الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل.. قصة قصيرة

اليمين أمير

2009 / 6 / 29
الادب والفن


آه من غربة العذاب وآه من فراق الأيام، كم تألمت وكم تمزق قلبي حزنا واشتياقا. سنة كاملة مرت ولم أر فيها وجهها الحنون، وها أنا اليوم مستلق في هذه الطائرة التي تبدو بطيئة جدا رغم اختراقها الأجواء.. كأن روحي تكاد تسبقني ، تسبق الطائرة إلى وطني الحبيب.. إلى مدينتي العزيزة.. إلى أمي الحنون.. إلى أبي وإخواني.. إلى أهلي، إلى كل المدينة.. فما وطني إلا مدينتي، ومدينتي هي أمي التي هناك في البيت، ربما لا تدري أنني في طريقي إليها، لكن قلب الأم يحس بالأبناء أينما كانوا.. ووجدتني في المطار وقد مرت اللحظات رغم بطئها الشديد. استقليت مباشرة أول سيارة أجرة وجدتها أمامي، وشوقي يزداد حرقة واشتعالا إلى أن وصلت مدينتي. راحت خطاي تسرع وتسرع، وقلبي يخفق ويخفق.. وكل العناصر التي تكونني تتسابق في جنون عظيم نحو بيتنا.. نحو أمي الحنون.
دخلت الشارع ولم أكترث لحقائبي التي كنت قد نسيتها في المطار، أرسلت بصري محدقا في الحشد المجتمع أمام باب الدار فأسرعت أخترق الفجوات بين تلك الأكوام البشرية، وبعد صعوبة شديدة كنت داخل الرواق. فوجئت بالصراخ والبكاء الحاد والعويل.. فتوجهت مباشرة إلى غرفة الاستقبال لأجد أبي وإخوتي يذرفون الدموع وحولهم جمع من الناس يواسونهم ويحاولون أن يطيبوا خاطرهم. لم أفهم أي شيء.. قفزت نحو أبي أسأله عما يجري فلم يتفوه بكلمة.. ولم يجبني أحد من إخوتي عن تساؤلاتي، فرحت أقفز وأصرخ في وجوه الحاضرين دون أن يلتفت إلي أحد وكأنني غير موجود على الإطلاق..
وبينما أنا على تلك الحال فوجئت برؤية تابوت وسط الغرفة، فشلت حركتي وكاد قلبي يتوقف عن النبض، وراحت الكلمات تخرج من جوفي في صمت رهيب.. أمي.. أمي.. أين أمي.. وبعد برهة دخلت مجموعة من النسوة فرحت أفتش بنظراتي بين تلك النساء عن وجه أمي الحنون، وكلي حزن وأسى، إلى أن صادفتها تبكي بكاء حزينا يهتز له عرش الرحمان.. أردت الارتماء في أحضانها وارتشاف تلك الدموع المقدسة المنسابة كالشلال من مقلتيها الشاردتين، لكنها لم تعرني أي اهتمام ولم تنظر إلى وجهي وكأنني لست ابنها الآتي من الغربة.. كدت أجن وسط هذا الجو الخانق، كأنني في كابوس مفزع، رحت أتساءل بيني وبين نفسي عن هذا النائم وسط هذا التابوت ومن يكون يا ترى..؟ فكل هذه الوجوه أعرفها وأمي وأبي وجميع إخوتي أحياء وكل أقربائي موجودون هنا..
اتجه الجميع نحو التابوت وألقوا عليه نظرة أخيرة بينما كنت أحاول الاستفاقة من ذلك الكابوس المزعج فلم يسعفن الحظ في استراق النظر ومعرفة ذلك المجهول، لأن الحشد انصرف من البيت وبعض الناس يحملون على أكتافهم التابوت متجهين نحو المقبرة.. حاولت أن أكلم أمي التي بقيت في الغرفة كأنها عصفور مكسور الجناح والنسوة يآزرنها ويحاولن تهدئتها والتخفيف من آلامها، لكن محاولاتي باءت كلها بالفشل كأنني أخاطب الجدران.. تذكرت التابوت وذلك المجهول النائم عمقه، فأسرعت للحاق بالجنازة ورحت أركض وأجوب الشوارع الطويلة والأزقة الضيقة إلى أن وصلت المقبرة لأجدهم قد فتحوا التابوت وراحوا يلقون نظراتهم الأخيرة على الجثمان، وقبل أن يواروا الجثة إلى مأواها الأخير بلحظات قصيرة استطعت بعد جهد جهيد أن ألج بصري بين الفجوات الضيقة التي يشكلها ذلك الزخم من الناس وألقيت نظرة على ذلك المجهول الذي حيرني وأثار كل ذا الحزن والأسى وسط عائلتي الصغيرة.. فوجئت مفاجأة عظيمة حينما رأيت جثتي خامدة بين أيدي الرجال وهم يضعونها داخل القبر في هدوء مميت ويغطونه بالتراب.. حاولت الصراخ بكل ما أملك من قوة لكن التراب راح يتساقط فوق جسدي ويضمني إليه بقوة موحشة إلى أن غاب عني كل إحساس ولم أعد أرى ولا أسمع أي شيء سوى وقع الأقدام وهي تبتعد عن المكان معلنة الرحيل..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية