الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والبكاء...والإنصاف

محمد بوزكَو

2009 / 6 / 30
حقوق الانسان


خلال الشهر المنصرم نظمت جمعية الماس بتنسيق مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالجهة الشرقية وفرع الناظور للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان لقاء حول الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب خلال سنوات الجمر والرصاص.
لا أريد أن أتحدث عما راج خلا ذلك اللقاء، لا عن الجو الحزين الذي ساد القاعة ولا عن كمية الدموع التي انهمرت، ولا عن تدخلات الأخ الصلحيوي الحادة والمؤسسة ولا عن غضب وتذمر المتضررين وعائلاتهم... كل ما شدني للكتابة عن هذا الحدث هو الجانب المتعلق بالمهمة التي كُلفت بها والتي تتعلق بترجمة كتاب " نساء كسرن جدار الصمت " الذي أعده المجلس أعلاه، إلى الأمازيغية...
نعم، رغم قصر المدة التي منحت لي، فقد انكببت على ترجمة مرويات تلك النساء بلهف وشغف...ليست حدة الحكي هي التي شدتني، ولكن حدة اللغة هي التي اخترقتني ولَوَت ذراعي... أن تترجم أقوال نساء أمازيغيات من لغة ليست لغتهن إلى لغتهن الأصلية كمثل تحرير سيكولوجي للذات الأمازيغية نفسها وإعادة اعتبار للغة ظلت رهينة الحكي لا الكتابة... خمس نساء، حفيظة من الناظور، يزة من الخميسات، خديجة من خنيفرة، أمي حليمة من قلعة السراغنة و توادا من اميلشيل... نساء أمازيغيات حكين معاناتهن خلال سنوات الرصاص... بقلب ينزف، بإحساس منفجر، وبشموخ مقتدر... كنت أقرأ ما كتب بالعربية وسرعان ما تنقلب العبارات في مخيلتي لتنسجم مع الصورة التي يفرزها دماغي طبيعيا... أسترجع المفردات وأعيدها إلى أصلها، أحرر الأحرف من أدوات النصب والشدة والرفع والضمة... فتنهمر دموعي خلسة من حرقة عذاب الكلمات... للكلام عذابه... إن كان صادقا، منسجما ومتكاملا... أن ينبع من القلب، أن يلبس لغة الأم وأن يتكامل صورة وصوتا...
فالإحساس مهما كان صادقا فانه لن يعكس قوة صدقيته إن خانته الكلمات أو خان الكلمات... فالكلام حين ينبع من القلب ويقل لغة هذا القلب فانه حتما سيؤدي مبتغاه الذي هو في آخر المطاف مبتغى الإنسان الحر...
على العموم، كانت سنوات الرصاص لحظة تاريخية سوداء من زمن مغرب لا زالت لحظات أخرى تترنح فيه بين مد وجزر، رمادية أحيانا وقاتمة أحيانا أخرى... إن كانت سنوات الرصاص قد أطلقوا عليها الرصاص في إطار سياسة جديدة لتبييض ما مضى من سواد، وان لم يتأكد بعد هل هو رصاص مطاطي أم حي... فان سنوات، إن لم نقل عقودا من الزمن لا زال فيها هذا المغرب يُصنَف بناء على المشرق... ضميره دائم مستتر تقديره مشرق ظاهر، حالا كان أم بدل... لذلك فهذه الأرض الأمازيغية الطيبة دائمة المعاناة، بسلخ جذورها وجلد لغتها واغتصاب ملامحها... أولا من منصف...؟
هذه الأرض لا تريد كلاما معلقا في الهواء، ولا تعابيرا كالكفتة، تفتنها من بعيد، ومن قريب تفتك بجهازها الهضمي.. لم تعد تحتاج للزواق، ولا لذبح الأذواق... هاته الأرض كتلك النسوة في حاجة للمصالحة معها ونفث الغبار المزيف عن ترابها... لقد بات ملحا إنشاء هيئة أخرى؛ هيئة للإنصاف والمصالحة مع الأرض الأمازيغية.
في إطارها سيتم انتشال رصاصات شرقية وأخرى غربية لازالت عالقة بجسدها المفتون... سيُمنح لها ميكرفونا لتكسر هي الأخرى جدار الصمت... سنلتقط نحن كلامها وندونه بأمازيغية قحة لتتحدى الحُكَرة والزوال...
تحدثت نساء وكسرن الصمت... وحان الوقت للأرض أن تتكلم كي لا يكسرها الصمت...
في تلك القاعة كان الكل مشدودا ومشدوها، وهو يتابع كلام أخ أحد الذين قتلوا في أحداث 1984 ، كان يتكلم بأمازيغية أصيلة وصادقة... كلمات تنبع من القلب نحو المستمع مباشرة بدون حواجز لغوية ولا تعبيرية... أحاسيس طرية ومفعمة بالعاطفة تنطلق كالسهم ليخترق فضاء القاعة المترنح في السكون.
تكلمت فتاة أخرى ولم تسعفها الكلمات... تكلمت عن الضربة التي أفسدت حضها في الحياة السوية... كانت ذاهبة للصيدلية فإذا بها تجد نفسها ممدودة على سرير... فاقدة للحركة إلى الآن... ولا جبيرة تجبر الضرر...
امتزج البكاء بالأسف... باحتجاج الصلحيوي... كلمات هذا الأخير صفق لها من حضر... هي الجزء الصادم لحقيقة لا تذيبها الدموع... ولا تجبرها جبيرة...
وبدون عقد...
مهما كان الضرر...
ومهما كان القرار...
فللغة حدة... وقرار..
ومع الأصل لا ينفع دوار...
أما الحقيقة... فلا تحجبها أسوار...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا


.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل




.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين