الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاصات الثورة الثالثة وآفاقها

ماجد الشيخ

2009 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ثلاثون عاما مرت منذ الإطاحة بنظام الشاه، عبر ثورة شعبية، استولى على مقدراتها الجناح الديني المتشدد بعد أن أقصى كافة الأطراف الأخرى من السلطة، ومنهم من جرى نفيه من البلاد أيضا. وما يجري اليوم في الشارع الإيراني يؤشر إلى وجود جذور مشتركة بين الثورة ضد نظام الشاه، وثورة اليوم أو إرهاصاتها ضد "نظام الثورة" الذي حوّلته بنيته الطبقية والدينية إلى نظام شمولي، هذه الإرهاصات التي يمكن أن تكون مماثلة، أو أن تذهب في تداعياتها حدودا مشابهة لتلك الثورة التي أجهضتها سلطة ولاية الفقيه، وهي تنحاز إلى مركز النظام المحافظ الأوليغارشي، بعد أن استنفذ هذا النظام معظم طاقاته وإمكاناته التي كان يمكنها أن تؤهله للاستمرار، وأقعدته عند حد من الجمود والمراوحة في ذات المكان وعلى ذات السياسات، وإغراق كامل سلوكه السياسي والاقتصادي في قلب أيديولوجيا متشددة، إلى حد استنفذت فيه تجربة الولي الفقيه مضامينها السياسية والدينية، سافرة عن وجه استبدادي شمولي لا يختلف عن أشباه له متماثلة في دول أخرى رغم فارق المنطلقات والأهداف، فإلى أين تتجه إيران اليوم، إن لم يكن نحو محاولة محمومة لتغيير إن لم يكن راديكاليا، فعلى الأقل بانتظار جولة أخرى يجري التأسيس ومراكمة عوامل نجاحها منذ الآن؟ وحيث تنتظر الثورة الثالثة إمكانية تحققها في الواقع الإيراني.

ثلاثون عاما والثورة تتحوّل إلى نظام شمولي، تحوّل بدوره للانحياز إلى مراكز قوى متنافسة، بل متصارعة بين أجنحته التي لا يمكن اختزالها اليوم بتياري الإصلاحيين والمحافظين، هناك بين هذين تلاوين مختلفة وأجنحة تنمو، وقد نمت على إيقاع التوق إلى التغيير، تغيير يحمل معه إرهاصات ميلاد قوى سياسية أساسية وقوى شعبية جديدة، تعمل من أجل إرساء معادلة جديدة، تحدّ من هيمنة القوى الشمولية، وتفتح آفاق جديدة لقوى في المعارضة. وهذا مؤشر إلى انحلال في الأيديولوجيا المهيمنة، وفقدانها ركائز هامة داخل أروقة النظام الذي لم يعد موحدا في كل الأحوال، ما يسمح ببروز ملامح أيديولوجيا جديدة، فقدت معها ولاية الفقيه هيبتها وقدرتها على تجميع أبناء النظام أو "أبناء الثورة" القدماء في حضانته، وهو ما راهن عليه المحافظون كعامل رئيس لتجميع قوى النظام الطيّعة، واستخدامها ضد قوى معارضة أساسية في الداخل وفي الخارج.

شمولية النظام التي ترسخت مع الزمن، وتمأسست سلطته ليس انطلاقا من الأسس الدستورية المعروفة، التي ترقى إلى كونها العقد كشريعة للمتعاقدين، بل تحولت إلى مصالح وتطلعات فئوية وطبقية لدى أبناء رجال السلطة الكبار تحت عناوين "الاعتراف والحفاظ على مبادئ الثورة"، في الوقت الذي كان فيه "رجال الثورة" يحتكرون ليس السلطة السياسية التي هي دينية بالضرورة في دولة مثل إيران اليوم، بل وسلطة البازار والتجارة والاقتصاد لأنفسهم ومن ثم لأبنائهم، ويؤسسون لمسار ومسيرة طويلة من الفساد وصل إلى أحفادهم، كل هذا تحت عباءة الأوليغارشية المتحكمة بالسلطة الشمولية كشرط أول للدخول إلى جنة النظام.

وإن لم يقل الإيرانيون كلمتهم النهائية بعد، أو أنهم قالوها بشكل جزئي، ولكن المؤسسة الدينية الحاكمة ارتأت أن تقول أو تنوب عنهم، بزعم إنهم ليسوا ناضجين كفاية، بعد أن سامتهم تلك المؤسسة الكثير من الأهوال والمصاعب والمتاعب، دون أن يجنوا من ثرواتهم النفطية المزعومة سوى الفتات. فالتغيير الممنوع بأوامر من المؤسسة الدينية، لن يجلب الاستقرار لإيران، هذا ما تقرؤنا إياه حركة الاحتجاج التي يمكن أن تتواصل بأشكال مختلفة في الفترة القادمة، تلك الموجهة للمؤسسة الدينية أولا، ولعصاها الغليظة: الباسيج والباسداران ثانيا، وأخيرا للرئيس نجاد الآتي على صهوة الولي الفقيه وأوليغارشية السلطة، ليمارس سلطاته بمسوح دينية سياسوية مركبة، تميل نحو هيمنة المجال الديني على كل المجالات الأخرى المفترض أنها مدنية، هذا الاختلاط سوف يجعل من القوى المعارضة من داخل النظام أو من على يساره، أعنف مما قد نراه اليوم يجئ على شكل احتجاجات شعبية، تدلل على وجود أزمة نظام، وليس مجرد احتجاج على نتائج انتخابات رئاسية.

في كل الأحوال وإذا ما مضت إيران إلى ما تريد لها الأوليغارشية والمؤسسة الدينية الحاكمة، فلا بد من أن يقرر الشعب الإيراني في يوم تال، شكل نظامه القادم. وما رأيناه حتى اللحظة ربما هي إرهاصات الثورة الثالثة في إيران بعد الثورة الدستورية عام 1906، والثورة الإسلامية عام 1979، ففي الحاجة إلى الدولة، إما أن تنزوي الثورة وتتنحى جانبا من أجل نهوض جديد لقوى بناء الدولة، وإما أن تواجه الثورة ثورة جديدة تقوم على أنقاض تلك القديمة، ولكن بشكل مؤقت، من أجل استئناف مهام بناء الدولة، وإلا فإن مراوحة الثورة وتكلسها وجمود قواها وتخلفها عن اللحاق بحداثة العصر، لا بد أن يقودها إلى أن تبدأ بأكل أبنائها وتعميق صراعاتهم في مجتمع يشهد استقطابا طبقيا حادا، فضلا عن استقطابات عرقية وإثنية ومذهبية أخرى. وهذا ما سبق للإيرانيين وأن عايشوه ليس في تجربة الانتخابات الأخيرة، بل وفي تجربة الانتخابات السابقة، حيث تحول محافظو النظام أو الأوليغارشية الحاكمة إلى مواقع أكثر محافظة، أرادوا عبرها منع إرادة التغيير ومصادرتها، لكي يستمر ذاك النظام الذي لا يملك من أمره ومن حريته سوى خضوعه الكامل والشامل، لتلك الأوليغارشية التي تتصور أنها تحمل "رسالة إلهية"، وظفتها وتوظفها لإطالة عمر نظام سياسوي بات يراوح بين كونه كان ربيب الثورة التي انقضت، ولكنه بالتأكيد لن يكون ابنا للثورة القادمة، لشعب يتوق لبناء نظام أكثر عدلا وديمقراطية، في ظل حداثة عصرية، توزع ثمارها على كل أبناء الأمة على اختلاف مكوناتها العرقية والمذهبية.، وكي تكون الدولة دولة الأمة، لا دولة أوليغارشيي النظام الديني الذي صادر الفضاء العام، بل وحوّله إلى مجاله الحيوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ