الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفراد.. والحقوق

معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

2004 / 5 / 3
القضية الفلسطينية


لا تعالج الأمور بشعارات رنانة استهلكت مطولاً كشعار «يا جبل ما يهزك ريح». لقد اهتز الجبل حين سلم سعدات والشوبكي والمناضلين الأربعة لسجن أريحا. كما اهتز حين رضي بتشريد الصامدين في كنيسة المهد في أوروبا، ونقل بعضهم إلى غزة. وحدها الوحدة الوطنية، ببـرنامجها السياسي وقيادتها الموحدة، والتفاف الشعب حولها تحمي القيادات وتصون الحقوق.
نجح شارون في لعبته بالتعاون مع شريكه بوش. فأعلن نيته ـ للمرة العاشرة ـ اغتيال الرئيس عرفات. وتحولت الأنظار الفلسطينية، والعربية، عن رسالة تعهدات بوش، بشأن اللاجئين، والأرض والمستوطنات والقدس، إلى المخاطر التي تحيط بالرئيس عرفات. وتحول بوش، من طرف يعبث بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ويقدمها على طبق التنازلات قرباناً لصداقة بلاده مع إسرائيل، إلى طرف يتقدم الصفوف، ليلجم اندفاعة شارون، ويقدم الضمانات الأميركية لسلامة الرئيس عرفات.
وهو الأمر الذي حفظ ماء وجه أركان السلطة الفلسطينية، فرأت في الحدث مناسبة، لتمسك بسماعة الهاتف، وتواصل اتصالاتها الحارة مع الجانب الأميركي، بذريعة تطويق محاولات شارون للمساس بالرئيس عرفات. وبذلك تكون قضية الحقوق الفلسطينية المهدورة، قد وضعت جانباً.
وحتى لا نتهم بالمبالغة والمغالاة، وتحميل الأحداث والوقائع أكثر مما تتحمل، من المفيد أن نعود معاً إلى الوقائع التي تلت الإفصاح عن رسالة بوش، والتي مازالت تتوالى علينا فصولاً، في سياق واحد، يعبـر عن سياسة ذات ملامح محددة.
* فياسر عبد ربه، عضو اللجنة التنفيذية في م.ت.ف.، وفي معرض رده على رسالة بوش، دافع أولاً عن القيادة الفلسطينية في أنها لها وحدها الحق في التفاوض على الموضوع الفلسطيني. ثم دافع عن وثيقته التنازلية (ثانياً) المسماة «البحر الميت ـ جنيف» متجاوزاً قضية اللاجئين، ملمحاً إلى أن ما جاء في الوثيقة، بشأن الدولة الفلسطينية لا يتطابق مع ما جاء في تعهدات بوش، دون أن ينفي أنه وافق في الوثيقة المذكورة على مبدأ التنازل عن أجزاء من الأرض الفلسطينية، تحت مسمى «مبادلة الأراضي».
* نبيل أبو ردينة، مستشار الرئيس عرفات، تنبه هو الآخر، في كافة تصريحاته إلى أن القيادة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس عرفات هي وحدها المعنية بالبت بقضايا الحل النهائي في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وتحت رعاية اللجنة الرباعية. ودون الدخول في مضمون التعهدات الأميركية، سجل أبو ردينة على بوش أنه أحلّ نفسه محل القيادة الفلسطينية. أما الحقوق التي داستها تعهدات بوش، فقد بقيت جانباً ولم تنل من اهتمام مستشار الرئيس الاهتمام المطلوب.
* نبيل شعث وزير خارجية السلطة الفلسطينية، وجد نفسه في ميدان تعليقه على ما يجري، يرى في تعهدات بوش تشجيعاً لإسرائيل على العبث بالأمن في المنطقة بما في ذلك تهديد حياة الرئيس عرفات. ورأى أيضاً أن إدارة بوش تجاوزت القيادة الفلسطينية حين قدمت تعهداتها لشارون، لأنها نصبت نفسها مفاوضاً بديلاً للسلطة. خلف هذا، كلف شعث بإجراء أوسع الاتصالات مع الإدارة الأميركية في واشنطن. وباتت المعلومات تؤكد أنه بصدد السفر إلى واشنطن «لعرض وجهة النظر الفلسطينية»، بعدما اضطرت السلطة تحت ضغط الشارع الفلسطيني إلى تأجيل الزيارة، وكان موعدها منذ حوالي أسبوعين.
* رئيس الحكومة الفلسطينية وفي زيارته للقاهرة، وبعد لقائه بالرئيس مبارك، وبالوزير أحمد ماهر أدلى بتصريحات للصحافة المصرية أكد في سياقها التمسك بالدولة المستقلة. وعندما سئل عن قضية اللاجئين، وعن تعهدات بوش بإسقاط حقهم في العودة، قال قريع بالحرف الواحد: «إن قضية اللاجئين هي إحدى قضايا مفاوضات الوضع الدائم. ولا تقررها إلا مفاوضات الوضع النهائي. وليس من حق أي جهة دولية أو إقليمية أن تبحث في قضية اللاجئين إلا القيادة الفلسطينية ووفق قرارات الشرعية الدولية».
ودون الدخول في المغالطات الواردة في كلام قريع، نلاحظ أنه لم يأتِ ـ على الإطلاق ـ على ذكر حق العودة، وأنه حوّل هذه القضية ـ «مجرد قضية بلا حقوق» ـ إلى المفاوضات مشدداً على أن القيادة الفلسطينية لها وحدها الحق في بحث القضية.
* الرئيس عرفات، هو الذي أتى على ذكر حق العودة. جاء ذلك بعد أيام قليلة على تعهدات بوش، وفي ذكرى استشهاد القائد أبو جهاد الوزير. لكن عرفات لجأ إلى الغموض السلبي ـ لا البناء ـ حين تحدث عن العودة إلى «الوطن». وقد بات معروفاً للقاصي والداني أن «الوطن» يعني الدولة المستقلة. أي أنه التقى بذلك مع الرئيس بوش، لكنه اختلف معه في من يفاوض نيابة عن الفلسطينيين.
إذن، وكما يبدو واضحاً، فإن السلطة خاضت معركتها هي، وليست معركة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وسلطت الضوء على الجانب «الشكلاني» من تعهدات بوش، لتؤكد حقها وحدها بالتحدث باسم اللاجئين، في إيحاء لم يعد خافياً على أحد، انتقل من صيغة المقايضة بين الحقوق الفلسطينية نفسها (حق الدولة مقابل إسقاط حق العودة) إلى المقايضة بين استعادة القيادة الرسمية موقعها التفاوضي، وبين حق اللاجئين في العودة، وحق إسرائيل في «تعديل» حدودها لصالح الاستيلاء النهائي على المستوطنات والقدس وضمها إلى الدولة العبـرية.
وحتى نغلق الدائرة يهمنا أن نؤكد في السياق أننا في الوقت الذي نرفض فيه المساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية، نرفض أيضاً المساس بالقيادة الفلسطينية، أمنياً، وسياسياً، وتمثيلياً. لكننا بالمقابل نرفض أن تدخل القيادة الفلسطينية، أو أي طرف آخر، في مقايضة على حساب الحقوق لصالح الموقع التمثيلي والتفاوضي. ثم أننا لا نرى أن بوش، في تعهداته، نصب نفسه مفاوضاً باسم الفلسطينيين، وبالتالي لا نرى أن معركتنا مع بوش أنه يزاحم القيادة في رام اللـه على موقعها التفاوضي. وبذلك لا نرى أن الرد على تعهدات بوش يكون بإعادة التأكيد على حق السلطة في تمثيل الفلسطينيين في المفاوضات. بل إن الرد على بوش يكون بإجراء داخلي، وإجراءات سياسية موازية.
* في الإجراء الداخلي، إزالة كل عوامل تعطيل نقل اتفاق رام اللـه من حيزه النظري إلى حيزه العملي. فهذا يضمن وحدة الموقف الفلسطيني حول الحقوق. كما يضمن وحدة الموقف الفلسطيني حماية لعرفات ولغيره من القيادات الفلسطينية. ولا تعالج الأمور بشعارات رنانة استهلكت مطولاً كشعار «يا جبل ما يهزك ريح». لقد اهتز الجبل في اجتياح «السور الواقي» فرضي بتسليم أحمد سعدات ورفاقه الأربعة وفؤاد الشوبكي إلى سجن أريحا، مقابل فك الحصار عن مقر المقاطعة. كما اهتز الجبل عندما رضي بتشتيت فريق من الصامدين في كنيسة المهد في أنحاء من أوروبا، وفريق آخر في غزة. ولا ندري متى سوف يهتز الجبل ما دام مصراً على الاستفراد بالقرار، متخلياً عن الاستقواء بأوراق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
* في الإجراءات السياسية الموازية، كان يفترض بالجانب الفلسطيني، وقبل أن يبـرز تهالكه على أعتاب واشنطن أن يدق أبواب العواصم الأخرى، في الاتحاد الأوروبي، وفي روسيا والصين وغيرها. نسوق هذا الكلام، وفي البال تصريحات ومواقف لأطراف دولية وعربية تجاوزت في وضوحها ومبدئيتها، وضوح مواقف القيادة في رام اللـه.
فالرئيس مبارك، على سبيل المثال، وفي رسالته إلى الشعب المصري في ذكرى تحرير سيناء يتحدث بوضوح عن حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم. والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال أيضاً، يؤكد تمسكه بالقرارين 242 و338 وبحق العودة، داعياً إلى رعاية عملية تفاوضية تكون وحدها الوسيلة إلى الحل، رافضاً، في السياق تعهدات الرئيس بوش. بدوره خافيير سولانا يتحدث علناً، باسم الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن أوروبا لن تسقط اعترافها بحدود 1967.
إذن، لماذا الغموض في مواقف السلطة الفلسطينية ورئيسها ورئيس حكومتها؟
لصون حياة الرئيس عرفات؟ الشعب وحده، والوحدة الوطنية، واستنهاض المؤسسات، والبـرنامج الوطني هو وحده يحمي عرفات وغيره من القيادات، كما يحمي الحقوق المشروعة ويصونها.
لإفساح المجال أمام لعبة المقايضة؟ لقد سقطت هذه اللعبة في ميدان الاختبار. فالتخلي عن أحد الحقوق يفتح الباب لشطب حقوق إضافية. وتجربة المقايضة مع بوش، واضحة. عندما قرأ الاستعداد للتخلي عن حق العودة، على لسان مسؤولين فلسطينيين يقدمون أنفسهم على أنهم أصحاب مبادرات غير رسمية، بادر إلى التقاط الفرصة وتوجيه ما يراه الضربة القاضية. فهل نرد على الضربة بضربة نوعية، أم نبقي الحالة الفلسطينية تعوم تائهة في بحر الغموض والضباب؟.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3