الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البشر قبل الأرباح

رمضان متولي

2009 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تتأرجح التقارير حول أداء الاقتصاد العالمي بين التفاؤل والتشاؤم، فكلما ظهرت بادرة حول ارتفاع في مبيعات التجزئة في بلد ما، أو زيادة الصادرات في أخرى، أو زيادة ثقة رجال الأعمال في بيئة الاستثمار في ثالثة، أو ارتفاع مؤشرات البورصة في الولايات المتحدة أو أوروبا، يرسل المحللون والمسئولون توقعات حول نهاية الركود وبداية الانتعاش.
وتأتي الموجة الثانية من التقارير التي تدعو إلى التشاؤم، فنجد انخفاض معدلات الإقراض، تصفية شركات كبرى أو إعادة هيكلتها والتي تتضمن تسريح العمالة، انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، تراجع الصادرات أو المبيعات، أو تقارير عن انخفاض الأرباح أو هبوط مؤشرات البورصة، أو توقعات مدراء المشتروات في الشركات الصناعية، وغيرها، ليبدأ الحديث مجددا حول احتمالات استمرار الركود لفترة أطول.
أما الأثر المحقق للركود، والذي يدوم خلال حقب طويلة، وغالبا ما لا تعالجه فترات الانتعاش التي تفصل بين ركود وركود، أعني انتشار البطالة والفقر، فإنه لا يعني هؤلاء الإحصائيين الباردين الذين تحجرت عقولهم وعيونهم على أرقام جافة مثل معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وتقارير الأرباح.
وقد نوه تقرير صدر مؤخرا عن مؤتمر النقابات العمالية في بريطانيا (TUC) إلى أن ما يقال عن بودار الانتعاش في الاقتصاد العالمي، حتى وإن كان صحيحا، فإن أرقام البطالة سوف تستمر لفترة طويلة. قارن التقرير بين ركود الثمانينيات وركود التسعينيات وتوصل إلى أن معدلات البطالة ارتفعت خلال الأول أكثر من ارتفاعها خلال الثاني ولكن في حالتي الركود استمرت البطالة في الارتفاع خلال عام على الأقل بعد بداية تحقيق النمو في إجمالي الناتج المحلي، كما استمرت معدلات البطالة أعلى من مستواها قبل الركود في الحالتين ولعدة سنوات لاحقة. بل أشار التقرير أيضا إلى أن إشارات الخروج من الأزمة كانت كاذبة في الثمانينيات والتسعينيات، على الأقل في بوادرها التي ظهرت لاحقا أنها كانت تحولا عرضيا سرعان ما تلاشى لتستمر الأزمة فترة أطول، والأهم أن معدلات البطالة لم تتراجع أبدا للمعدلات السابقة حتى جاء ركود التسعينيات.
ولاحظ مؤتمر النقابات العمالية في بريطانيا أن وتيرة الزيادة في معدلات البطالة تسارعت خلال الأزمة العالمية الحالية بنسبة 30%، مقارنة بركود التسعينيات الذي شهد تسارعا بمعدل 22%، كما أنها أعلى من وتيرة الزيادة في معدلات البطالة خلال ركود الثمانينيات التي بلغت 29%.
هذه التكلفة البشرية للأزمة الاقتصادية في النظام الرأسمالي لا يهتم بها من يطلقون عليهم في أجهزة الإعلام والجامعات خبراء الاقتصاد، الذين يعتمدون في تقديرهم لحالات الركود والانتعاش على أرباح الشركات وكم السلع والخدمات التي يجري إنتاجها ويتم ترجمتها في صورة أرباح، أما البطالة والفقر فإنهم يعتبرونها أمورا "طبيعية"، ويعزونها أحيانا إلى زيادة السكان حسب نظريات مالتوس، ولكنهم لا يقدمون تفسيرا لارتفاع مستوى البطالة والفقر باطراد مع زيادة الإنتاج والثروة.
وتفسير ذلك واضح ولكنهم يتغافلون عنه عمدا بسبب انحيازهم لأصحاب الأعمال على حساب العمال، حيث تلجأ الشركات إلى تكثيف استغلال العمال تحت مسمى "زيادة إنتاجية العامل" بشتى السبل لزيادة نصيب الربح على حساب الأجر فيما ينتجه العمال من فائض، ومن ثم تسريح العديد من العمال وزيادة شدة العمل أو وقته، أو تخفيض أجور ومزايا من يفلتون من البطالة سواء بشكل مباشر أم غير مباشر من أجل تحقيق هذا الهدف الذي يستطيعون عنده الزعم بأن الركود قد انتهى.
في مواجهة هؤلاء السادة والدول التي ترعى مصالحهم يرفع العمال شعار "البشر قبل الأرباح"، فهذا الركود صنعه أصحاب الأعمال واستفادوا منه، ويجب أن يتحملوا هم تكلفته، ولا يكون ذلك إلا إذا استطاع العمال الذين يتعرضون لهجوم شرس من أصحاب الأعمال ودولتهم، أن ينظموا أنفسهم ويتحدوا ويبتكروا الوسائل اللازمة للانتصار في هذه المواجهة، والأهم ألا ينخدعوا بمؤشرات وتوقعات لا تضعهم رقما في المعادلة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نزوح مستمر بعد التصعيد العسكري في رفح: أين نذهب الآن؟


.. مخاوف من تصعيد كبير في رفح وسط تعثر مفاوضات الهدنة | #غرفة_ا




.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان | #غرفة_الأخب


.. إسرائيل تقول إن أنقرة رفعت العديد من القيود التجارية وتركيا




.. الصين وهنغاريا تقرران الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى