الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطلقوا سراح المعلومات

سعد محمد رحيم

2009 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ما حدث في إيران خلال الأسابيع الماضية يعطي درساً آخر للسلطات الحاكمة ( في كل مكان ) والتي ما تزال تفكر بالطريقة القديمة فيما يخص التحكم بالمعلومات وإدارة تداولها. تلك السلطات التي تعتقد أنها قادرة، لدوافع شتى، على حجب المعلومات واحتكارها أو تقنينها وحتى تحويرها وتزييفها.
لست هنا بصدد تحليل وتقويم ما جرى على الساحة السياسية الإيرانية من صراعات بين المحافظين والإصلاحيين عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة المثيرة للجدل. ولكن أود الإشارة إلى نقطة واحدة في غاية الأهمية وهي التي تتعلق بقدرة وسائل الإعلام على النفاذ إلى مناطق الحدث الساخن ونقل صور حية عنها. فبعد أن عمدت السلطات الإيرانية إلى تحديد ومنع حركة الصحافيين والإعلاميين للحيلولة دون تهريب صور عن المظاهرات الحاشدة للمعارضين ومصادماتهم مع الأجهزة الأمنية، استطاع بعض الهواة تصوير جوانب من ذلك الحدث بوساطة كاميرات الهواتف النقالة والكاميرات الرقمية الصغيرة التي لا تتعدى حجم الواحدة منها حجم علبة السجائر، وبث تلك الصور عبر الشبكة العنكبوتية للمتلقين في أربعة أركان الأرض.
في كتابه ( أفول السيادة ) ينقل ولتر ب. رستون هذه الواقعة: "يُقال أن ليون تروتسكي اقترح على ستالين في السنوات الأولى من الثورة الروسية بأن تُقام شبكة اتصال هاتفية حديثة في الدولة السوفيتية الجديدة، لكن ستالين رفض الفكرة قائلاً؛ لا أستطيع تصور أداة مضادة للثورة أكثر من هذه الفكرة". ويبدو أن ستالين أدرك مبكراً خطورة انتشار وسائل الاتصال بين الناس لأنها تمنحهم مصدراً للقوة، بوجه السلطات، لا تُضاهى. ولهذا السبب نجد أنظمة الحكم الشمولية تحد من انتشار وسائل الاتصال والإعلام وتراقبها بدقة شديدة.
كان احتكار المعلومات والسيطرة على أجهزة الإعلام واحداً من أهم عوامل قوة السلطات الحاكمة وسيادتها، لكن التكنولوجيا الرقمية الحديثة أعادت توزيع خارطة السلطة في كل مكان فباتت مؤسسات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام المستقلة قوة كبيرة، مكافئة أحياناً، لقوة السلطات التقليدية. ونحن نعرف كيف أن الإعلام أطاح خلال السنوات الأخيرة بأعداد غير قليلة من السياسيين والإداريين في أماكن كثيرة من العالم، بعد فضح انحرافاتهم ومفاسدهم.
إذا قلنا أن عصرنا هو عصر الصورة فهذا يعني أن عالمنا قد تغيّر كثيراً عمّا كان عليه قبل عقود قليلة. والصورة، في الغالب، لا تكذب إلاّ إذا زُيّفت، وهذا أمر من الممكن اكتشافه تقنياً وبسهولة. فالصورة أصدق إنباءً من الكلمات التي بالمستطاع التلاعب بها. فهنا لا تتلقى المعلومة من طريق الأذن فحسب لتشكك بما يُقال بل أن العين هي التي ترى الصورة واضحة وصادقة أمامها. لذا غدا الإعلام سلطة في غاية القوة والتأثير تخشاها السلطات الأخرى وتحسب حسابها وتحاول إرضاءها وإلاّ فإنها ستخسر الكثير.
لمدة طويلة استطاعت الأنظمة الشمولية والاستبدادية جعل المعلومات الخاصة بوقائع ساحتها الداخلية ملكها وحدها، تحجب منها ما تشاء وتنقل منها ما تشاء، وأيضاً تزوِّرها، أو تمنتجها، كيفما تشاء. والآن، صار من الصعوبة بمكان لأية سلطة مهما كانت قمعية وقاهرة استغفال الرأي العام المحلي والعالمي وتمويه الصورة الحقيقية لوضعها ووضع رعاياها وما يحصل في مجالها السياسي.
من المهم أن تسعى أية سلطة حاكمة وبشجاعة إلى إطلاق سراح المعلومات التي بحوزتها وتسمح بحرية تداولها، جرياً مع المبدأ الديمقراطي العتيد ( الشفافية ) قبل أن تتسرب، أو قبل أن ينهض الآخرون بالمهمة. فمبادرة السلطة، أية سلطة، لإفشاء المعلومات التي تهم الناس، حتى وإن كانت مؤذية لتلك السلطة، نسبياً، تزيد من هيبتها واحترامها. فيما تسريبها رغماً عنها سيفضي إلى إضعاف موقفها وإحراجها، وثلم هيبتها واحترامها أمام أنظار مجتمعها والمجتمعات الأخرى.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فضح عيوبهم
كريم الدهلكي ( 2009 / 7 / 4 - 20:27 )
زميلي العزيز ابو سرمدهل تذكر معنا قبل ايام من سقوط الدكتاتوريه الغاشمه في العراق وفي محافظة ديالى تحديدا عندما كان ما يسمى عضو القياده شخص بليد ابله نسيت اسمه او حتى لايشرفني ان اذكر اسمه لانه من الماضي السحيق كيف يتجول بالسوق ويهدد الناس على الملاء ان شاهدو قناة العالم او قناة سحر الايرانيتين على الرغم من بوئسهماالفكري ولكن كانت تنقل لنا بالصوت والصوره دخول القوات الامريكيه والمتحالفه معها دولة الكويت باتجاه العراق وكان هذا يرعبهم وهم غير مصدقيين بقرب سقوطهم المخزي وفعلا لعبت قناة العالم بتقريب ساعة وتقبل سقوط الديكتاتور وما ان سقط الديكتاتور وتوفرت للعراقيين الاجواء الاعلاميه و مارست دورهاا لم يعد عراقي يتذكر قناة العالم وحسب ما ينقل لي ان معظم الشعب الايراني الان يشاهد قنوات غير قنواته الرسميه نعم ان الاعلام لايحجب بغربال مهما ارادت الانظمه الشموليه من حجبه عن الناس تحياتي لاخي ابو سرمد بتناوله المواضيع الجميله


2 - تحية
سعد محمد رحيم ( 2009 / 7 / 5 - 14:37 )
أحييك اخي أبا مصطفى، وبطبيعة الحال نحن متوافقان في الرأي حول ضرورة حرية الإعلام والشفافية وحرية تداول المعلومات باعتبارها مظاهر حضارية تميز الأمم المتمدنة.. شكراً لك

اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت