الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة

خالد السلطاني

2004 / 5 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اعترف بان شعورا مركبا انتابني عند رؤية التصميم المختار للعلم العراقي الجديد ؛ شعور يمكن وصفة بمزيج من المفاجأة والحيرة .. والاحباط .
المفاجأة لاسلوب " سلق " عملية تنظيم المسابقة بهذه السرعة وبمثل هذا الغموض ؛ والحيرة – لنوعية المعايير الفنية التى اعتمدت اساسا للتصميم وفي ضوءها تمت اجراءات لجنة التحكيم ؛ والاحباط : للنتيجة التى تمخضت عنها تلك العملية ا لتى تفوح منها روائح " عدم الشرعية " من اولها الى اخرها !
لا اعتراض مطلقا بضرورة ووجوبية تغيير العلم الحالي ، الذي ارتبط ظهوره مع ظهور فترة زمنية قاسية ومظلمة وظالمة في حياة الشعب العراقي والدولة العراقية . كما ليس ثمة جدال لجهة وجوب تسريع اختيار بديل له وضمن المعايير التنظيمية والفنية المعروفة في مثل هذه الاحوال ، كون ان العلم المستقبلي سيكون "راية " العراق الجديد ورمزه المميّز ضمن اعلام الدول الاخرى ؛ الامر الذي يحتم اتباع اسلوب تنظيمي وفني مرموقين بغية الوصول الى نتيجة تتسم على قدر كبير من المصداقية والموضوعية والجمالية العاكسة لحضارة الوطن وتاريخة العريق .
واتساءل هنا ، هل جرى مثل هذا ؟
اعني هل نشر اعلان ما ، حول النية لتنظيم مسابقة لاختيار علم عراقي جديد ، في الاوساط الاعلامية المختلفة من صحف وراديو وتلفزيزن وانترنيت ؟ هل تمّ هذا ؟
اشك ، في ذلك ،
كما اشك بان العملية اتبعت مسارا تعاقبيا ومرحليا افضى الى تلك النتيجة . وهذا التعاقب التسلسلي لاجراء المسابقات الفنية ، يعتبرامرا معروفا ربما للجميع ، ومعروف قطعا لدى المختصيين والمهتمين ، كما انه امرمألوف و متبع بشكل عادي في العراق .
فما الذي حصل ، حتى " تطبخ " العملية بهذه السرعة لتفضي الى تلك النتيجة المفجعة، التى عارضها كثير من المثقفيين العراقيين وابدوا امتعاضهم ومعارضتهم للتصميم ؟
ان الامر السوي يقتضي في مثل هذه الاحوال ، نشر اعلان المسابقة وشروطها الفنية ،في اوساط اعلامية مختلفة ، مع تحديد فترة كافية للمشاركين لاعداد مساهماتهم ، واعلان اسماء لجنة التحكيم توخيا للشفافية وتعزيزا للمهنية ، ثم يصار الى تأليف لجنة اعتماد مهمتها استلام المساهمات وتنظيمها وعرضها على لجنة التحكيم مع حجب اسماء المصمميين والمساهميين ، ثم تصطفي لجنة التحكيم التصاميم الفائزة وتسعى الى تنظيم تسلسلها بدءاً من المرتبة الاولى ولغاية اخر مساهم ، وتوثق ذلك بتقرير فني ترفعه كتوصية الى لجنة الاعتماد ، وهذه الاخيرة تنقله الى الجهة المسؤولة ، وهي هنا " مجلس الحكم " الذي يقررالاخذ برأي لجنة التحكيم واعتماد نتائج الجنة كما هي، او لا يأخذ برأيها ، عندذاك ، يصار الى اعادة المسابقة والسير بالاجراءات ذاتها حتى يحصل التوافق والوفاق بين لجنة التحكيم ورب العمل ، وربما يطلب من الجمهور المعني احياناً المشاركة في ابداء الرأي ، وفي هذه الحالة فان رأي الجمهور يأخذ بكونه رأيا استشاريا وليس ملزماً . وليس ثمة حاجة هنا ، التأكيد بان اجراء اختيار علم ، هو اجراء ذي اهمية استثنائية ، عدا كونه نادر الحدوث ، فليس كل يوم يتاح اختيار " راية " للبلاد ! ، ولهذا فان اعضاء لجنة التحكيم ينبغي ان يتمتعوا على قدر كبير من المهنية والاحترافية والشفافية .
في ضوء ما تقدم ، لا ارى ثمة شيئاً مماثلا حصل في عملية اختيار العلم العراقي الجديد ، كما ان ردود الافعال الغاضبة والرافضة لنتيجة الاختيار تشير الى حرص العراقيين واهتمامهم العالي بشؤون بلدهم ، وهو حرص واهتمام مفهومان ومرحب بهما ، يعكسان توق ورغبة الكثيرين في المساهمة الجادة والحقيقية في تقدم ونهضة وطنهم . وتأسيسا على ذلك ساسجل ملاحظات على التصميم اوجزها بعجالة بما يلي :
اولا- لم يكن التصميم موفقا في اعتماده على عنصرين اساسين هما بالاساس عنصران مستقلان ، لا يقبلا المشاطرة او المشاركة مع عتاصر اخرى ؛ الامر الذي ادى الى تنافر ونشاز تكويني . فالهلال بصيغته المختارة في التصميم وحجمه ونوعية ارضيته يعمل كعنصر مستقل يرفض الانقياد لعنصر اخر . كما ان كتلة الخطوط الثلاثة الملونة الموقعة في اسفل العلم هي الاخرى تشتغل كونها عنصرا قويا ومهيمناً . وفي النتيجة فان اصرار المصمم على اعتماد هذين العنصرين المستقليين اوجد نوعا من الارتباك والتعارض وعدم التناغم ، وهى امورينبغي ان تنأى بعيدا عن التصميم توخبا للاتساق والهرمونية المطلوبتين .
ثانياً - لم يوفق المصمم في اختياراته لنوعية الالوان الحيادية المستخدمة < الابيض بنوعيته الطاغية والازرق السماوي >، ولم يراع الاجواء العراقية المنطوية على الوهج الكبير والحرارة العالية وشدة الابهار والضياء التى بامكانها ان "تأكل " وتزيل بسرعة مثل تلك اللوان وتبقي على العلم بصفته " راية بيضاء " رمزا لمن هبّ ودب ّ.
ثالثا - كان الاجدر استخدام الوان براقة وصافية تضيف الى البيئة الفقيرة " معلما " ملونا جديدا ومفرحا ، وان يشعر العراقيون في النهاية بان علمهم يمثل حدثا مفرحا وزاهيا وجميلا ، بدلا من الالوان " المائعة " غير المعبرة المستخدمة في التصميم .
رابعاً- كلما كانت الرموز المستخدمة في العلم قليلة ومختصرة ، كانت النتيجة مرضية ومقبولة ، بيد ان هذه الرموز ينبغي ان تكون على قدر كبير من التكاملية والعمومية ، واستخدام المصمم رموزا انتقائية وغير شاملة لحضارة البلد وتاريخه اضعف التصميم وابعده عن كونه علما يعكس طموحات وامال جميع المواطنيين الذي يفترض ان يمثلهم هذا العلم .
خامسا –والملاحظة الاخيرة ، وهوماقيل بان شكل العلم المختار يستحضر في الذاكرة شكل العلم الاسرائيلي ،بحيث سارع المتحدث الرسمي باسم مجلس الحكم السيد حميد الكفائي في القول بان " لا وجه تشابه بين العلمين العراقي الاسرائيلي " ، وتحتم الموضوعية هنا ، التصريح بان شكل العلم العراقي الجديد لا يشبه العلم الاسرائيلي ، كما لايشبه اي علم اخر ، بيد ان الامر الموضوعي الاخر وهو ان " اجواء " العلم الجديد النابعة من قرار اختيار نوعية الالوان ، واصطفاء اللون الابيض كخلفية طاغية واسلوب رسم خطوط الشرائط الملونة ، ربما ساهمت في حضور ذلك التصادي ، والسؤال ما فتأ قائما لماذا الركون لمقاربة تصميمية يفهم منها ، بانها قد تكون تنويعا لثيمة علم آخر ؟
هل نضبت قريحة العراقيين عن الابتكار ولم يتبقٍ لنا سوى مثل تلك المقاربة ؟
هل ثمة قدرية في الامر بان يكون اجواء العلم العراقي مستمدة من مرجعية تصميمية مشتركة مع اعلام دول اخرى ؟
هل هذا امر ضروري؟ امر مقبول سياسياً وثقافياً؟

وفي الختام فان طريقة الاختيار، ونتيجة الاختيار، و نوعية الاختيار ذاتها ، كلها امور افتقرت الى الموضوعية ، و كأنها " دبرت بليل "- وهو تعبير شائع تستعمله العرب لتفسير الاحداث المتسمة بعدم المصداقية والمفتقرة الى الشفافية .
فهل بالامكان التخلص ، اولا ، من ثقافة سلوكية ذلك الاسلوب ؛ وهل بالامكان ، ثانيا ً ، اعادة المسابقة بشكل يراعي المتطلبات المألوفة في مثل هذه الاحوال ، الاحوال التى ذكرناها تواً ؟ وفسح المجال مجددا لاشتراك اكبر قدر ممكن من المساهمين بغية الحصول على افكار اصيلة وطازجة ومعبرة ، مع التأكيد بان الفكرة المقدمة هي المعيار الاساسى والنهائي المعول عليها في عملية الاختيار ، وليس .. صاحب الفكرة . □□



-------------------------------------
د.خالد السلطاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص