الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاول من ايار ـ هل عفا عليه الزمان ؟

إبراهيم إستنبولي

2004 / 5 / 2
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004


عزف منفرد : عفواً ، الأول من أيار ـ عيدٌ اُنتهت صلاحيته

بداية أود أن أشير إلى أن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة معمقة من المفترض
أن يقوم بها مركز بحوث متخصص يعتمد معطيات ووسائل سبر علمية للتحولات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الحديث ما بعد الصناعي
، مجتمع مرحلة الشركات العابرة للقارات ، مجتمع ما بعد ثورة الاتصالات
والمعلومات ، بل مجتمع عولمة كل شيء : بدءاً بالمعلومة مروراً بعولمة
الفقر والإرهاب و رأس المال و انتهاء بعولمة المتناقضات ( غزارة المعلومات
وكثرة السلع والاختراعات التقنية من جهة وشح فاضح في الأخلاق والقيم وفي
أنسنة الانتصارات العلمية الباهرة في مختلف المجالات لصالح تشيؤ العلاقات
الاجتماعية داخل البلد الواحد وبين الدول ـ لقد أصبحنا جميعاً مجرد أشياء
يتقيئوها النظام الرأسمالي المُعَولَم ) : فقد اصبح الرأسمالي إنسان
معولم لا ينتمي إلى وطن بالمعنى البرجوازي للكلمة ، و إنما هو يتبع أمواله
وأرباحه أينما وجدت .. وهمه الأوحد هو الربح والجشع بأية وسيلة .. بدءاً
بتجارة المخدرات والسلاح ومروراً بتجارة الرقيق الأبيض و تجارة الأطفال
وانتهاء بتجارة الآلهة .
بكلمة أخرى ، أريد أن أقول أن الحركات اليسارية التقليدية ما فتئت تطبل
لاحتفال الأول من أيار وهي لا تملك الوسائل المعرفية ولا الإمكانيات
الضرورية للوقوف على حقيقة الوضع بالنسبة لهذه المناسبة .. التي يمكنني أن اجزم
أنها قد فقدت معناها حتى قبل انهيار المنظومة الاشتراكية .. ربما منذ
أواخر السبعينات ـ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ، حين انتفض عمال
بولونيا بقيادة نقابة التضامن ضد مؤسسات السلطة الاشتراكية ، وذلك بعد أن سرق
البيروقراطيون الحزبيون وزعماء النقابات الرسمية كل حقوق العمال والمجتمع
بأسره .. فكان انتصار نقابة التضامن ( وللمناسبة لم يكن الأساس التنظيمي لها
يعتمد مقولة صراع الطبقات الماركسية ـ باستثناء أنها فقط انطلقت من عمال
حوض بناء السفن ـ بقدر ما كان يؤطرها ويقودها في السر رجال دين في وجه
سلطة استباحت البلاد والعباد مما اضطر الناس اللجوء إلى الكنيسة .. ) . إلى
أن برزت إلى العلن نشاطات المجتمع المدني في دول أخرى من الكتلة الشرقية
وانتصرت فيها ما يسمى بالثورة المخملية ( تشيكوسلوفاكيا ..) ودون أن يكون
للطبقة العاملة دور يُذكر في تلك الثورة .. فكانت " ثورة براغ المخملية "
المحطة الفاصلة التي وضعت حداً نهائياً لمفهوم صراع الطبقات ودشنت بداية
عهد جديد في مرحلة ما بعد الاشتراكية السوفييتية ـ مرحلة النظام العالمي
الجديد و العولمة بقوانينها ومفاهيمها المختلفة وما رافقها من انتقال أو نقل
للصراع من الحقل الطبقي إلى مستوى جديد ألا وهو صراع الحضارات .. فانتفى
مع هذا الانتقال جوهر الاحتفال بعيد الأول من أيار كعيد للطبقة العالمة
التي تناضل ضد أصحاب رأس المال و ضد أصحاب العمل من اجل ساعات عمل محددة ومن
اجل زيادة الأجور وغيره من الأمور المطلبية .. ذلك أن الرأسمال الإمبريالي
تمكن من نقل العمال سابقا في الدول الرأسمالية من طبقة تشكو من ظلم هنا
وحيف هناك إلى جزء متأصل من المجتمع يتمتع بالامتيازات التي يحصل عليها جميع
أفراد المجتمع وذلك على حساب العمال والمأجورين في بلدان الجنوب من جهة ،
وبعد الأخذ بعين الاعتبار مستوى التقانة العالية والأتمتة الكبيرة
للعمليات الإنتاجية ، و دون أن ننسى تحول الرأي العام والمجتمع برمته إلى التركيز
على موضوع البيئة والاهتمام بالجانب البيئي للمصانع والشركات .. وهذا ما
يفسر النجاح الهائل لحزب الخضر وللأحزاب المهتمة بالبيئة على المستوى
الوطني أولاً ومن ثم على المستوى القاري ( الاتحاد الأوروبي ) والعالمي ..
لذلك كله أقول : إن الأحزاب والحركات اليسارية كما لم تتمكن سابقاً من
التعامل الخلاق مع النظرية الماركسية فكان ذلك سببا لتحجرها وتكلس برامجها (
خصوصاً في البلدان النامية ـ بعد غياب المركز السوفييتي ـ الممول النظري
لها سابقاً ) ، كذلك هي لم تستطع تأسيس مراكز بحوث ودراسات تساعدها في
تحقيق انتقال إبداعي نحو إعادة صياغة بعض الشعارات ومن ضمنها " يا عمال
العالم اتحدوا " ، إذ ليس خافيا على أحد التغيرات النوعية والعميقة التي أصابت
مفهومي الطبقة والصراع الطبقي " البرجوازيين " في الربع الأخير من القرن
العشرين مع ثورة المعلومات وثورة الاتصالات .
وانهي هذه العجالة بالقول : إنني اعتقد أن الأول من أيار قد اصبح من
الماضي ومكانه " متحف التاريخ " . وإذا كانت الحركات اليسارية لا زالت تحتفل به
فربما لأنها تعمل وفق المبدأ الشعبي البسيط : بعد إفلاسه يبحث التاجر في
دفاتره القديمة .
واعتقد انه علينا صياغة شعارات جديدة تتفق واللحظة التاريخية الراهنة ..
شعارات تعكس قلق البشرية تجاه المخاطر التي تتعرض لها البيئة الكونية و
ضرورة إعادة توزيع الثروة بشكل اكثر عدلاً بين الدول الغنية والدول الفقيرة
أو بين الشمال والجنوب .. و ما يترتب على ذلك من ضرورة محاربة البطالة و
الأمراض و الإرهاب وذلك من خلال نشر ثقافة المجتمع المدني والمواطنة
والديموقراطية في البلدان النامية بوجه الاستبداد والفساد ونهب الثروات الوطنية
والقومية ..
فلننتهي من شعار " يا عمال العالم اتحدوا " الطبقي لصالح شعارات اكثر
ديموقراطية من أمثال " يا عقلاء العالم اتحدوا " أو " من اجل بيئة اكثر
صحية ، ومن اجل قيم الحق والمساواة والعدالة " بين الشعوب قاطبة ـ تلك
الشعارات التي أطلقتها الثورة الفرنسية منذ قرنين ونيف لنكتشف من جديد
راهنيتها و الحاحيتها في عصرنا الحالي المضطرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار