الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألوانكم، وورودكم، ومخملكم .. هل تستر عورتكم؟

رابحة الزيرة

2009 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لم تسلم الطبيعة وخيراتها، ولا الأزهار وجمالها، ولا ألألوان وبهجتها من دهاليز السياسة ودنس رجالاتها؛ فيتردّد اليوم على مسامعنا كثيراً "الثورة المخملية"، و"الناعمة"، ونستدعي "ثورة الأرز"، و"الليمون"، و"ثورة الوردة الحمراء"، و"الثورة البرتقالية"، و"الأرجوانية"، و"الصفراء"، ومؤخّراً "الخضراء"، تلك الثورات التي يُدّعى أنها سلمية ولأجل الحرية والديمقراطية، ولكنها قد تكون أكثر توحّشاً وهمجية من الثورات الدموية لأنها قائمة على الكذب والتدليس، فتسلب الشعوب حريّتها وتحوّلها إلى دمى بأيدي أعدائها، بينما هي (الشعوب) ترقص فرحاً، وتردح طرباً على أنغام استعبادها واستنزاف خيراتها، وسلخها من هوّيتها ووطنيّتها، مع أنّ الكلمة توحي إلى نوع من التداول السلمي للسلطة، لمن يجهل تفاصيل خطط (الانقلابات المخملية).

معقّدة قضايا السياسة وشائكة، والإحاطة بتفاصيلها دون الانخراط فيها ضرب من المستحيل، ولكن تجاهلها أو غضّ الطرف عنها بحجة عدم استيعابها، أو أنّ لها أهلها، مقدّمة قد تؤدّي إلى الركون إلى حالة من (الغيبوبة) الاجتماعية تجعل المرء يعيش منفصلاً عن زمانه، فيؤخذ على حين غرّة، وإذا به يهتف بحياة من كان بالأمس يرجو موته، وينتقل من معسكر المقاومة والعزّة إلى المهادنة والذلة ملفوفاً في خرقة (الديمقراطية) المخملية الخضراء، وهو يشدو بأنشودة الحرية!!

قيل قديماً "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"، ففي زمن العولمة لا مناص لكلّ مكلّف عاقل من معرفة خطط الساسة للعبث بهوية الشعوب وانتماءاتها ليكون في مأمن منها وعلى حذر، تماماً كما هو مكلّف بمعرفة شعائر الصلاة والعبادات ومقاصدها، فهذا من ذا.

رحل .. ولم يرحل، بوش الأرعن، الذي ملأ الأرض ظلماً وعدواناً وطغياناً، رحل بعد أن خلّف وراءه مؤسسات تقوم على فلسفة الذاتية، ابتداء من الفرد وانتهاء بالدولة، ليدور العالم كلّه في فلك (أمريكا) وأمنها، فإن لم يكن بـ(الحرب على الإرهاب)، فبـ(الثورات السلمية) لإسقاط الديكتاتوريات – بحسب زعمه – حيث يقول: "مسيرة الحرية مستمرة، وقد شهدنا خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة ثورة وردية في جورجيا، وأخرى برتقالية في أوكرانيا، ثم قرمزية في العراق، وزنبقية في قرغيزستان، وأرزية في لبنان، وهذه مجرد بدايات ... إننا نرى عبر (آسيا الوسطى) و(الشرق الأوسط الجديد) نهضة جيل جديد يتحرّق شوقاً إلى الحرية وسينالونها لأنّ أمريكا تقف معهم وهذا سيجعلها أكثر أمنا"، والحرية هنا طبعاً تعني العبودية، والديمقراطية ليست إلا الاستبداد، لأجل أمن أمريكا وعيونها العوراء التي لا ترى إلا مصالحها المادية.

نشر "المحافظون الجدد" قواعدهم الفكرية والاجتماعية المرتكزة على العناوين البراقة كالحرية، وحقوق الإنسان، ونشر الديمقراطية، من خلال تمويل البرامج التدريبية، والمؤسسات المدنية، ومحاولة التأثير على الانتخابات النيابية أو الرئاسية، بعد التأثير على مجموعة من النخب المثقفة والمتنفّذة في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والجامعات وغيرها ولو بنسبة واحد في المائة ليكونوا لهم اليد الطولى لإحداث التغيير الهادئ والمنشود في أيّ بلد من بلدان العالم كما حدث في دول آسيا الوسطى، ولكن وعي القيادات الوطنية لدى بعض الدول العربية والإسلامية المستهدفة، وحركات المقاومة الشريفة في بلداننا، تنبّهت للّعبة فأجهضت تلك المحاولات.

الحرية مطلب الجميع، ومستعدّون لتقديم الغالي والنفيس لنيلها، ولكن لا حرية الانفلات من القيم والمبادئ الإنسانية للارتماء في أحضان الأنانية، والتبعية، والرفاه المكذوب، والتعدّي على حقوق الآخرين، ولا حرية التنكّر للثوابت لأجل حفنة من المكتسبات الآنية المغشوشة، كما نرفض الحرية التي تُشترى بالأموال، أو تُقدّم على طبق من ذهب من قبل جلاّدي الأمة، وإن تزيّنت بكل ألوان الطيف وجمال الطبيعة، وتوشّحت بعناوين التغيير والإصلاح لأنها مدسوسة بالسمّ ولا ريب، وخاصة إذا ما أتت من قبل أكبر منتهكي الحرّيات الحقيقية.

لا يمكن الخروج من قبضة الاستبداد الناعم، أو الإرهاب المتوحّش، بمنطق الرعاع (معكم معكم) وخاصة إذا حمل راية التغيير والإصلاح من تلبّس بزي القداسة والإيمان، فلابد من وجود مستوى من الوعي والدراية تؤهّل المرء لممارسة حريّته الذاتية بعد أن يحرّر عقله ونفسه من معيقاتها، ليميّز نداء الحق وسط ضجيج الباطل المتنامي، ففي منعطفات التاريخ الهامة كانت الأصوات التي تلغو في الحق هي الأعلى دائماً، لذا كان رسول الله (ص) حين نشر دعوته يطالب أعداءه أن: "خلّوا بيني وبين الناس"، ليوصل إليهم كلمة لا إله إلا الله، ثم يترك لهم حرية التفكير والاعتقاد، واختيار النجاة أو غيرها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات سودانية: مشروع من أجل تعزيز الصحافة المحلّية في السودا


.. فراس العشّي: كاتب مهاجر من الجيل المطرود




.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن