الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد وخيار المقاومة الشعبية

الهادي خليفي

2009 / 7 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"لست مهزوما ما دمت تقاوم"
مهدي عامل
مر نصف قرن منذ حصول اغلب البلدان العربية على استقلالها وهي الى الوقت الراهن لم تسجل اي اقتراب من ركب العالم المتقدم بل وعجزت على ان تحقق التنمية في مختلف المجالات والقطاعات فيها – الا استثناءات نسبية- فالامية مستشرية والفقر منتشر والبطالة وانعدام التوزيع العادل للثروة وارتفاع معدلات الجريمة عناوين مميزة لحالة الاوضاع الاجتماعية.وباستقراء الاسباب التي انتجت هذه الحصيلة الهزيلة يرتد الامر بالباحث الى المشهد السياسي وافتقاره الى اي نوع من المشاركة الشعبية فنظام الحكم في البلاد العربية اتصف بتركزه الشديد في يد حاكم فرد يستوي في ذلك ان يكون سلطانا او ملكا او اميرا او رئيسا او جنرالا او إماما او.. وما اكثر الالقاب تحاكي انتفاخا صولة الاسد!. ان الاوضاع السياسية في مجملها اتسمت بثبات اتجاهها ومرجعياتها ومصادر حكمها فرغم ما يبدو فيها من حراك شكلي عكسته وتعكسه كثرة الانقلابات الا انها ظلت وفيّة دائما الى عدم ادماج الشعب في المسالة السياسية اوتشريكه في الحكم وعدم القبول بفكرة الديمقراطية اسّا للتداول على السلطة وواصلت الاستناد الى مبدا قديم ذكره ابن خلدون هو مبدا "الغلبة " في تسيير شؤون الوطن والتصرف في موارده وبشره.
ونتيجة لقيام الحكم عند العرب على تغييب اي دور للشعب فان المراهنة دائما لاحداث اي تغيير جذري في الاوضاع السياسية على طول امتداد الخارطة العربية كانت على الماسكين بزمام السلطة وتم في احايين كثيرة التعويل على الحكّام في احداث ذلك التغيير المرتجى تحت عناوين الاصلاح والتحديث وغيره.. وقد تم التغافل لضعف طاقة وادراك او لحسن نية على ان الحقيقة المرة تفيد بان من العبث او شبيها بانتظار "قودو" الذي لا ياتي ان تنتظر حاكما يقدم سلطاته على طبق من الديمقراطية والتعددية لشعبه ويستقيل او يطلق الحكم .ان هذه الحقيقة تجعل المسؤولية تتحول لتلقى على صاحب السيادة وهو الشعب في احداث التغيير او انجاز مشروع الاصلاح ان كان هناك ما يستحق الاصلاح اصلا فكيف يمكن له ان يصبح قوة فعل وتغيير في التاريخ وصانعا لمستقبله ومقررا لمصيره؟
لو ان الامر تعلق ببلد مستعمر لاتجهت الاجابة نحو وجهة واحدة وهي المقاومة وما لا يعلمه كثير ان ذلك الحل المتمثل في المقاومة هو الوحيد الناجع والممكن ايضا لمواجهة اي خطر يتهدد سلطة الشعب وحكمه وان كان هناك طبعا اختلاف في الاساليب والوسائل بين هذه الحالة وتلك.
المقاومة ضد المستبد لا بد ان تكون سلمية فهي لن تكون ضد عدو خارجي تستباح فيها كل الوسائل بل ستكون ضد مواطنين جنّدهم الحاكم المستبد وبذل لهم من المال العام والامتيازات ما اعماهم عن افعاله ضد بني جلدتهم وعليه فلا يجب ان تذهب المقاومة الى مواجهة عنف السلطة بعنف يعطي الشرعية للاولى ويبررها بل يجب ان تستحدث اساليب مبتكرة يكون همها فضح ممارساته ومهاجمتها في كل المنابر(في المقاهي والملاعب والبيوت والمدارس والجامعات والمساجد والجمعيات والخ...) بحيث تستحيل تلك الممارسات ضد الانسانية وضد القانون وضد الاخلاق العامة وضد الدين ..ومرفوضة من الجميع –وان كانت هي في الحقيقة كذلك فالحاجة هي بالاساس الى الدعاية- فاقوى الاسباب المطيلة لعمر الاستبداد انه يلقى استحسانا وقبولا من البعض –حتى وان كان هذا البعض قليلا لانه يتم تهويله ويصبح كثيرا- .
لا بد للمقاومة ان تقوم اخلاقا اجتماعية جديدة بديلة على الاخلاق السائدة مرتكزة على مبادئ يمكن تبسيطها وتلخيصها في نقاط منها اساسا:
-" لا يستطيع احدا ان يركب ظهرك ما لم تكن منحنيا"وهو قول ماثور لمارتن لوثر كينغ المقاوم ذي الاصول الافريقية السوداء ضد التمييز العرقي في امريكا ومفاد القول اذا لم تكن لديك قابلية مسبقة للانصياع والخضوع فان خصمك لن يستطيع ان يمارس عليك استبداده او خياراته فاول مطلوب في المقاوم ان يكون من طينة صلبة تتحدى التهديد ولا تلين او تخضع لابسط الوعود.
-" اذا اردت ان تكون تافها فادر ظهرك للاخرين" وهذه العبارة لكارل ماركس قالها في مقاومته لتغوّل الراسمالية المتوحشة ومفادها ان الحلول لا يمكن ان تكون ابدا فردية بل لا بد لانجاح اي مطلب من الالتفاف حوله وجعله المطلب الشخصي لكل مواطن حتى وان كان لا يمسه من قريب ففي ساعات المواجهة لا تنتظر الخصم عند باب دارك ..كلما واجهته بعيدا نأيت بالخطر عن باب دارك اكثر.
-"خير الجهاد كلمة حق قيلت عند سلطان جائر"قول للرسول الاكرم يدعو فيها الى التحلي بالشجاعة والى مواجهة الظلم وعدم الاستكانة له والخنوع فأولى مظاهر الشجاعة ان تقول بما تلقى وتشعر لا بما يراد لك قوله وقريب من هذا ذلك القول الذي يلخص حرية التعبير في كونها ان "أقول ما اريد لا ما تريد ان تسمع"..واذا اقبل الشعب على تربية نشئه على قيم الشجاعة والمطالبة بالحق ورفض الظلم فسيكون ذلك حافزا للحاكم ان يعيد الحساب الف مرة قبل اتخاذ اي قرار يكرس استبداده او ينال من حريات افراد الشعب..
- " اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر" صدر بيت لابي القاسم الشابي قاله مقاوما الاستعمار في اوائل القرن الماضي وهذا الخطاب يمكنه اليوم كما فعل بلامس البعيد ان يستنهض همة الشعب التي خمدت ويفتح امامه ابواب الامل الرحبة وافق حرية بلا حدود..
- لان الشعب هو من يدفع فاتورة الاستبداد اعتقالات ودماء وبطالة وتفقيرا وتهجيرا و...فعليه ان يقود المقاومة التي أؤكد على طابعها السلمي وذلك بالتربية على قيم غير القيم التي سهلت استشراء الاستبداد واستبدال سلوكات اجتماعية تجعل من الواشي وعون يمارس التعذيب واداري لا يخجل من مجاهرته بتحزبه ومرتشي ومتزلف وطامع وخائن و..و...و...و شخصا مقبولا ومحترما عوضا عن احتقاره ومقاطعته والاشارة الى فساده وتصوير سلوكه شذوذا مرفوضا اجتماعيا حتى وان كان مقبولا من زبائن الحاكم المستبد ....وفي مقابل الاستهجان والتنديد بمثل ما سبق من السلوكات على المجتمع ان يمتدح أولئك الذين يضحون بالمكاسب من اجل التمسك بالمبادئ وان يجعل من المدافعين عن حقوقهم نماذج تحتذى في الفعل ..على المجتمع ان يقبل على ثورة ثقافية بشجاعة وتجرد تغير من حاله وتدفع به الى ان يكون طاقة فعل وتغيير لا قوة محافظة وتثبيت لواقع يظهر يوما بعد اخر انه يؤبد الاستبداد وانه سوره المنيع الذي يواجه به الحاكم المستبد او من خلاله امواج الحرية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا