الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ست قضايا عالقة قبل لقاء ميدفيديف - أوباما

ماجد الشيخ

2009 / 6 / 29
السياسة والعلاقات الدولية


العلاقات الأميركية – الروسية
على وقع اهتزازات "السلام البارد"!

انطلقت يوم الاثنين في الأول من حزيران (يونيو) الجاري في جنيف الجولة الثانية من المباحثات الروسية – الأميركية بشأن وضع معاهدة جديدة للحد من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، بعد أن كانت الجولة الأولى قد اختتمت في موسكو يوم العشرين من أيار (مايو) الماضي، وهي الجولة التي وصفت بالبناءة، بانتظار رفع تقرير بنتائج تلك المباحثات إلى القمة الروسية – الأميركية المتوقعة في الأسبوع الأول من الشهر المقبل في موسكو. رغم أنه لم تستطع لقاءات الحكماء من الجانبين مؤخرا، وقبلها المنتدى الإجتماعي الروسي – الأميركي التوصل إلى إيجاد حلول لكامل القضايا العالقة بين البلدين، حيث بقيت هناك ست قضايا على الأقل لم يتم التغلب عليها في جدول الأعمال المتبادل بين البلدين، وهي: تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية والحد من الأسلحة التكتيكية، وعدم السماح بعسكرة الفضاء، وكذلك تقليص الأسلحة التقليدية والمذهبين الإستراتيجي والحربي، بالإضافة إلى عدم انتشار الناتو أو توسعه.

ورغم أن العلاقات الأميركية – الروسية وباندفاعات محسوبة من جانب الطرفين، محكومة للتوافق الاستراتيجي مستقبلا، خصوصا في ضوء الأزمة المالية العالمية الراهنة، إلاّ أن التعارضات التكتيكية الناشئة عن تنافس جيو - إستراتيجي في شأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، تبقى هي السمة الغالبة على تقلبات تلك العلاقات في مدها وجزرها بين الحين والآخر، رغما عن اهتزازات "السلام البارد" التي شابت وحكمت علاقات البلدين، منذ ما بعد الإعلان عن انفراط عقد الاتحاد السوفييتي السابق. وحسب المسؤولين الروس، فإنه لا يمكن لأي إجراء أن يدفع روسيا للانصياع للمواقف الأميركية أو الغربية عموما، من قبيل الاقتراب أكثر من مناطق النفوذ السوفييتي السابق، وذلك عبر نشر الدرع الصاروخية، أو انضمام دول سوفييتية سابقة إلى حلف الناتو. وقد تجلّت آخر الاهتزازات مؤخرا في تصعيد موسكو لهجتها إزاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى حد وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما يجري بأنه عبارة عن مواجهة جديدة، حين اتهم الحلف بالعودة إلى منطق "الحرب الباردة".

رغم ذلك لا تعتبر روسيا الحلف عدوا، أو مصدر خطر عليها – وفق لافروف – إذ توجد هناك علاقات بين الطرفين تتواصل وتتفاصل بين الحين والآخر، كما أن التوتر الأكبر الذي شاب علاقات موسكو بالناتو بعد الأزمة القوقازية – الجورجية في آب (أغسطس) الماضي، وإن خفّت تأثيراتها مؤخرا، إلاّ أن إعلان الحلف إجراء مناورات عسكرية في جورجيا في السادس من أيار (مايو) وحتى مطلع حزيران (يونيو) بمشاركة 19 بلدا، أثار مجددا غضب موسكو التي اعتبرت ذلك محاولة لإعادة تسليح جورجيا، ويمكن أن يؤدي إلى إعادة تصعيد التوتر في المنطقة مجددا. ما استدعى منها زيادة قواتها البرية والبحرية في جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فيما كانت وزارة الخارجية الروسية تعلن أن الهدف من "المناورات المضادة" الروسية (قوقاز 2009) يتمثل في تحذير جورجيا من مغبة استغلال تواجد قوات الناتو في المنطقة، للقيام بأعمال استفزازية ضد أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبالتالي جر روسيا للرد على الاستفزازات الجورجية.

وفي ذات اليوم الذي كان مزمعا فيه استئناف الحوار الرسمي بين موسكو وبروكسيل في إطار مجلس روسيا – الناتو (الخميس 30/4)، قرر حلف شمال الأطلسي طرد دبلوماسيين روسيين يعملان في ممثلية روسيا لدى الناتو، اعتبرته وزارة الخارجية الروسية "استفزازا وقحا"، ورأت فيه تعارضا جذريا مع تصريحات قيادة الناتو حول استعدادها لتطبيع العلاقات مع روسيا، وأن وراء هذا الاستفزاز "تقف قوى لا تريد مواصلة نهج تطبيع العلاقات، بل تبحث عن ذرائع لعرقلة الحوار المثمر بين روسيا والناتو وروسيا والاتحاد الأوروبي". رغم وضع روسيا كرة تطور العلاقات الثنائية في ملعب الحلف، حين دعته إلى إظهار استعداده لاستئناف الحوار بين الجانبين، واعتبرت أن تطور العلاقات يعتمد على بروكسيل.

وكان مفاوضون روس وأميركيون عقدوا في روما في الرابع والعشرين من نيسان (إبريل) الماضي، أول جولة من مباحثات البلدين لصياغة اتفاقية بديلة لاتفاقية (ستارت 1)، للحد من الأسلحة الإستراتيجية التي ينتهي مفعولها نهاية العام الجاري، على أن تبذل روسيا ما وسعها لتحضير مسودة اتفاقية جديدة قبل ذلك التاريخ. وإذا كانت الاتفاقية قد نصت على تدمير 80 في المائة من مخزون الأسلحة الإستراتيجية الموجود لدى الطرفين في أوروبا، وانتهائها من الناحية القانونية نهاية العام الجاري، فقد ترك الخيار لتجديدها مفتوحا أمام الطرفين، رغم أن الأجواء السياسية السائدة بين البلدين لا تبدو قادرة على تحقيق هذا الخيار، وذلك بسبب مجموعة من العناصر أبرزها: استمرار الأزمة القوقازية، والخلاف على الدرع الصاروخية، كما وعلى خلفية الموقف الروسي من البرنامج النووي الإيراني والكوري الشمالي، إضافة إلى تجاوز الأطلسي حدود الأمن القومي الروسي باقترابه من الفضاء السوفييتي السابق، كما وعلى خلفية المناورات والمناورات المضادة التي جرت وتجري على قدم وساق في المناطق الخاضعة لنفوذ وهيمنة الطرفين في الفضاء الأوراسي.

كل هذه القضايا، ومن وجهة النظر الروسية، تحتاج إلى "قواعد شاملة وحديثة وفعالة" لمعالجة الأوضاع الأمنية في أوروبا، من قبيل التوصل إلى اتفاقيات جديدة تحت مسمى (هلسنكي 2) في إشارة إلى اتفاقات (هلسنكي 1) لعام 1975 التي نظمت العلاقات الأمنية إبان الحرب الباردة، وللحد من الأسلحة ولترتيب التزامات أوضح بعدم استخدام القوة، واعتماد ضمانات كافية وكفيلة بمنع هيمنة دولة أو مجموعة دول على أمن القارة. وترجمة لتلك القواعد، عقدت في مدينة خاباروفسك أقصى شرق روسيا يوم 21/أيار (مايو) الماضي قمة روسيا – أوروبا، التي عوّل عليها كي تشكل نقطة انطلاق نحو توقيع اتفاق جديد للشراكة والتعاون بين الطرفين قبل نهاية هذا العام، رغم الملفات الخلافية الصعبة المطروحة على جدول أعمال القمة. وإضافة إلى ملف أمن الطاقة في أوروبا الذي يشغل حيزا مهما في العلاقات البينية، فإن موسكو تميل كذلك إلى مناقشة موقف الاتحاد الأوروبي من الوضع داخل جمهوريات سوفييتية سابقة، كالوضع داخل جورجيا والتدخل الروماني السافر في تأييد تحركات استفزازية في مولدافيا. كما فرضت الأزمة المالية العالمية نفسها كموضوع رئيس، حيث تشهد مساعي الطرفان منذ انفضاض قمة العشرين محاولات لبلورة خطة مشتركة لعرضها على اجتماع "الثمانية الكبار" المقرر في تموز (يوليو) المقبل و"قمة العشرين" القادمة المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل.

في هذه الأجواء، جاء اقتراح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عقد منتدى على أعلى المستويات، بهدف إطلاق المباحثات المتعددة الأطراف، حول وضع معاهدة الأمن الأوروبي الجديدة، وذلك بمشاركة جميع الدول الأورو- أطلسية والاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ورابطة الدول المستقلة. ولكن إذا ما استمرت تلك الإثارات التصعيدية التي تشوب العلاقات بين موسكو وواشنطن، وموسكو والأطلسي، فإن لقاء القمة بين الرئيسين الروسي والأميركي ميدفيديف وأوباما قد لا يتوج بما يأمل به البلدان، إذ أن إصرار بعض أطراف الأطلسي "المتشددين" على متابعة خط الاقتراب العسكري من الفضاء السوفييتي السابق، قد يكون هدفه تعكير أجواء تلك القمة المنتظرة، وذلك في تجاهل متعمّد لمواقف الرئيس الأميركي إزاء الانفتاح على روسيا، وإعادة روح الود والتعاون إلى العلاقات معها.

وإذ لا شيء يمكن أن يمنع من إرساء علاقات تقارب أميركية – روسية، فإنه من الواضح أن التوترات القائمة أنما ترتبط بمعركة غير مباشرة على الفناء الخلفي لروسيا، ففيما عكس القرار الأميركي بالتحرك ضد الشركات الروسية قبل أشهر، محاولة من واشنطن للوقوف في وجه قرار روسي بتشكيل منظمة للدول المصدرة للغاز، تعكس اللغة – الأزمة التي تنشأ بين الحين والآخر في فضاء العلاقات الأميركية – الروسية، محاولة دؤوبة من جانب موسكو لإفهام واشنطن أنها لم تعد لها هيبة الأحادية القطبية، كما كان الأمر في السابق.

وبينما تحاول واشنطن أن تكثّف ضغوطها على المصالح الروسية مباشرة وعبر أشكال غير مباشرة، فإن قدرتها على ذلك لم تعد كالسابق، خصوصا بعد فشل الأزمة القوقازية في التأثير على قدرة موسكو على مجابهة تحديات الفضاء السوفييتي السابق، وفي ضوء الأزمة المالية الدولية، في وقت بدأ التوازن الاستراتيجي يميل اختلالا ليس لمصلحة الولايات المتحدة، وإن لم يكن مضمونا بالكامل لمصلحة روسيا، رغم أن موسكو لم تترك شاردة أو واردة إلاّ وحاولت وتحاول استغلالها للإفادة من لحظة الضعف الأميركي، أو هكذا تبدو الأمور من بعيد.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى العمل المشترك البناء القائم بين روسيا والصين، وذلك كما تجلى مؤخرا في إطار قمتي منظمة شانغهاي للتعاون ومجموعة بريك الاقتصادية اللتين عقدتا في 16 حزيران (يونيو) الجاري، فيما أعلن الرئيس الروسي أن التعاون بين روسيا والصين في المجال العسكري غير موجه ضد دول أخرى، إذ أنه يخدم مصالح الدولتين الروسية والصينية في ظل الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين موسكو وبكين.

رغم ذلك، فما تحاوله روسيا اليوم، قد لا يكون شرطا أو سعيا لتنمية دورها كقطب دولي، لكنها في كل الأحوال تسعى إلى إنتاج دور لها كقطب إقليمي يمتلك طموحات أكبر وأوسع، وذلك كخطوة أو كشرط أولي نحو تطوير هذا الدور، كي يرتقي بروسيا نحو ما كانه الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن بحدود، الحدود التي لا تسمح بانجراف العلاقات الآنية والمستقبلية نحو الاستجابة للتوترات التي تثيرها القضايا العالقة، بما ترتبه من حجم لأضرار لا يمكن تعويضها، في ما لو وقعت. لهذا فإن العلاقات الأميركية - الروسية البينية أو في إطارها الأطلسي الأوسع، محكومة للتوافق والتوفيق بين حدود الأمن القومي للأطراف المشاركة في بناء عالم متعدد الأقطاب، حتى ولو على حساب بعض المصالح الأخرى الرديفة لهذا الطرف أو ذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ