الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كبعيرنا العربي نحن إذ نجترّ الفاسد الرطب من العشب الثقافي …!

كامل السعدون

2004 / 5 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الكائن الإنساني عامةٍ كائنٌ مجترّ …!
نحن نجترّ طوال الوقت ذات الأفكار وذات المشاعر وذات ردود الأفعال وذات الانعكاسات العقلية للمعطيات الحسية مرّات ومرّات …!
تلك هي طبيعة العقل البشري الذي يأبى الفراغ ويكرر هذا الذي يعرف حتى يتلقى عبر الحواس جديداً لا يعرف فيجترّه حيناً وقد يتمثله فينعكس سلوكاً جديداً وقد يجترّه ولا يتمثله …!
كلما كان الفراغ في الخارج واسعاً وخصوصاً في ظل سيادة الدوغما والإيديولوجيا وحصار القصر ( الحاكم وحليفه الواعظ ) للشارع والمدرسة والملعب والمعمل والبيت ، كلما كانت مادة الاجترار تافهةٍ رخيصةٍ تنبعث منها عفونةٍ ورطوبةٍ ، تماماً كهذا العشب الذي يجترّه ويعيد اجتراره …بعيرنا العربي …!
الإنسان الغربي خرج باكراً من عصر الاجترار …!
وعاد له ثانيةٍ … وخرج ثانيةٍ وأشك في أنه سيعود …!
خرج أيام أرسطو … وعاد أيام بولس الرسول … وخرج في عصر النهضة … ولم يعدْ …!
في الغرب حصلت طفراتٌ علميةٌ وجغرافيةٌ ومعرفيةٌ عظيمةْ انتصرت ثانيةٍ لأرسطو وأعادت بولس الرسول إلى مكانه الأثير في الكنيسة …!
أزيحت الكنيسة من الشارع وأبعدت عن المدرسة بأميال فتحرر العقل وكفّ عن الاجترار …!
الارتقاء المعرفي الهائل والكشوف البيولوجية والسيكولوجية العظيمة ونهوض الفنون والآداب وتنوع المتلقيات الحسية أنعكس على العقل الغربي فارتقى به إلى مستوياتٍ راقية من الفهم والوعي وبالتالي أنعكس على السلوك بشكل معطيات سلوكية جديدة تسمح بتقبل الآخر واحترامه وفهمه والحنو عليه كما وقبول مسلمات التعايش والتنوع والمشاركة في المسؤولية الإنسانية والمسؤولية تجاه الكون والطبيعة .
لم يعد الغربي يجترّ مفاهيم الأفضلية العرقية أو الدينية أو الثقافية ولم يعد يجيز حروب الطوائف والقبائل ونزيف الدم من أجل إرضاء هذا الرّب أو ذاك .
أما عندنا ، فإننا ما زلنا للأسف نجترّ قديمنا ( بكامل الحزمة حتى دون أن نفض الغلاف لنرى ما فيها ) وندافع بغاية القوة عن هذا القديم بإدعاء أننا نتماهى به ونتميز من خلاله ، لا لأنه حصتنا الثقافية في هذه الشركة العريضة المسماة الإنسانية ، بل لأنه ما يميزنا عن الآخرين ويشدنا إلى بعضنا ، وهو في الواقع ليس بمميزٍ شريفٍ ولا هو بلحمةٍ حقيقيةٍ عادلةٍ تشدنا حقاً إلى بعضنا …!
وندعي أننا… إن افتقدناه تعرى وجودنا الإنساني وعمّت الفوضى واستباحتنا صغار الأسود والثعالب …!
إننا في تصوري مؤهلون غاية التأهيل لحياةٍ راقيةٍ لا تقل في مستوى رقيها عن حياة أهل الدانمارك أو فنلندا أو فرنسا …!
فعندنا أكثر مما لدى الآخرين من ثروات …!
عندنا ثرواتٌ ماديةٌ هائلةٌ تحت الأرض وعندنا فوقها الثروة الأعظم … الإنسان …!
الإنسان الذي لو أطلق جناحه من قبضة الواعظ والنصّ والحاكم ومنح حرية التأهيل والتهذيب والتثقيف استحال إلى قوةٍ إبداعيةٍ جبارةْ ، قادرة على إنتاج الثروة … لا استهلاكها فقط …!
فكيف إذا ما اجتمعت الثروتان معاً … ما تحت الأرض وما فوقها …!
فقط لو إننا كففنا عن الاجترار وفتحنا عقولنا وقلوبنا لكنوز الفكر والعلم والفن بلا قيود سلفيةٍ سالفةٍ مسبقةٍ مستبدةْ …!
الأوربيون انتصروا لأرسطو بعد رحيله بقرون عديدة ، دون أن يقصوا بولس الرسول بالكامل … بل وفقّوا بين هذا وذاك وأصلحوا ذات البين بينهما …!
لم يقولوا أنهم يتماهون مع هذا القادم من الشرق القصي ، وبذات الآن لم يتنكروا له كلياً وأعطوا ما ليسوع ليسوع وما لأرسطو لأرسطو وكانت قسمةٌ عادلةٌ رحيمةْ …!
أما نحن فقد تنكرنا لأبن رشد والخوارج والقرامطة والمعتزلة والمتصوفة وأغلقنا النوافذ إلا… نافذة بن تيميه…!
فأوصلنا بن تيميه ( رحمه الله ) إلى فترةٍ من الدهر جد حرجةَ ، كنّا عنها غافلون … أيما غفلةْ …!
فترةُ إحترابٍ مع العالم … كلّ العالم … فترةُ خوفٍ وتوجس من العالم كلّ العالم … فترةُ انفصال سيكولوجيٍ وروحيٍ عن العالم …كلّ العالم …!
أكاد أرى موقفنا اليوم من العالم وموقف العالم منّا … شبيهٌ غاية الشبه بموقف يهود أوربا والعالم في العصور الغابرة … والذي وصل بهم وأوصلهم إلى لحظةٍ قام الناس فيها بتسليم مواطنيهم من اليهود إلى شرطي الغستابو مجاناً وبلا تأنيب ضمير … ليدفعوا بهم حشوداً حشودا … جهة المحرقة النازية …!
أكاد أرى ذات الموقف يوشك أن يصيب ملاييننا التي تعيش في أوربا وتلك التي لما تزل تعيش تحت سيف الواعظ والحاكم … هناك في الشرق البعيد النائم على بيضة الماضي الفاسدة …!
لقد فشلنا أيما فشلٍ في ضبط موازين انتمائنا الإنساني مع انتمائنا القومي والإسلامي …!
لماذا …؟
لأن ثوب بن تيميه الضيق لا يسمح لخلايا الرأس وعطلات الكفّ أن تنبسط للآخر …!
ثوب بن تيمية يأبى إلا أن يفرض على العالم شروطه أو … استمرار الانفصال والإحتراب …!
وإلا أفيكم من يفهم كيف أن مواطناً …بل ألف مواطنْ … ولد من أبوين مهاجرين وترعرع ف الغرب وتعلم في مدارس الغرب ونال أباه ولعشرات السنين مساعدةٍ شهريةٍ من كنيسةٍ في الغرب أو من الدولة ، ثم ينهض ذات صباحٍ ليذهب جهة نفق قطاراتٍ يعج بالآلاف من مواطنيه ومواطني البلد الذي ربّاه وآواه وآمنه من جوعٍ وخوف … ثم يدس العشرات أو المئات من أصابع الديناميت والقنابل ويعود آمناً إلى بيته ليصلي ويشكر الله على التوفيق في ذبح المئات من الأبرياء …!
أفيكم من يستوعب مثل هذا المنطق ويفهمه …؟
لماذا لم ينجح أباه أو أمه أو الواعظ الذي يعظه في هذا المسجد أو ذاك ، في أن يعلمّه كيف يوازن بين ما لديه من موروث وما لدى الآخرين من فكرٍ ورأيْ …!
لماذا …؟
لماذا تنتج المراكز الروحية أو التي يفترض أن تكون روحية ، لماذا تنتج قتلةٍ عوضاً عن إنتاج بشرا يتميزون بالسمو الروحي وسعة الأفق وعلو الهمة في البناء لا التخريب ، وفي الحبّ لا الكراهية ….!
لماذا ؟
لماذا ينتصر فيه ( هذا الفتى وذاك ) بن تيميه على ماركس وسبينوزا وفولتير بل … ودون كيشوت …!
لماذا تنتصر فيه الغابة والقبيلة الصحراوية وروح الغزو والقتل على هذا الذي يتعلمه في المدرسة والجامعة والشارع والملعب …؟
لماذا …؟
لا أشك في أن لدينا … في كلّ بلد عربيٍ … بل وبجوار الحرمين حتى… ألف مفكرٍ وألف صوتٍ يختنق في الصدر من عجزٍ عن الخروج إلى اقرب أذنٍ ومنبر …حتى أصغر وأوطأ منبرّ …!
لا أشك في أن لدينا في كل بلدٍ وفي أصغر قريةٍ عربيةٍ ألفُ قلمٍ يعجز عن نقش علامةٍ استفهام صغيرةٍ حمراء ولو على صفحة جريدةٍ من الدرجة العاشرة …!
علامةُ استفهام واحدةٍ صغيرةٍ لماذا … وإلى أين …؟؟
لماذا نتماهى مع بن تيميه وأبا الدرداء حتى بعد ألف عامٍ من رحيلهما ؟
لماذا لا نكفّ عن ارتداء عباءة أبا سفيان حتى بعد أن درس قبره وضاع أثره ؟
لماذا نحجب نور الشمس بقميص عثمان ؟
لمصلحة منْ …؟
حسناً لمصلحة تميز هويتنا القومية والدينية ولدرء الفتن ومنع الفوضى …!
طيب أو ليس هويتنا الإنسانية العامة أجدر بأن تحفظ ويُحرص عليها إذ نحن جميعاً في مركبٍ واحد شئنا أم أبينا …!
أو لسنا شركاء في هذا الكون الجميل العظيم …؟
أو لسنا مستهلكون لحضارة الآخرين في الغثّ والسمين منها ، طيب أما يجب أن نحرص على سمين هذه الحضارة من خلال تحصين أنفسنا بنور العلم والقدرة على النقد والتمحيص …!
وكل هذا لا يمكن أن يتم إلا بأن نجدد دماء هويتنا الثقافية ونكفّ عن اجترار العتيق الفاسد والذي غدا خطراً علينا قبل أن يكون خطراً على الآخرين …!
أو لسنا وإن اختلفنا عن الآخرين في لون البشرة واللسان ، فان لون دمنا هو ذاته الذي لديه ومصيرنا الفردي كما الجماعي هو ذات المصير الإنساني الذي ينتظرنا وينتظرهم …؟
ثم … لِم لا نترك لنور العقل وأدوات المختبر ومعطيات الروح العميقة الخالصة أن تختبر هذا الذي لدينا فتفروه سمينه من زبدّه ، فنبقي على هذا ونذهب بذاك إلى مزبلة التاريخ …؟
نحن نعيش الآن أزمةٍ ثقافيةٍ ( سياسيةٍ روحيةٍ و…سيكولوجيةٍ ) حادة للغاية ، وقد وصل شواظ فعلها إلى كل بقعةٍ من بقاع عالمنا الصغير الذي كان آمناً غاية الأمن قبل بضع عقودٍ من السنين ، بل ولم يسلم حتى الحرم المكي والجوار النبوي من شواظ هذا الفعل الشاذ…!
وما هذا الشواظ المرعب إلا انعكاس لاجترار مزمنَ نتج عن عزلةٍ طويلةٍ وفراغٍ في المعطيات الحسية وعسر التمثل للجديد الجميل المنتج في الخارج …!
من يقول أننا مظلومون وإن الآخر مستبيحٌ لحقوقنا مستضعفٌ لنا مذلّ ومحتقرٌ لهويتنا وحقوقنا … من يقول هذا فهو عنصريٌ عدوانيٌ يرتدي زي الضحية ويحمل في جوهره فلب جلادٍ وتحت ثيابه سوط جلاد …!!
لا أشك في أن هناك جرائم تاريخية ارتكبت بحقنا كأمة عربية وإسلامية … ولكن … لم لا نعود لقراءة التاريخ مجدداً بكلتي العينين لا بعينٍ واحدة…!
ثم هل بلغ بمظلوميتنا أن تجيز لنا أن نقتل أو نسعى لقتل الآلاف من الأبرياء في مدريد ونيويورك … بل وفي الرياض وبغداد وعمان …؟
ما شأن هذا بمظلوميتنا في القدس وحيفا وعكا …؟
ما دخل بيت المقدس بأهل حائل والخبر والقصيم والرياض وعمان وبغداد ، ممن قتلوا أو هم مشاريع قتلٍ في الانتظار…!
أيمكن أن يخرّب مواطنٌ وطنه وأوطان الجيران من أجل أن يقتل أمريكياً أو إنجليزياً واحداً أو أثنين أو ألف…؟
جوهرنا الثقافي أو بعضه ، أفتضح بقوة عقب سقوط الاتحاد السوفييتي وغياب من يلهي الأمريكان عنّا ويلهينا عنهم …!
وهذا الجوهر العنصري العدواني لا بد وأن يخرج من القبو إلى السطح لتلسعه الشمس فتقتل جراثيمه وتطهر رائحته وتعيد له ولنا دماء العافيةْ…!
لا بد من هذا لتأمن أجيالنا القادمة وتسعد ويأمن لنا الناس ويسعدوا بوجودنا المشترك معهم على هذه الأرض التي ضاقت بنا وبهم حتى غدا من المستحيل أن يستمر الانفصال طويلاً …!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني