الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية: (على صدري) تحية لحماة، وللحبّ، والحياة

شاهر أحمد نصر

2009 / 7 / 4
الادب والفن


تأليف: منهل السراج
قراءة: شاهر أحمد نصر

"على صدري" رواية جديدة للأديبة المهندسة منهل السراج: رواية تعج بالأصوات المتنوعة والمتناقضة، تعكس حياة متناقضة، ينوس الأمل فيها، مع موات الحبّ الصافي البريء؛ يبعث الحياة في كثير من جوانبها حبّ خليل النصراني لنجلا الحموية ـ خليل النحات الذي ينحت عشتار، فينحت نجلا ـ كما تزينها حياة لينا السورية الأصل القادمة من أمريكا والوجه الآخر لنجلا الحموية الشخصية الرئيسية في الرواية: الوجه الذي تشتهي أن تكونه، ولا تقدر...

إنها رواية الحياة والحبّ: مدادها حبّ الإنسان وحبّ المكان (مسقط الرأس) في زمن صارم مشوه قاس ضاغط، مليء بالأحداث، والأفكار، وبالعقد، والتعقيدات العامة والشخصية؛ بعضها يعود إلى طرق التفكير القديمة، وبعضها تعقده الحياة المعاصرة ذاتها، تلخصها عقدة نجلا من تضخم صدرها... أحداث وأفكار تسبكها الكاتبة في لوحات يقارب بعضها السريالية: "لا أعلم إن كان بمقدوري التخلص من طرق التفكير القديمة... أرغب في أن أخبر الجميع عن آرائي، لكن ضخامة صدري تمنعني... أتحدث بصوت عال، ولكن ما إن أبدأ حتى أشعر أن ثديي نهضا وأخرساني"... ويلونها حبّ المكان لدرجة التماهي معه فتخال الكاتبة ناعورة تئن على ضفاف العاصي الشجي: "كنت شجرة على المي، قصوا غصوني وجابوني لشيل المي"، أحسست أن الناعورة تئن من شطحات خيالي". ويبقى هاجس العريس يلاحق الصبية الحموية الصبور مع اهتمامها وحرصها على مدينتها الحبيبة حماة...

تلوح ملامح العريس قادماً من دمشق لكنّ الأم الشامية تقول: ـ "لا نريد حموية، ما الذي يجبرنا على حماة؟"ص39 ويخضع العريس الشامي لآراء أمه: "إن رغب الاتصال بي فلن يتجرأ أن يفعل خوفاً من أمه، ومن أهل حماة الذين يعدهم في "منتهى التخلف"..ص40 وتلوح بارقة أمل في عريس قادم من ضفاف الفرات، لكن تناقضاً شكلياً في تفكيرها وتفكير العريس يعبر عن تناقض جوهري يجعلها تأنفه، وهو يطفش: "سألت (العريس)عن مدينته، السد والناس والعمارة الحديثة. كنت في كل سؤال أسميها (مدينة الطبقة)، وفي كل جواب يسميها (مدينة الثورة)، حتى أعلنت موقفي بصراحة ربما تجعله على حد قول أمي "يطفش":

ـ أنت من أهل الطبقة، وبيتك راح مع البيوت التي شملها الهدم من أجل السد، هل توافق أن تضيع كلمة الطبقة مع ما ضاع من معالم المدينة القديمة؟"ص56 وأخيراً يهل ظافر فارس الأحلام الذي عاش مناضلاً في لبنان ليأخذ حيزاً هاماً من اهتماماتها الجدية بعد انشغالها بالآثار... فتعيش حالة حبّ تحيي عروقها...

الحبّ يحرر الإنسان يجعل اللسان طليقاً متحرراً من كل قيد، الحبّ يخلق الإنسان: "سحب يدي في سهولة بالغة، شدني إليه وقبلني... مسح شفتي بلمسات خفيفة، وقال: ـ أنت حلوة. إني بهذه اللمسات وهاتين الكلمتين، رأيت الربّ... كأنّه حين ربّت بأصابعه على الشفتين، رتب لي ملامحي. بل خلق لي ملامحي... وبثوان قليلات خلقني".ص35 ونتعرف على آراء نجلا غير المألوفة حول أساليب النضال ضد المعتدي، والتي تستدعي التمعن من خلال حوارها الصريح مع ظافر بعد أن حرر الحبّ عقدة لسانها وجعلها تتجاوز عقدها:

"ـ بصراحة أنا لا أوافق على نمط النضال الذي عشته أنت في لبنان. لا يوجد لدي بدائل عنه، لكنني لا أوافق على القتل والتعذيب والتدمير. إذا استسلمنا نستطيع أن نعمر، ونحن إذا عمرنا نفرض ثقافتنا، وإذا كانت ثقافتنا أصيلة تبقى وتلغي الثانية الفارغة والمخربة.ص33

.....

كما نتعرف على موقف نجلا من العمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الشباب الفلسطيني والتي دفعتهم العنجهية والعنصرية والغطرسة الإسرائيلية ومحاصرة العالم لهم لاعتمادها. وكما اختلف ظافر مع نجلا في الرواية "ـ هل نترك العميل على عمالته؟ استسلام؟ نسمهم أرضنا وعرضنا؟" كنت قد اختلفت مع الكاتبة حول مقالات نشرتها في شبكة الانترنت حول هذا الموضوع نفسه الذي تطرقه في الرواية: لأنني أرى في هذه النظرة رؤية أحادية تتجاهل النقيض الصهيوني الذي يدفع من حوله إلى الانتحار... هذه مسألة تستحق التمعن من الطرفين... أليس ضرورياً أن يتمعن هؤلاء الصهاينة الذي يعتقدون أنّهم شعب الله المختار، وأنهم أذكى وأبرع بني البشر، أليس ضرورياً أن يتمعنوا في وضعهم وحالتهم وهم يجبرون أبناء الشعب الفلسطيني إلى الانتحار، أليس في ذلك دلالة كبيرة على الدرك المنحط والمستوى الفظيع الذي وصلوا إليه ويتميزون ويستمتعون به مسببين وناشرين حالة الانتحار حولهم؟! أليس في تسليط الضوء على جانب واحد من العملية وجلده سذاجة وسطحية؟! ألا تتطلب الموضوعية رؤية اللوحة كاملة وجوهر وسبب المسألة التي نعالجها؟

وتتضمن الرواية إيماءات متعددة تدعو القارئ للتبصر والتفكر والتمعن:

"ـ معنى هذا لديك أخوة أجانب؟

أجابت بلا اكتراث:

ـ أخت إسرائيلية وأخت أمريكية".ص75

... "ـ من حقق معي؟

ـ من؟

ـ حفيد بدوي الجبل؟"ص108

وتسلط الرواية الضوء على سخافة تفكير المتطرفين فكرياً، وانحطاطهم إلى مستوى أدنى من سخافات بعض المراهقين الطائشين الضائعين، والتائهين، والمنبوذين اجتماعياً: "حين أراد أن يمازح ضيوفه قال مشيراً إليها (زوجته) ـ هذه عاهرتي..."ص121 ولا تخلو الرواية من بعض الألفاظ التي تشوه جمالية النص، حسب رأيي، وبعض التناقض خاصة في شخصية خليل وزواجه المتعدد وهو مسيحي.ص45 ومن الثرثرة التي تبدو أحياناً طويلة كالثرثرة مع عشتار ص49/50 والثرثرة عن ستي حياة. ص68 مؤكدة استمرار الحياة في خضم الصراع... "يولد قابيل وهابيل آخرين والزمن يقتل القاتل".

لم تقدر حالة الحبّ التي مرّت نجلا بها أن تنسيها مهمتها الأساسية في إنقاذ حماة من الخراب، لأنّ حماة متجذرة في صدرها وفي أعماق أعماقها: "لا أرغب في شن حرب على أحد. أتمنى أن تنجو حماة من الخراب الذي يلحق بيوتها، الشجر والنواعير والأحجار وذكرياتي مع ستي حياة".ص15 فتغرق في العمل، والعمل ينسي العقد: "أخذت الشوكة وشاركت مع أعضاء اللجنة وعمالها في نبش التربة... ساعات لا تنسى من السعادة والنشاط والتعب الحلو. نسيت عقدة صدري"...ص16 وتزيد سرقة المخطوطات نجلا ألماً على ألم: "اكتفى العالم الفرنسي، صاحب أخر بعثة أثرية، بأن صوّر لنا الصفحة (19) وأخذ بقية المخطوط.ص18 ويبقى قلبها يبث كلّ يوم رسائل صامتة لظافر...ص19

وتمتزج هموم نجلا الشخصية، نجلا الباحثة في أبعاد الخيانة، وفي قسوة الحبيب الذي "أغلق قلبه عني وانشغل بالسياسة وبنساء أخريات" تمتزج بالهموم العامة المتجلية بتلوث نهر العاصي، وبتربص العدو بالبلاد، فتصرخ بأعلى صوتها "آن لآهل البلد أن يستيقظوا. أقصد صار علينا أن ندافع عن وجودنا وحريتنا، من دون تأجيل، لأنّ إسرائيل تتربصنا، وأمريكا تطمع فينا".ص21 وتخط في حوارها مع لينا أساس النهضة الضرورية للمواجهة، وللخروج من الأزمة ألا وهو الحرية: فالحرية ضرورية للإبداع والابتكار "إن الفنان العربي ذا الشفافية العالية يقبع في قوقعة بيئته، وعند حساسيته الأولى للجمال، وهي حساسية جد بدائية: جرة ماء، شجرة توت على باب الدار، طبق غسيل الأم... وإن لم يفعل ذلك فإنّه يلوذ كلياً بالفن الغربي البعيد مسوغاً هروبه باغترابه عن بيئته وأهله. وهكذا فإننا من النادر أن نلتقط تشكيلاً مبتكراً... كل الناس في أمريكا يبتكرون لأنّهم أحرار... لو كان لفنان هذه المنطقة الهامش نفسه من الحرية، لشهدنا خلال فترة قصيرة كماً كبيراً من الأعمال المبتكرة والمتنوعة." والحرية تخلص الكاتب من معاناته القاتلة: "سأحاول أولاً أن أكتب كل ما يخطر في بالي، ثم أقوم بالقص اللازم للمقاطع التي يجب علي أن أقطعها لأسباب اجتماعية وسياسية ودينية ونفسية و... حين فكرت بكل الذي يجب علي اقتطاعه وجدت أنّ علي حذف كل ما سأكتبه لأنّه سيضرني"... عندما يحس الناس بالحرية يتعرفون على مصادر قوتهم وضعفهم، فتسهل مواجهتهم للمخاطر الجمة المحدقة التي لامستها الكاتبة بغيرة وروح وطنية صادقة، وإن اختلفنا معها في بعض وجهات النظر...

ويبقى نسغ الرواية ونبضها الحقيقي: حبّ الكاتبة لمدينتها الحبيبة حماة، فتحاول تقديم صورة مفصلة عنها غير ناسية حتى مجانينها. حبّ لا يخلو من يأس الأم من إمكانية اعمار حماة، طارحة أسئلة تستحق التمعن: ـ حماة "خربانة"، لن تعمريها ولو قضيت ليلك ونهارك تخططين". حبّ حماة كما هي، مع رغبة جامحة في أن تكون أفضل بقاع الدنيا.. "ـ تحبين حماة وماضيها من كل عقلك؟ ـ لا أستطيع العيش خارجها." "ـ لا تكتري أسئلة، شوفي الشجر. والله حماة جنة يا ناس.ص113 "مضيت كي أنجز ما لم ينجزه المدير ومعاونه. عمرت البيوت والحارات فتحت نوافذ، دعمّت الأبواب، ملأت الغرف بأناس والباحات بأطفال والأحواض بالأزهار".ص186 ويتساءل العارف بحال الكاتبة بحرقة وألم: هل تضع منهل أمامها مهمة إحياء المدينة، فتجبرها الظروف على الهجرة منها... وهي المجبولة بترابها وعاصيها (والله العاصي يشبهني.ص123) وأطعمتها المشهورة التي تجيد وصفها حتى تجعلك تحلم بتذوق ما تطهيه منهل، وشرب الجن معها على ضفاف العاصي، كما "شربته هذه الحموية لتعلمنا الكثير".ص119

"كما ينبغي لنهر"، و"جورة حوا"، و"على صدري" روايات متميزة جبلت من المشاعر المرهفة والصادقة والملتهبة للمهندسة والكاتبة منهل السراج حافلة بحبّ الوطن والإنسان، لتطرح أسئلة كثيرة، وتفتح آفاقاً واسعة لمن يريد التعرف على حبّ وشغف ووجد حبيب بحبيبته في حضور الحبيبة الأجمل والأبقى حماة.

تحية محبة وتقدير للأديبة منهل السراج، ولحماة التي أنجبتها، آملاً أن تنال هذه الإنسانة الغيورة على وطنها وشعبها بعضاً من حقها، كي تتحفنا بالمزيد من العطاء الجميل، والمفيد، والممتع الذي يذخر به قلبها الدافئ، وعقلها المتنور... وهو ما تشي به رواياتها، وآخرها رواية "على صدري" التي صدرت طبعتها الأولى عن شركة قَدْمُس للنشر والتوزيع ـ بيروت ـ عام 2007

طرطوس 2/7/2009 شاهر أحمد نصر

[email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك


.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في




.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات


.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه




.. أول ظهور للفنان عباس أبو الحسن بـ-العكاز- بعد حـــ ادث اصـــ