الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا مش كافر

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2009 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لقد قام أدونيس، الشاعر السوري المعروف أو علي أحمد سعيد إسبر كما يروق للبعض أن يدعوه، بزيارة للجزائر مؤخرا ً بناء على دعوة من المكتبة الوطنية هناك. الدعوة كانت لإلقاء محاضرة عـن رؤيته للإرث الحضاري الإسلامي بعنوان "نحو ممانعة جذرية وشاملة" . وقد أدلى أدونيس برأيه الصريح في الموضوع الذي حضر لأجله وقال ما مفاده إن " العودة إلى الإسلام في وقتنا هذا تعني انقراضنا الحضاري" وأن "هناك مشكلة كبرى في المجتمعات العربية تتعلق بإخضاع الوحي الإلهي للتأويلات السياسية بدوافع قبلية ومذهبية وإيديولوجية وسياسية بهدف البحث عن السلطة". وتابع أدونيس قائلا ً إن المجتمعات الغربية حققت الحداثة والديمقراطية بعد فصل الكنيسة عن الدولة أما العرب فقد فشلت في ذلك بسبب تحويل الوحي إلى مؤسسة سلطوية تلغي الآخر وتخضِع الفرد وتهمش الرأي النقدي المخالف للسلطة. يقول أدونيس إن أزمة الفكر الإسلامي أزمة تاريخية وليست جديدة!
لقد أقامت هذه الزيارة الدنيا ولم تقعدها حتى الآن. وأول الارتكاسات العنيفة عليها كانت أن أقالت وزيرة الثقافة
الجزائرية مدير المكتبة الوطنية ثم اعتذرت رسميا ً للرئيس الجزائري عن الانزلاق الفكري الخطير الذي حصل في محاضرة أدونيس. وقد قال أحد الوزراء السابقين للشؤون الدينية إن كلام أدونيس مجرد أراجيف وقحة من شاعر ملحد كافر وإباحي. بالمقابل... تصاعدت وتعالت احتجاجات الأدباء والمثقفين معتبرين موقف الوزيرة وإقالة مدير المكتبة الوطنية تراجعا ً خطيرا ً عن مبدأ احترام الحريات العامة.
لايهمني هنا أن أحكم على ماقال أدونيس في الجزائر فهي قناعاته الشخصية. علما ً بأني، ولمن يهمه الأمر، أوافق جمُلة ً على ماقاله الرجل وأخالفه في بعض التفاصيل. المهم في الأمر... هو ماحدث جراء وحول وبسبب هذا الرأي.
ترى... إلى متى سيبقى موضوع الدين حكرا ً على من ينصبون أنفسهم أوصياء َ عليه؟ ألا يحق لي وأنا في القرن الواحد والعشرين أن أقوم ببحث علمي أتقصى به عن أسماء أو أحداث أو مواقع ذات دلالة وصلة بحياة رسول الإسلام محمد (صلعم) وأن أنشر نتائج بحثي بمنتهى الحرية دون أن أنعت بالكفر والإلحاد؟ لا بل سأذهب إلى أبعد من ذلك... ألا يحق لي وأنا في القرن الواحد والعشرين أن أتسائل عن معاني بعض آيات القرآن الكريم ، الذي كان ومازال وسيبقى كريما ً وقدسيا ً بالنسبة لي، وأسباب النزول والعلاقة القائمة بين الآيات المكية والمدنية وأن أعرض إجاباتي عن هذه الأسئلة على من يهمه الأمر دون أن أنعت بالكفر والهرطقة... وأنا هنا أطالب بحقي بتفسير ماأقرأ في كتاب الله عز وجل الذي حث البشر جميعا ً على القراءة الحقة. إلى متى سنبقى مـُـسـَـلـِّمين َ رقابنا كالنعاج الضالة إلى من بفتاويهم المنافية للعقل والمنطق وحرية الكلمة نصبوا محاكم تفتيش ومحارق لكل من تجرأ وخالف رأي فقهاء السلطان ودجاليه بدء ً من أبي ذرالغفاري مرورا ً بأبي خليل القباني ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وأخيرا ً وليس آخرا ً بأدونيس.
لقد تعرض المجتمع الإسلامي العربي، مشرقا ً ومغربا ً، بعد انهيار السلطنة العثمانية لصدمة التحقق من تخلفه المريع عند احتكاكه بالغرب في بدايات القرن العشرين. وأدى ذلك لظهور تيار إسلامي إصلاحي ينادي بتحسين أحوال البيت الإسلامي من الداخل، وتيارات تنادي بتبني الغرب كما هو كونه نموذج النجاح والتقدم والعدالة الاجتماعية. والذي كان ... أن كلا التيارين لم يكن جادا ًوصادقا ً مع نفسه في طروحاته... ومالبث تيار الإصلاح الإسلامي أن وصل في نهاية القرن العشرين إلى التأكد من استحالة ما يطمح إليه فتراجع إلى الأصولية التكفيرية الوهابية. وأصبحنا نرى حتى الشيوعي السابق في ثياب الشيخ المتشدد ورجال الإصلاح الإسلامي يدعون للفتنة الطائفية والتحريض المذهبي. ومن الجانب الآخر، وقع دعاة الحداثة واتباع الغرب، كما هو وبغض النظر عن كونهم مسلمين أم نصرانيين، بصعوبة تطبيق ذلك على أنفسهم أولا ً وبخاصة على صعيد تحرر المرأة وتنصيبها زمام سلطة ذاتها. بتنا نرى شبابا ً متأنقين بثياب وعطور وأفكار وكتب ٍغربية من الخارج ومتبنين تماما ً لأفكار أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها متخلفة ورجعية. وخير مثال على ذلك اليوم التبني الجماهيري الكبير للعمل التلفزيوني السوري المهم "باب الحارة" مع كل ما يحمله من قيم خضوع تام أعمى ومــُشَرعـَن ْ لسلطة الزعيم الأب وقمع المرأة إلى حد النفي. وأنا لاأعتقد أني بحاجة هنا للتنويه أو التصريح بما للحكام العرب من مصلحة واضحة بترويج نموذج "باب الحارة".
الثبات هو الموت. مجتمعاتنا العربية الحية تتحرك. نحن الآن على عتبة عصر جديد. فإما العودة إلى القوالب المسبقة ونفي العقل أو الدخول في عصر أنوار عربي قائم على قبول الآخر. إنها علائم مخاض ولاشك. ولنا جميعا ً أن نتحمل العيش مع المولود الجديد عمرا ً آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال وجيه
مايسترو ( 2009 / 6 / 29 - 13:08 )
سيدي رداً على تساؤلك حول إلى متى سنبقى مسلمين رقابنا إلى أصحاب الفتاوى الضالة، فأعتقد أنه الأمر سيبقى إلى ما لا نهاية فليس هناك أمل في التغيير مع هكذا شعوب أسلمت نفسها للمقدس ولن تخرج من براثنه، ولك الشكر.

اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة