الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة إلى السماء.. ( قصة قصيرة )

اليمين أمير

2009 / 7 / 3
الادب والفن


استلقى فوق كرسيه وربط خصره بحزام الأمن ثم زفر زفرة قوية وقال في نفسه ما هي إلا لحظات وسأغادر هذا الوطن التعيس الشبيه بالتابوت، وهاته الأرض العقيمة التي لا تنجب سوى الحجارة.. ما هي إلا ساعات قليلة ويلتحق جسده بروحه التي في انتظاره هناك في جنة الدنيا، روحه التي كانت ترفض هذا الوطن المشلول وترفض تلك المساحات الهائلة من الضياع والفوضى..
وأقلعت الطائرة أخيرا متجهة نحو أستراليا، ألقى نظرة أخيرة على وطنه والطائرة تسبح نحو الأفق إلى أن اختفى عن بصره، هنالك أسدل جفونه في استرخاء عميق وكأنه أزاح ثقلا عظيما من على صدره، وراح يطرد أشباح الماضي التي مازالت متشبثة بذهنه كأنما تريد الرحيل هي أيضا عن هذا الوطن المنكسر. فبدأ يرتسم في خياله ذلك الماضي المشئوم والحياة البائسة التي عاشها بين تلك المساكن التي تشبه السجون والأزقة التي لا تفرقها عن المزابل، فراح يلعن تلك السنين وذلك القدر الذي أرسله إلى هذا المنفى، وتلك اللحظة اللعينة التي أنجبته بين هذا الشعب الجاهل والذليل. قال في نفسه أينما يكون أمثال هذا الشعب وهم كثير، يكون الفقر والجهل، وهنالك في أستراليا سوف لن أجد ما يذكرني بهكذا خرافات وتقاليد عمياء.. وسأصبح حرا كالإله بعد كسب الكثير من المال، ولا شيء حرام ولا حلال إلا برغبتي، وسوف لن أسمع أذانا ولا ترتيلا ولا أي شيء ينغص حياتي ويكدر صفوتي. سأكون حرا طليقا بلا قيود، أقسم بنفسه التي لا رب لها بألا يرجع إلى وطن المجانين هذا وبأنه سيغير اسمه ولن يتكلم هاته اللغة البدائية بقية حياته، وبدأ يتحسر على ما فاته من عمره، فقد مضت خمسة وعشرون سنة هباء منثورا. لكنه عزم على أن يسترجع كل ما فاته وما حرم منه، وسيمتع نفسه بكل الملذات والشهوات دون شح ولا تقتير.. فجأة فتح عينيه على صوت المضيفة وهي تقول لقد دخلنا أجواء أستراليا وبعد لحظات ستحط الطائرة فوق مطار سيدني. لم تسعه الفرحة وأخيرا تحقق حلمه ووصل إلى جنته حيث الإباحية المطلقة دون قيود ولا رب معبود.. وبينما كان يرسل بصره نحو العالم اللامتناهي بالجمال والروعة أحس بحركة غير مألوفة داخل الطائرة كأنه زلزال عظيم. والركاب يصيحون في فزع ولوعة مروعة، وطاقم الطائرة يحاول تهدئة الوضع وإرجاع الطائرة إلى مسارها الطبيعي. لكنها تسير في اتجاه معاكس، كأن يدا خفية تدفعها بقوة نحو الدمار.. هنالك تراءت له كل الصور القديمة عن وطنه الحزين واختلطت أحلامه بكوابيسه وأيقن أخيرا أن الله موجود في كل مكان وأنه على كل شيء قدير، وهجرته قد أصبحت إلى السماء دون رجوع.. انتابه فزع مرعب وخوف عظيم واختفت كل الصور الجميلة والأحلام الهادئة من ذهنه ولم يبق سوى وطنه الحزين وأمه المسكينة وربه العظيم، ولكن كل شيء كان قد انتهى وفاته الوقت فالطائرة راحت تبتلع المسافات كالصاروخ إلى أن اخترقت الغلاف الجوي للأرض انفجرت انفجارا عظيما استيقظ إثره على صوت المؤذن وهو يقول - الصلاة خير من النوم -..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?