الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام اليقظة

جواد الديوان

2009 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الفنتازيا (احلام اليقظة) شغلت حيزا كبيرا في رواية فوضى الحواس. فاندمجت حياة (كاتبة رواية) في علاقات حميمية مع بطل قصتها الحبري، تمثلت في مواعيد في السينما وشقته وتبادل القبلات وغيرها. انها علاقات حب وسعادة في الخيال دون الواقع. في احلام اليقظة هروب من الاحباط في حياة الناس وقتها، وربما عاش معظم سكان العالم العربي في احلام اليقظة بعد الفشل في تحقيق امالهم واهدافهم. لقد فشلت الحركات السياسية السائدة في الالتزام بوعودها، بل لم تستطع ان تحافظ على الارض العربية.
تناولت احلام مستغانمي واقعا مريرا عاشته الجزائر حين اندلع العنف بعد الغاء انتخابات شارفت فيها الجماعات الاسلامية على الفوز. وتعرض رجال الامن (الشرطة والمرور والجيش) والصحفيون للاغتيال والذبح. وتعطلت الخدمات وتعثر التعليم ووثقت الرواية بعض شعاراتهم مثل "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس" و "لا ميثاق ولا دستور قال الله قال الرسول". عندها سقطت الجزائر العاصمة تحت سيطرة الجماعات الاسلامية، ونقلت باصات النقل العام المنقبات والمحجبات يحملن القران من نوافذها، في اعادة حية لقصة الرماح المقدسة ابان معركة صفين.
شغلت توافه الامور الناس، فاستعر النقاش في الصحف حول ذيل الخروف الاسترالي وما يميز الخروف الجزائري وعندها استنتج علماء الامة عدم جواز التضحية بالخروف الاسترالي. وشغلت الناس في العراق ابان الحصار الاقتصادي قضايا جبن كيري والخل في التحريم والتحليل وغيرها. مثالا عن الاحباط في تناول مشاكل الشعب والتغلب على ازمته، وربما شجع زبانية عبد الله المؤمن مثل تلك المناقشات، وهي ظاهرة تتكرر في العالم العربي.
تابعت مستغانمي بطل رواية ذاكرة الجسد (خالد) حيث حمل جسده ذاكره نضال وكفاح شعب الجزائر، فاصبح في فوضى الحواس معطوب اليد بسبب طلقات طائشة من الجيش واضحت حكومات الاستقلال قاتلة كما هي حكومات الاستعمار! في مفارقة جميلة، اكدت عليها معظم الاعمال الادبية والفنية.
لم تجد حياة السعادة في زواجها من ضابط ذا رتبة كبيرة ومسؤوليات امنية كبيرة تمثلت في مراقبة طلاب الجامعة، وربما عبرت بذلك عن قمع الحريات الفكرية، ومع ذلك فهي معجبة ببدلته العسكرية. ويتبختر العسكر في بلدان العالم الثالث ببدلاتهم العسكرية منشغلون بتوافه الامور عن قضايا الشعب، وحصلت الكوارث عندها في العالم العربي. وتكرس مستغانمي اشكاليات الحياة مع هكذا قادة.
أمكانيات زوج حياة، البوليسية والاستخبارية متطورة وانغمس في مراقبة زوجته (حياة) وفشل في العثور على دليل عن علاقاتها بابطالها. لقد كانت هواجسه انطباع اصدقائه بدل من بناء عائلة متماسكة، وتزوجها ليكمل بها اكسسواراته (كانت تحمل الدكتوراة) وتزوجته لتحقيق مطامعها الخاصة، ووصفت زواجها قدر مكتوب. فانشغل في مراقبة 23 ألف طالب جامعي، وهكذا عاشت حياة في احلام اليقظة، وهي اقرب الناس للسلطة وتتمتع بامتيازاتها!.
فشل خالد (بطل ذاكرة الجسد) في البقاء بالجزائر بعد ان شارك في صناعة حكومة استقلال، وفشل في حياته الخاصة، واصبح شاهدا على زواج حياة في اشكالية استخدموا فيها رموز النضال لاغراض شخصية. وحقق حلمه في الابداع في فرنسا (الدولة الاستعمارية)، وامتداده في فوضى الحواس يختار المنفى الاختياري فرنسا، ويتمسك بالرئيس بوضياف باعتباره الامل لتصحيح الاخطاء ومواصلة البناء. انها محاكاة السلف الصالح، اي ابطال حرب تحرير الجزائر، فلم يستطع ان ينتبه للفارق الزمني بين حرب التحرير واحداث العنف. ان التعلق وتقليد رجال السلف الصالح (ابطال تحرير الجزائر)، ظاهرة للتعامل مع توتر العصر واحباطاته حين شاع الفشل الجماعي في تحقيق الاهداف والامنيات.
يشغل محمد بوضياف (الرئيس الجزائري بعد استقالة الشاذلي بن جديد) مساحة في فوضى الحواس. ويجد القاريء تاريخه النضالي ابان الاستعمار الفرنسي، ونظافة يده بعد الاستقلال، وكيف غدر به رفاق الامس بالسجن في الصحراء ونفيه الى المغرب، ومعاناته من شظف العيش حين عمل في صناعة البلوك يدويا. خدعه رفاقه مرة اخرى بحاجة الجزائر له، وعاد رئيسا ويشكل تنظيميا سياسيا مع وعود بتقديم القتلة واللصوص والمجرمين للمحاكمة في حين يشغلون دست الحكم، فاغتالوه امام شاشات التلفزيون. وربما مثل تاريخ بوضياف في الرواية اشكالية العقل العربي بالتمسك بالماضي وابطاله، وكأن مستغانمي تخشى نسيانه في كتب التاريخ. ولم تغفل الرواية افراح البسطاء في عودة بوضياف واحلامهم في العدل والمساواة والحرية وغيرها (منقذ)، فهو بطل من الماضي.
محاكاة السلف الصالح (التمسك بالماضي) لمواجهة الاحباط المستمر، قد تضاعف حين استجدت اشكاليات التطور الاقتصادي والحداثة والعولمة وتعليم الفتيات وعمل المراة وحقوقها وانواع التسلية. ولم تستطع الشخصية العربية تطوير اليات تعاملها مع توتر الحياة وعجزت عن مواكبة التطور حيث تاثير التاريخ واستحضاره في كل الاحداث. وترسخ الاعتقاد بان اهل ذلك الزمان افضل من سكان الحاضر. وتنقل مستغانمي تجربة حياة حين شعرت بالامان داخل العباءة الجزائرية وغطاء الراس، وهي تقطع شوارع افترش ارضها الاف المتظاهرين من الجماعات المتشددة. وحياة في طريقها لموعد غرامي وهي متزوجة.
سجلت فوضى الحواس حقبة من تاريخ الجزائر، بل من تاريخ العرب بعد عجز قادتهم او ابطالهم وحركاتهم السياسية (القومية والاسلامية) عن الالتزام بالوعود، فامضى المواطن وقته في الفنطازيا (احلام اليقظة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم كوريا الشمالية: حان وقت الحرب! فهل يشعل صراع الكوريتين


.. لافروف: ما يهم روسيا هو عدم صدور أي تهديد غربي لأمنها| #الظه




.. الملف النووي الإيراني يستمر الشغــــل الشاغـــل لواشنطن وتل


.. أول مرة في العالم.. مسبار صيني يعود بعينات من الجانب البعيد




.. ابتكار جهاز لو كان موجودا بالجاهلية لما أصبح قيس مجنونا ولا