الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعطيل الإصلاح السياسي:- تحفيز للإقليمية

عمر شاهين

2009 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تأتي الحكومات وتحوز على ثقة مجلس النواب، وتذهب دون أن تفقدها، ولا يعرف المرء أين ولماذا وكيف ومتى ومن. وتكثر الإشاعات والأقاويل عن الرئيس القديم والجديد أو التعديل الوزاري. وفي النهاية المفاجئة التي لم يتوقعها أحد، في الأشخاص والزمان وبرنامج الحكومة. وجل المسألة هي عملية تعليمية للمواطن والنواب، لإفهامهم المرة تلو الأخرى انهم صفر في السياسة مهما فعلوا، وإنها ليست من شأنهم، وما عليهم سوى الموافقة.

بعض المنظرين يتحدثون عن ضرورة إدخال تعديلات على الدستور، أو العودة إلى دستور عام 1952، أو ضرورة التمسك بالمواثيق الوطنية الأردنية، أو المناداة بحكومات منتخبة... كشرط للإصلاح السياسي لكن دون شرح للمسألة، وهذا يزيد الإبهام للمواطن العادي. فالتزوير وغياب الإرادة السياسية، وخنوع الأحزاب... أقوى من النصوص القانونية والدستورية الإيجابية. وهنا يجب توضيح المسألة بعبارات بسيطة واضحة، فمن أين نبدأ؟

ينبغي تكليف زعيم الأغلبية النيابية كائنا من كان بتشكيل الحكومة خلال شهر. وإذا لم يستطع فمن يليه وإذا لم يستطع فإعادة الانتخابات النيابية وهكذا. وتبقى الحكومة في ولايتها إلى أن تفقد الثقة. وهذا هو لب الأصلاح الذي يغفل عنه السياسيون.

وبعض منظري الوضع الراهن يعتقدون أن هذا سيحدث الفوضى. وأقول أن ما هو سائد الآن هو الفوضى السياسية التي نعيش بموجبها. وعلى العكس مما يزعمون، الوضع الجديد سيخلق كتلا نيابية وأحزابا برلمانية ذات برامج يمكن تجديد ولايتها على الحكومة إذا أحسنت الأداء بواسطة صناديق الاقتراع.

ومن أطرف حجج منظري الوضع الراهن القول أن المواطن سيكون أسيرا لعدة حكومات سيئة. والعكس هو الصحيح، فالمواطن كان ولا يزال، أسيرا لأكثر من ثمانين حكومة سيئة سابقة. أما في حالة الحكومة البرلمانية، فسيضطر نواب الأغلبية لتغيير زعيمهم أو أي وزير، إذا لم يناسبهم أدائه، أو انغمس في الفساد، كما يحصل في العديد من الدول الديمقراطية.

ويتظاهر بعض المنظرين بالكياسة ويدعون أن الوقت لا يسمح بالإصلاح السياسي فنحن في صراع مع اليمين الإسرائيلي، رغم أن أداء من يمثلونهم قد أوصلنا إلى اتفاق وادي عربة. ونحن بحاجة إلى وضع كتاب لشرح جهدهم المبذول في قمع نضالات الحركة الوطنية الأردنية المعادية للعدوان الإسرائيلي، فكفى.

ويعيبون علي من يطرح الإصلاح بأنهم تحدثوا عنه من أمريكا. ونحن نعيب ذلك على الطرفين. فسياسات أصحاب مبادرة الملكية الدستورية والملكية المطلقة تطبخ على أعتاب واشنطن.

ويتحدثون عن الولاء أو التفاف الشعب حول القيادة، وهو شعار ذو طابع عشائري. ونجد ذات الشعار بطرق أخرى، وحتى في دول مجاورة، تتحدث عن عظمة القائد ووفاء الشعب. مع أن العكس هو الأصح." شعب عظيم وقائد وفي". والعلاقة مبنية على احترام كافة أطراف المعادلة للدستور والمواثيق والقوانين والتفاهمات. فالإصلاح هو استحقاق قديم، لن نصل إليه بالاستجداء وإنما بحركة مطلبية سياسة جماهيرية واسعة تقودها أحزاب جريئة. ففي الجانب المقابل، هنالك من سيخسر المليارات بتطبيق الإصلاح.

إن الإصلاح السياسي يبدأ من إلغاء وزارة التنمية السياسية، فهي بغض النظر عن النوايا، لا تمارس سوى التضليل الإعلامي للجمهور، وكأنها ستعلم الأحزاب والناس أصول وفن الحكم. وكأن الشعب الأردني دون غيره من شعوب العالم لا يستطيع مزاولة الحكم، وأن الأحزاب فيه غير ناضجة. وهذه نظرة عنصرية تجاه الشعب الأردني. ولم يشهد التارخ شعبا لم يستطع حكم نفسه. وللأسف فإن العديد من السياسيين وقعوا في الفخ، فالأحزاب تنضج خلال الحملات الانتخابية ومزاولة الحكم، ولا يمكن أن تنضج قبل التجربة.

البعض يتحدثون عن الأداء السيئ لمجلس النواب، وهو فعلا كذلك، ويطرحون مسألة حله وإجراء انتخابات مبكرة. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول: أن المواطن صفر في السياسة مهما فعل! لأن الإجراء يرجح كفة الحكم المطلق على الدستوري. إذ يجب اللجوء لحل المجلس في حالة عدم التمكن من بناء أغلبية لتشكيل حكومة.
الحالات الأخرى لحل مجلس النواب تأتي إذا عدل الدستور، أوجرت وحدة أو انفصال... أوثبت تزوير الانتخابات، وهي مسائل غير قائمة عمليا، رغم أن الحالة الافتراضية في الأردن هي التزوير. وفي جميع الحالات يتم الحل لإجراء انتخابات جديدة بأسرع ما يمكن.

مما تقدم، وبنفس السهولة التي يستطيع المرء فيها التوقع من سيكون رئيس الوزراء البريطاني بعد توني بلير، أو من سيكون الرئيس الأمريكي الجديد: أوباما أم مكين، فمن حق المواطن الأردني التمتع بهذا الحق، ومن حق الإنسان أن يختار من يحكمه. فإما أن يعلن أن الذهبي هو زعيم الأغلبية النيابية المكونة من أحزاب... وتكون رئاسته قائمة كتحصيل حاصل، أو تكليف زعيم حزب التيار الوطني: عبد الهادي المجالي بتشكيل الحكومة. وهاكم هي الحكومة المنتخبة، وهل من طريقة أخرى. وبشكلها الحالي لن تروق للكثيرين، وأنا منهم، لكنها الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح.

المسألة ليست تنظيرا للقوى اليمينية، بل على العكس إحراجا لها، ولوضع مصداقيتها على المحك أمام الجماهير. فالنخب الحاكمة تدعي بأنها تريد الديمقراطية، لكنها في حقيقة الأمر تريد أغلبية برلمانية مريحة للحكم المطلق، دون سند شعبي حقيقي سوى الانتخابات المزورة. وإذا كانت تريد الإصلاح فلتغير طريقة حكمها للبلد وتتحول إلى المؤسسية في اقتسام السلطة بينها. وعندئذ، فقد تبقى نفس الوجوه في الواجهة السياسية إلى حين، حتى بعد الانتهاء من التزوير، فقد اكتسبت الخبرة واعتاد الجمهور عليها.

إلا أن فلسفة التزوير في الأردن تقوم على مبدأ "كسر عين" النواب والشعب في أن معا. فالنواب المنتخبون بجدارة لن يقبلوا بالمهزلة السائدة بل سينتزعون حقهم في الحكم، أو الشراكة الحقيقية حتى لو كانوا من غلاة اليمين، وسيصبحون أسرى لمن انتخبهم وليس لمن فبرك الانتخابات لهم، كدائرة المخابرات العامة. وبالنتيجة سيتم تفعيل الشق النيابي من نظام الحكم، وهو نيابي ملكي وراثي، مما سيضعف الحكم المطلق. وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصول للديمقراطية وتداول السلطة، الذي سيقضي على الشكل الحالي السائد للفساد. وهذا ما تتهرب منه الأوليغاركية الحاكمة لثمانين عاما خلت. وتساعدها القوى الدولية على ذلك أملا في الإبقاء على دول ضعيفة تحيط بإسرائيل.

الشعب الأردني، شعب مكافح ومناضل ومتعلم، ضحى في سبيل القضايا العربية، وخاصة الفلسطينية لدرجة نسيان النفس. النخب الحاكمة الأردنية، وبأصولها المختلفة المتوحدة بفعل أخوة المصالح الرأسمالية، تهربت من الإستحقاق الديمقراطي، وقمعت الشعب بالقوة والحيلة، خلال ستة عقود، بحجة الصراع مع إسرائيل والقضية الفلسطينية. وقد أسفرت المواجهة عن ضياع الحقوق، بفضل الحكومات الرشيدة، وازدياد حدة التمايز الطبقي ليس إلا. ومن قاد المواجهة وفشل يتربع في القمة مكافئة على فشله، ومن ضحى يسعى في الحضيض ثمنا لتضحيته.

البحث عن الهوية يوازي الضياع. وفي بنية متقدمة يجد المرء هويته وأداة التغيير في حزب سياسي، والصراعات السياسية- الطبقية تقوي الوحدة على أساس توازن المصالح. وفي بنية متخلفة، يجد المواطن ذاته في الانتماء الطائفي والعشائري... والإقليمي، وهي تؤدي إلى الفرقة والتجزئة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 7 / 5 - 16:23 )
شكرا لك لقد قرأت مقالك ، واعتقد المستقبل السياسي للمنطقة سيكون مفاجئاً للبعض . هناك أكثر من سيناريو على طاولة التشريح السياسي بهدف إختيار البديل المضمون ، وإن غدا لناظره قريب .

اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة