود مدججون ومنطاد للمراقبة ، ذلك علي بعد أمتار من السلك الشائك حيث العدو المندحر بجهوزيته العسكرية الكاملة.

لم يستغرقني اندهاشي فالذاكرة انثالت: كيف تسني لي معرفة لبنان هذا أول مرة ، بيتي ودكانة أبي في حي الصابري في مدينة بنغازي وبقرب هذه الدكانة ورشة نجارة ، كنت صبيا في المدرسة الابتدائية حين جاء عمال لبنانيون إلي تلك الورشة أحدهم يدعى نخلة الأشقر من بيت شباب ، عاملني كما لو كنت ابنه ، بمناسبة نجاحي في السنة الرابعة الابتدائية وسفره إلي لبنان وعند عودته جلب لي هدية : غنيت مكة ؛ أغنية فيروز الشهيرة .

لقد دخلت بوابة فاطمة من هذا الثالوث : نخلة الأشقر وفيروز وسعيد عقل .

لذا لبنان عندي صيغة التعايش ، أما ديمقراطية هذا اللبنان فقد عمدها في دمي في سبعينات القرن الماضي، فشل انقلاب العسكري الأحدب، من احتل الإذاعة وصرخ ببيان عسكري معتاد لكن لم يصخ السمع له أحد ، وهكذا شاهدت مؤخرا في وسط بيروت انقلابا ممثلا لم ينجح لعسكري أخر يتخفي في ملابس رجل دين .

بدأ أن لبنان كما هو محكوم بصيغة التعايش أيضا محكوم بالديمقراطية .

ومنذ نعومة أظافر عقلي أتابع هذه الديمقراطية اللبنانية التي لا مثيل لها بحسنها وبمثالبها ، وأشاهد بأم عيني كم هي يتيمة ومحاصرة في عالم عربي؛ حيث العربي تعني اللاديمقراطية علي مستوي كل الدول التي تتكلم عربي فصيح .

لقد كانت هذه الديمقراطية تتحصن بروح التعايش ، وبروح تاريخية منحها مؤسسون أوائل للعقل التنويري العربي جملة من الشدياق إلي البستاني وحتى جرجي زيدان .. الخ .

بهذه الخلفية كنت أجد أن لبنان وطن لكل المنفيين في أوطان العرب أوطاني كما تغني يوما ما سيد قطب .وكنت أتابع معركة لبنان باعتبارها معركة الديمقراطية التي يتصارع حولها اللاعقليون العرب جملة وتفصيلا ، سوي مثلتهم أحزابا لبنانية أو تدخلوا مباشرة ، فكل يقاتل ضد هذه الديمقراطية مخافة أن تطاله . كما تابعت مؤخرا هذه الحرب المعلنة علي الديمقراطية اللبنانية ، والكم الكبير من اغتيالات رموزها منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير !!.

والغريب أن يد البطش السوداء لم تفرق بينهم رغم أن بينهم فروق جمة ، كانوا جميعا قد تحولوا إلي رموز لهذه الديمقراطية الجزيرة في بحر الظلمات.

لذا جاءت الانتخابات الأخيرة كأمر مفروغ منه، حيث الاحتكام إلي الصندوق وسيلة لا يمكن الفرار منها في لبنان حتى ولو كنت مدججا بالصواريخ وقمت باحتلال بيروت لساعات .

لهذا كنت أراقب عن كثب معركة الانتخابات هذه، التي هي مرآة تكشفنا وتبين الروح العدائية للصندوق عند العرب كافة، حتى الذين وقفوا إلي جانب الصندوق تكتيكيا.

فالاحتكام إلي لبنان هنا والآن هو احتكام إلي الصندوق الفريد، ونجاح عملية الانتخابات في هذه الظروف تعني أنه بالإمكان أبدع مما كان أو كما يقال .

وفي تلك اللحظة كان من الواضح أن الاحتكام إلي الصندوق ليس من شئم المعارضة المدججة بالسلاح ، حيث أن معارضة كهذه جذرها من السلاح وهذا ما تحتكم إليه في كل الأحوال . غير ذلك فهي تعرف جيدا نتيجة الاحتكام إلي الصندوق فمشكلتها أن الشعب ليس فردا واحدا وان استخدمت هذا المصطلح مموهة نظرتها إلي الشعب باعتباره القطيع.

لذا كانت واثقة من الخسران حين يتحول الشعب إلي أفراد لهم أصوات .

خاصة وأن رياح التغيير عاصفة تهب علي المنطقة التي تبان كأخر معقل للأنظمة اللاديمقراطية وللنهج اللاعقلاني . ومن جهة أخري أن جيل نائلة جبران تويني يمثل الأغلبية العظمي من سكان هذه المنطقة ، هذا الجيل الذي لا تأخذه الشعارات الملتهبة و لا القضايا الهلامية عن التفكير في مصيره ، كما لا يعرف و لا يعتد بالزعيم الأوحد .

من هذه المعطيات كان لابد من فوز الصندوق ، فالنجاح الذي تحقق بهذا الاحتكام يبين أن الحاجة ملحة للتغيير وأن سبل الماضي وسلبه لإرادة الناس تحت أي مبرر لم يعد يجدي.

ولهذا تحولت المقاومة من أداة وشعار لسلب الإرادة إلي وسيلة مدنية من أجل إنجاح الصندوق باعتباره الحكم الذي يمنح الجميع إرادة المشاركة في مصيرهم .

وقدم اللبنانيون هذه المرة أيضا درسا مستعاد في أن سبل الانقلابات والهيمنة يمكن مواجهتها بالصندوق أولا ، وقد تمت الانتخابات اللبنانية في صورة محكمة كان الشباب فيها من قلب الطاولة.

لقد حمل هؤلاء الشباب السلاح الحقيقي؛ هو ورقتهم الانتخابية، في مواجهة ما يسمى بهتانا سلاح المقاومة، وبينوا في النتيجة أن الاحتكام إلي الشعب يعني أن المقاومة الحق أن نحتكم جميعا إلي الصندوق .

وفي جميع الأحوال لن يسلم الجنرالات – بغض النظر عن ما يلبسون من لباس - سلاحهم بسهولة، لكن نتيجة الانتخابات في لبنان جعلت الأمور عسيرة عليهم ، فهم الساعة في مواجهة سلاح الديمقراطية الذي لا يكل ، ومن يحمله هم من جيل غفلوا عنه وعن أنه صار أغلبية الشعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر