الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أندريه فيليتير: لا أشعر بأنني فرنسي شعرياً( واستدراك من الكاتب)

اسكندر حبش

2009 / 7 / 5
الادب والفن


ليــس علــى حــب أن يطــرد حبــاً آخــر

أندريــه فيليتيــر

هذا الحوار مع الشاعر الفرنسي أندريه فيليتير جرى في بيروت منذ مدة حيث أتى لتقديم بعض القراءات بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي، والذي تناول فيه جملة من القضايا الخاصة والعامة، حول المدن وحول الشعر الذي يكتبه كما عن «نظريته» التي تختلف عن قسم كبير من الشعر الفرنسي، إذ يجد أن حلفاءه في الشعر ليسوا من الفرنسيين. هنا هذا الحوار.

سنبدأ من بيروت التي تزورها للمرة الأولى...
} وهذا أمر لا يصدق.
كيف ترى إلى هذه الرحلة؟
} كما كل مسافر يأتي إلى بلد بعد أن رأى عنه الكثير من التحقيقات التلفزيونية وبعد أن رأى العديد من الصور، وبعد أن سمع العديد من الشهادات عنه – إذ ترجمت مع أدونيس يومياته عن حصار بيروت – من هنا كان علي أن أعود وأهدم هذه الصورة التي كانت لدي قبل مجيئي كي أستطيع أن أكون هنا حقا. من هنا، أول انطباعاتي، ينحو إلى أشياء بسيطة: زرت لتوي المتحف الوطني حيث لقيت قطعا مدهشة، لم أكن أعرف أن المتحف هنا غني إلى هذه الدرجة، فعن الحقبة الهليستينية هناك أشياء رائعة، وكانت الزيارة تستحق وقتا أفضل إذ تحتاج كل قطعة لأن تشاهد بشكل أكبر.
في أي حال، أول ردود فعلي هو وجوب محاولتي النجاح في الوصول إلى الراهن والحياة الواقعية شيئا فشيئا لا الوصول إلى المدينة التي شاهدتها عبر التحقيقات الصحافية. أعرف ما جرى في هذا البلد، ولديّ الخبرة في مشاهدة مدن مشابهة، إذ زرت سراييفو عدة مرات، وأعرف معنى مدينة تعرضت للاستشهاد الداخلي، لذلك عليّ الآن أن أصبح «مسّاح» المدينة على قدمي. صحيح أنني لا أستغرب المشهد كثيرا إذ سبق لي أن زرت تركيا والأردن وسوريا، أي لست غريبا عن سياق هذه المدن كثيرا، أضف إلى ذلك أن صداقتي مع أدونيس جعلتني أتعرف إلى المدينة قبل أن أزورها، لقد تحدثنا عنها مطولا.
قبل أن تأتي إلى هنا، كما قلت للتو، كنت ترجمت كتاب أدونيس عن حصار بيروت، كيف كنت ترى إلى المدينة في الواقع قبل المجيء؟
} كنت شاهدت الكثير من الصور،نوعين من الصور، الفئة الأولى تلك التي تظهر «أسطورة» هذه المدينة، كما صور بيروت في الحرب التي نراها كل يوم على شاشة التلفزيون. كنت أعرف أنني سأصل إلى مدينة تمت إعادة إعمار القسم الكبير منها، وأن هناك أيضا بعض الأماكن التي لا تزال تحمل آثار الحرب، لكن ما شعرت به للتو، هو أن المدينة لا تزال بعد تقع في تقسيماتها بطريقة لا تصدق. ربما كنت أتوقع ذلك بطريقة من الطرائق. أعتقد أن السؤال الأساسي الذي يطرح على المدن التي عاشت حالة مماثلة لهذه الحالة التي عشتموها هنا هو: كيف الطريقة إلى العيش معا بعد كل هذه الأحداث، هل هناك حياة مشتركة ممكنة؟ وأتحدث هنا بشكل خارجي أي ما هو هذا الشيء في المدينة الذي سيجعل من الحياة المشتركة أمرا ممكنا. لم ألاحظ ذلك لغاية الآن.
ربما انطباعك الأول ليس على كثير خطأ، في أي حال، ما زلت تسافر؟
} نعم.
السفر
في القرن التاسع عشر كتب بودلير قصيدته الشهيرة «دعوة إلى السفر». في تلك الحقبة، كانت الكلمات، القصائد، هي التي تسافر من مكان إلى آخر. اليوم أصبح الشعراء هم الذين يتنقلون من بلد إلى آخر، كأن الشعراء مضطرون إلى الانتقال لقراءة قصائدهم. كيف تجد هذا التحول؟
} أعتقد أن الأمر، بالنسبة إلي، هو فرصة غير معقولة. أعتقد أنني عرفت قدرا «مقدسا» إذ قمت بما كنت أريد القيام به، لقد سافرت في عمر باكر، في البداية سافرت كثيرا مع والديّ. كان والدي أستاذا وكنّا خلال عطلة عيد الفصح التي تستمر لمدة أسبوعين نتقل من مكان إلى آخر، لذلك عرفت فرنسا جيدا، إذ كانت العادة تقضي بأن يزور أستاذ المدرسة (في عهد الجمهورية الثالثة) كل شيء، لا المتاحف فقط بل أيضا المصانع والشركات وكنا نزور ذلك بطريقة علمية. من هنا عرفت فرنسا وأنا في الثالثة أو الرابعة عشرة. في الخامسة عشرة بدأت السفر مع الأصدقاء، وبدأت برحلة إلى جنوب إيطاليا، وكان الأمر بمثابة الصدمة إذ ان جنوب إيطاليا هو الشرق، كان ذلك في الستينيات وفي تلك الفترة لم تكن هناك طرقات في جنوب إيطاليا، بل كان علينا الانتقال بحرا من منطقة إلى أخرى. كان اكتشاف عالم مختلف جدا عن فرنسا، وبدءا من هذه اللحظة، شعرت بهذه الرغبة التي تحدث عنها بودلير أي القيام بخطوة نحو المجهول. هذا المجهول بدأته مع اليونان وتركيا وتقريبا إلى الشرق دوما لغاية أن وصلت إلى الهيمالايا والتيبت. بمعنى من المعاني هي طريقتي في سبر الأغوار الخاصة، وبخاصة السنوات الثلاث التي قضيتها في أفغانستان إذ شكلت لحظة قوية في حياتي، والتي كانت لحظة حاسمة في حياتي كما في شعري.
تحدثت عن «الشرق» الذي اكتشفته – إذا جاز التعبير ـ مع جنوب إيطاليا، ما هو مفهوم الشرق بالنسبة إليك؟ ثانيا من يعرف شعرك لا بدّ من أن يجد هذا الشرق حاضرا، ولا أقول هذا المفهوم الاستشراقي بالتأكيد. كأن تتحدث في قصائدك عن المجنون (مجنون ليلى) مثلا كما عن العديد من الشخصيات الأخرى...
} أعتقد إني حين أقول ان أفغانستان قد وسمتني وحولتني أي أنني تعرضت لتجارب في هذا الفضاء مثلما تعرضت لتجارب أخرى في الهند والتيبيت والهميلايا وبخاصة خلال الاحتكاك بالبوذية والتاوية إذ وسمتني هاتان الروحانيتان حتى على المستوى الفلسفي. درست الفلسفة في فرنسا والمستغرب أنه في فرنسا قد تحصل على الأغريغاسيون في الفلسفة من دون أن تقرأ نصا فلسفيا شرقيا وهذا أمر لا يصدق، إذ نبقى داخل سجن عقلي واحد هو سجن الفلسفة الغربية منذ الإغريق. صحيح أنها فلسفة مدهشة، إذ القضية ليست هنا، لكن الأمر يبدو كأننا لا نستطيع أن نفكر بما هو موجود في عقل شخص هندي أو صيني. بالنسبة إلي ليس الأمر بمثابة مفاهيم أساسية فقط بل علينا أن نعيشها. في أي حال أجد نفسي ما بين التاوية والبوذية، على المستوى الروحاني لا على المستوى الديني.
هل أثرت هذه الرؤية الروحانية على الرؤية الشعرية عندك؟
} بالتأكيد. لقد لعبت أفغانستان دورا هائلا. أنا من هؤلاء الذين يعتقدون انهم لا يستطيعون أن يكونوا شعراء من دون أن يعيشوا شعرهم، أي أن لا يكون نتيجة تجربة. والتجربة التي تعرضت لها في أفغانستان كانت تجربة جسدية أولا، كما تعرف هو بلد كبير وكنت لا أستطيع التنقل إلا عبر الخيل في الصحاري الممتدة، عشت الحياة اليومية كما كنت أحلم بعيشها أي قبضت بيدي على كل ما كنت أرغب فيه بالحياة. وقد ظهرت أفغانستان في شعري ليس عبر هذا الفيض الوجداني أو الغنائي بل على العكس من ذلك أي عبر عدم الانصياع إلى ذلك من هنا اختراعي لهذا المفهوم «الغنائية الجافة» أي هذه الغنائية التي لا تترك نفسها تغني بالكامل. بالتأكيد لا يعني ذلك الانقطاع عن الحياة المعاصرة فأنا لا أقيم في برج عاجي، بل أنا شخص يهتم بكل القضايا الموجودة في العالم اليوم. لكني وفي الوقت عينه، وفي كتاباتي، نجد هذا الدور الذي لعبته أفغانستان أي عيشي في هذا السياق وفي هذا البلد الصعب والفقير، في حياة يومية قاسية جدا. وقد ساعدني ذلك جدا في «اقتصادي الخاص» أي في بنية كتابتي التي استفادت كثيرا من إقامتي في أفغانستان. أضف إلى ذلك اتصالي المباشر بالشعراء الفارسيين الذين أحبـهم كثيرا كمثل عمر الخيام...
بعيدا عن الخيام والشعراء الكلاسيكيين، من هذه التجربة نجد هذه العلاقــة الشعرية الكبيرة مع سيد بهاء الدين مجروح (شاعر أفغانستاني اغتاله السوفيات زمن الاحتلال)...
} بالتأكيد...
كتبت عنه، ترجمت شعره...
وترجمنا «اللاندي» (شعر النساء البشتونيات) معه سيبقى بهاء الدين أخا كبيرا بالنسبة إلي وسترافقني دوما تجربته الشخصية، مساره، قدره.. إنه لا يغادرني بل أعيش دوما مع ذكائه، معه.. ( تظهر دمعة في عيني فيلتير بعد هذا الكلام)
قد يكون سؤالي «صعبا» بعض الشيء، إذ انطلاقا من اسم سيد بهاء الدين، نجد أن ثمة فقدانا كبيرا حاضرا في شعرك. ليس فقط مجروح بل أيضا قصائدك عن شانتال (صديقة فيلتير، وكانت متسلقة جبال وقد ماتت بسبب انهيار ثلجي على إحدى القمم الجبلية)... كيف تعيش هذا الفقدان المستمر؟
} عرفت دوما حس التراجيديا، حتى وأنا طفل على الرغم من أني عرفت طفولة رائعة. شاهدت دوما أن القدر الإنساني يحمل قساوة حميمية، ولا أتكلم هنا انطلاقا من التجربة الجماعية بل أيضا من التجربة الفردية. من هنا فإن التراجيديات الفردية، لن أقل إنها كانت قريبة، بل كنت أعرف انها ستصل. كنت أحب والدي وقد مات، في النهاية كنت أعرف أن ذلك كله سيصل. ربما عرفت حظا كبيرا إذ لم أعرف الحزن القريب قبل الخمسين من عمري، بل عشت فقط حزنا واحدا بموت ستيفان صديق رحلتي إلى أفغانستان. لقد جرحني موته كثيرا. أما شانتال... لا أؤمن بالموت، بزمن الموت، أعتقد أنها سهولة يعطيها الناس كي ينسوا. أنا لا أنسى. شانتال ماتت منذ 11 سنة، وما من يوم لا أفكر فيها. لا أريد أن أتخلى عما عشناه معا من خلال النسيان. لكن هذا لا يعني مطلقا أنني توقفت عن العيش. لا أعيش الآن وحدي، أعيش مع شابة أحبها. ليس على حب أن يطرد حبا آخر. عليه أن يبقى مع كثافة المشاعر. ثمة كرامة في العيش واقفا، بشكل عمودي من دون أن ننسى. في حياتي كانت هناك امرأتان لعبتا دورا كبيرا في حياتي ولم أخف يوما هذا الأمر. هناك ماري جوزيه التي عشت معها 27 سنة وشانتال. لقد ماتت الاثنتان. سيعيشان معي إلى الأبد دائما.
الفقدان
بهذا المعنى هل القصيدة تولد من الغياب أو أيضا من هذا الحضور الذي يبقى؟
} النصوص الأولى التي نشرتها والتي تشكل شانتال مرجعيتها، كانت نصوصا للبقاء. الكتاب الأول الذي نشرته بعنوان «القمة السابعة» يجمع ما كتبته خلال 8 أيام، بين اللحظة التي عرفت بموتها حيث قتلها الجرف الثلجي فوق الهيمالايا، وبين اللحظة التي وصل فيها جثمانها إلى فرنسا. من هنا هذه النصوص كانت بمثابة نصوص لتطيل عمرها ساعة واحدة. لكن المدهش في الأمر، نجد أن النص الأول، ليس الأول في الكتاب، بل أول ما كتبته، وكنت أريد أن أكتب رسالة إلى شقيقتها، لكني كتبت قصيدة. إنها أول قصيدة أعطتني هذا النوع من الكتابة. لم أكن أفكر يوما في كتابة كتاب كامل، بل أتت الفكرة بعد ذلك، كما أني لم أكن أعرف إن كنت سأنشرها أم لا، بل طلبت من صديقين أثق بهما ثقة كبيرة ما ينبغي أن افعله، فقال لي واحد منهما انك قرأت بدون شك قصائد لويز لابيه عن موضوع الفقدان ألا تعتقد أن هذه القصائد قد ساعدت أناسا آخرين، لذلك عليك أن تنشرها، فنشرتها.
لو وضعنا جانبا قصة الموت والفقدان جانبا، كما أن هذين الكتابين وزعا وقرئا بشكل كبير، هل دفعتك هذه العلاقة مع القارئ الى أن تعيد التفكير بالعلاقة مع الشعر، ماذا نريد منه راهنا؟
} ليست هذه الكتب من قادني إلى ما تطرحه الآن. في الواقع انها تجربتي في الإذاعة – إذ أقدم برنامجا إذاعيا يوميا على «فرانس كولتور» – وهذا البرنامج هو من فتح أمامي فكرة أن على الشعر وتحديدا الشعر الفرنسي أن يعود وينفتح على الشفاهة. وعبر هذه الشفاهة مرت العلاقة مع الجمهور. هذا يعني أنه مع الكتابة نفسها علينا أن نطرح سؤال ماذا نكتب، ومنذ البداية قلت إنني أكتب للأذن، لا للكتاب. لم أكتب لما أجده على الورق بل لما أسمعه. من هنا أجد أن الإيقاع والنشيد الداخلي في القصيدة ضروري جدا. وهذا ما فهمته بسرعة. بالطبع إن التجربة التي خضتها في نصوص شانتال قد وسعت الأفق أمامي. لكن كما تعرف جيدا، أشعر بالحياء مع هذه النصوص إذ لم أقرأها أمام الجمهور سوى مرة واحدة، وكان ذلك عبر تحية أقامها والدها. ولم أقبل في قراءتها مجددا أبدا. أريد أن أبقى على مسافة من هذه النصوص، أقصد لا أريد أن أتكئ عليها لأصبح منظرا لهذه النظرية. في أي حال أنا مع جميع الأنواع والتجارب الشعرية ولها الحق بالوجود، لكن إن لم يكن هناك أي «ميلودية» في الشعر فإنه لا يعنيني. لقد فكرت بذلك مبكرا. حين جئت إلى باريس في الستينيات، كانت النظرية البنيوية مهيمنة ولم تكن تعنيني، فتوجب عليّ أن أقوم برحلة كبيرة وأن أمر عبر الخارج كي أبحث عند الشعراء الأجانب مثل أوكتافيو باث وناظم حكمت وبابلو نيرودا وغارسيا لوركا وسليمانوف وريتسوس، إلى آخرين كي يعطوني الأوكسجين وكي نقول لن نقع تحت تأثير هذه «الموضة» الباريسية في القصيدة البيضاء، وقد بقيت واقفا من دون ألم لأني وجدت هؤلاء الحلفاء الخارجيين وهذا السبب حين تمكنت من تقديم برنامج على الإذاعة قدمت دائما حلقة مع شاعر فرنسي أو فرانكوفوني وحلقة مع شاعر أجنبي لأنني مدين كثيرا للشعر الأجنبي (غير الفرنسي).
أنا أيضا لست على وفاق كبير مع ما يكتب حاليا من شعر فرنسي. لكن السؤال ليس هنا. أريد أن أقول: يبدو شعرك كأنه يقف اليوم على خلاف جذري مع قسم كبير مما يكتب اليوم على الساحة الشعرية الفرنسية؟ أضف إلى أن ثمة سؤالا آخر يطرأ على بالي: إلى أين يذهب الشعر الفرنسي اليوم وبخاصة في بعض التجارب الجديدة؟
} لكن هناك أيضا غير التجارب الجديدة. أعتقد...الشعر العالمي
حسنا، هناك أنت، ليونيل راي، وآخرون ممن نضعهم ضمن تصنيف الغنائية الجديدة.
} صحيح أنه لدي مع ليونيل أشياء مشتركة كثيرة لكنني لا أضع نفسي في هذه الخانة. الغنائية الجديدة كما نظر إليها جان ميشال مولبوا، لست بعيدا عنها لكنها لا تشكل إطاري الشعري. إطاري الشعري الفعلي هو الشعر العالمي. صحيح ما تقوله عني أي لا أشعر بأني فرنسي (شعريا) إلى هذه الدرجة، وهذا أمر لا يهمني. لكن بخلاف ذلك وفي ما يخص الشعر الفرنسي أعتقد أنه منذ عشرين سنة هناك عدد من الشعراء الذين ظهروا يتخطون التجارب اللغوية، هناك شعراء يثيرون الشغف حقا، وصحيح أيضا أنهم ليسوا الشعراء الذين نتحدث عنهم دائما. لنأخذ الجيل الذي سبقني، هناك فرانك فوناي ولودوفيك جانفييه الذي أحبه كثيرا، جاك داراس... في جيلي هناك...
سيرج سوترو
ـ إنه مثل أخي، بالطبع. لكن بعيدا عنا، هناك زينو بياني، سيرج باي، هذا الشعر المختلف عني، يهمني كثيرا لأنه شعر يحمل حيوية، وهذا أمر لا أستطيع تجاهله. أما عند شعراء أقدم أجد تجربة الآن جوفروا تجربة مهمة على الرغم من الميل الدائم إلى تهميشه. أجد ميلا دائما إلى القول إن أورفيوس سيجد أشباهه دوما. أعتقد أن الرؤية الأنطولوجية التي نشاهد من خلالها الشعر الفرنسي ستتحرك كثيرا. أعتقد أن هناك العديد من «المقدرين» حاليا سيختفون تدريجيا، وسيكون دورهم أقل. من ثم أعتقد أن شعراء مثل هنري بيشيت والان جوفروا سيعودون إلى الظهور...
ألا تظن أن ما يقال عن جوفروا بأنه آخر ممثلي السوريالية قد ساهم في ابعاده عن الساحة؟
} ربما لكنها طريقة غير أنيقة للتخلص منه. أولا إنه ليس ذلك فقط، صحيح أنه أحد آخر السورياليين، لكني أجد أن تجاربه الأخيرة وكتبه الأخيرة، مبدعة كثيرا، جديدة فعلا. من هنا أجد أنه سيعود ليحتل المكان الذي يليق به. هناك شاعر توفي منذ سنوات هو هنري بيشيت وأجد أنه شاعر هائل، هو شاعر متفرد.
شاعرات
غيوفيك مثلا؟
} لم يختف. لا يزال يتمتع بالكثير من القراء لغاية الآن. إنه في المكان الذي يليق به. ما من مشكلة في هذا الجانب. لكن المثير للإعجاب أنه مع بعض الأجيال الجيدة، هناك من أبدع أشياء جديدة..
على سبيل المثال؟
ـ بالنسبة إلي الاكتشاف الحقيقي هي فاليري روزو. ربما الاكتشاف الوحيد منذ 10 سنوات. وعبر هذا الاسم هناك ظهور للشعر النسائي – وهذه التسمية لا تعني شيئا سوى أن هناك نساء يكتبن... إن ظاهرة صعود هذه العبارة النسائية، كانت غير موجودة في العصور السابقة.
ومع ذلك لا نستطيع أن ننفي وجود ماري اتيان، ماري كلير بانكار...
} إنهما تنتميان إلى جيلي. بدءا من هذه اللحظة انبثقت العبارة النسائية في الشعر الفرنسي. أما في الجيل الجديد أي من هو أقل من أربعين سنة، أجد أن النساء هن من يتمتعن أكثر بالموهبة في الشعر الفرنسي الراهن.
ما سبب ذلك برأيك؟
} أعتقد أنه يتعلق ببساطة بظاهرة أن النساء أصبحن كائنات مستقلات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كما أعتقد أن دور سيمون دو بوفوار كان هائلا... أعتقد أن الشعر هو ارض الحرية الشرعية والمفضلة. بعد سقوط حركة طالبان عدت إلى أفغانستان من أجل الشعر، والشعر الجميل المكتوب هنا هو شعر النساء. فالرجال مشغولون بتفاهاتهم القديمة في القتل. أرغب في ترجمة أشعارهن.
ربما أفهم عليك الآن، فأنت لو نظرت إلى الخارطة الشعرية الفرنسية السابقة، لما وجدت اسما يضاهي اسم سيلفيا بلاث..
} وبالتأكيد لن تجد مارينا تسفيتاييفا ولا سيلفيا بلاث ولا أخماتوفا... أعتقد وهذا رأي شخصي، أن فاليري روزو تملك خامة ستحمل للشعر الفرنسي حقلا جديدا وخاصا كما أتمنى لها أن لا تلقى لا مصير تسفيتاييفا ولا مصير بلاث، بل أتمنى أن تحصل على شهرتهم. ولا أعرف القدر الذي جعلها تكتب اطروحتها عن سيلفيا بلاث. في أي حال، أنا أهتم كثيرا بما يكتب من شعر في العالم وفي جميع اللغات، من هنا أستطيع القول إن الشعر الفرنسي اليوم وبتنوعه، يشهد مرحلة تجديد كبيرة.
عن السفير اللندنية


اشكال


الخونـة


اسكندر حبش

في «السفير الثقافي» لعدد أمس، مقابلة مع الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير كنت أجريتها معه منذ فترة أثناء زيارته لبنان. أريد أن أعود إليها، إذ ثمة جملة أجد أنها تستحق التعليق لما تحمله من أفق مخالف لما نقع فيه دوما.
من النافل القول ان فيلتير واحد من أشهر الشعراء الفرنسيين اليوم، كما أنه يشرف على تحرير سلسلة «شعر» الصادرة عن دار غاليمار، أي أنه يمثل «سلطة» شعرية لها حضورها في الساحة الأدبية الفرنسية. وقد يتفق كثيرون على اعتبار أن شعره ليس الأفضل في ما لو قارناه بغيره من الشعراء. كل هذا جيد لكن ثمة قولا لافتا يتطلب منّا الانتباه له، إذ يعنينا بشكل أو بآخر.
عن سؤالي له حول كتابته المختلفة عمّا ينشر من شعر راهنا في فرنسا وافتراقه عنه، أجاب فيلتير بأنه لا يشعر بأنه فرنسي شعريا. وفي تفاصيل الجواب، أنه كان دائم الالتفات إلى الشعراء الأجانب (ويقصد بذلك غير الفرنسيين) الذين كان يجد عندهم أخوة روحية من مثل أوكتافيو باث (المكسيكي) ويانيس ريتسوس (اليوناني) وبابلو نيرودا (الشيلي) وسيد بهاء الدين مجروح (الأفغاني) وأدونيس (العربي) وغيرهم عديدون ممن فتحوا له أبواب وآفاق القصيدة على أماكن أخرى.
جوابه في السفير يشبه جوابا كان قاله مرارا، كما كتبه في الصحف والمجلات الفرنسية، أي هذا هو موقفه المعلن الذي لم يتغير. كلامه لم يثر الفرنسيين في أي يوم، لكنه أثار بعض الأصدقاء الذين اتصلوا بي مبدين إعجابهم بما قال.
من هذه الاتصالات التي تلقيتها أحاول أن اسأل: ماذا لو أن شاعرا عربيا، راهنا، يقول اليوم إنه لا يحسّ نفسه عربيا في الشعر؟ بمعنى، ماذا لو أنه يرفض الانتماء إلى هذه الكتابة ليعلن أنه ـ صحيح أنه يكتب بلغة الضاد ـ لكن مصادره «أجنبية» وأن هذا التراث (أو سمّوه ما شئتم) لم يشكل له الكثير؟
لا تتعبوا أنفسكم بالبحث. ثمة جواب واضح سيخرج صارخا وهو أنكم معادون لقوميتكم ودينكم ولغتكم وثقافتكم وربما أيضا ستعتبرون من الخونة الذين يحاولون تمرير المشاريع المعادية في المنطقة. أليس هذا ما حدث منذ بداية حركة الحداثة والتي لا يزال بعض آثارها ماثلا؟
ميزة الأدب أنه يستطيع أن يجد لك توائم روحية بعيدة، تشبهك وتجد أنها تتحدث عنك، حتى ولو كانت بلغة أخرى غير لغتك. ومن ميزاته أيضا أن تجد أن بعض معاصريك والذين قد تتحدث معهم يوميا، لا يشكلون لك أي تساؤل وكأن ما يكتبون يخاطب غيرك.
هذا هو الرهان الحقيقي الذي أجد أنه من المفيد الاضطلاع به، إذ كما أشرت منذ فترة وفي هذه الزاوية بالذات، لا تزال هناك مكانة ما للقومية الصافية في الأدب. لا أعرف جوابكم، لكن بالنسبة إلي، هذا سؤال غير مطروح. أريد أن أنتمي إلى العالم بكل ثقافاته المتنوعة، لا إلى بقعة واحدة، فتوائمي في مكان آخر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارجو ارسال ايميلك الي
سليمان سليمان ( 2009 / 7 / 4 - 22:48 )
استاذ اسكندر
شكرا لك

ارجو ارسال ايميلك الي
اخوك
سليمان سليمان

اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا