الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ليس بغداد وحسب...

باسم محمد حبيب

2009 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


هناك ظاهرة ربما من الضروري بحثها هنا ، لأنها تكاد تمثل ظاهرة فريدة وغريبة وتختص بالعراق دون سواه ، فمن بين كل دول العالم لا توجد دولة تطغى عليها مدينة من مدنها مثلما هو الحال مع العراق ، حيث نجد أن اسم بغداد يكاد يطغى على اسم العراق بل يكاد يكون بديلا عنه أيضا ، وكلنا يتذكر الأغنية الكلثومية الشهيرة ( بغداد يا قلعة الأسود ) ، أو أغنية فيروز الشهيرة ( بغداد والشعراء والصور ) ، هذا ناهيك عن المئات من الأغاني والأشعار التي طغى فيها اسم بغداد على اسم العراق أو صادره تماما .
لقد اعتاد الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي العراقي على التركيز على بغداد دون بقية أنحاء العراق ، وكذا الحال بالنسبة للجهد الاعماري والخدمي فهو يركز على بغداد دون سواها ، الأمر الذي دفع الكثير من الناس إلى ترك مناطقهم الأصلية والهجرة إلى بغداد ، فالأغاني والإشعار والخطب الحماسية لا تتردد في الإشارة إلى بغداد على أنها هوية لجميع العراق ، حتى أصبح اسم بغداد مرادفا لاسم العراق في غالب الأحيان ، وبطبيعة الحال قد يكون لمكانة بغداد السياسية والتاريخية دور في إعطاء بغداد منزلة هامة بين المناطق العراقية الأخرى ، لكن ليس بان تتضخم لتغدوا أعلى مقاما من العراق نفسه ، فللقاهرة مكانة لا تقل شانا عن مكانة بغداد ولاسطنبول كذلك ، لكن لم تكن منزلتهما يوما أرجح من منزلة بلديهما ، فلا القاهرة ولا الإسكندرية ساوتا مصر في المنزلة أو قدم اسميهما على اسم مصر ، وبالتالي فان هناك أسباب أخرى لهذه الظاهرة ، وليس ببعيد أن يكون للعامل السياسي ابلغ الأثر فيها بعد أن تحول العراق من مجموعة ولايات إلى دولة موحدة ، وكان من الضروري نظرا لدمج بيئات ثقافية مختلفة مع بيئة الأصل ، أن ظهرت الحاجة إلى خلق مركز مرجعي يمكن للإطراف الأخرى أن تامن إليه وتنصاع لهيمنته ، ولابد أن يكون هذا المركز المرجعي مرتبط بسلطة البلاد السياسية ، وبالضرورة التي يتحتم من خلالها دمج تلك البيئات أو الثقافات في بيئة واحدة تمثل مرجعا لها جميعا . لكن هذا لا يعني أن يتم تجاهل قلب البلاد النابض ومصدر هويتها المنطقة السهلية من العراق ، فإذا كان في العراق بيئات ثقافية مختلفة فليس من الصحيح جمعها قسرا ، كما لا يمكن خلق هوية مرجعية جامعة لجميع البلاد بالاستناد على العامل السياسي فقط ، ليس لان هذه الطريقة عقيمة وفاشلة وحسب ، وإنما لأنها تعزل العراق عن أصله وماضيه ، فالعراق لم ينشا مع الفتح العربي أو مع مجيء الإسلام كما يوحي بذلك البعض ، وهو لم يخترع اختراعا كما زعم بشكل مطلق ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا المعروف ، إنما هو بلد قديم تعود جذوره الحضارية إلى عدة آلاف من السنين ، وبالتالي ليس من السليم تجاهل هذا الماضي لان في هذا الماضي توجد هوية العراق الحقيقية .
إن ارتباط العراق مع ماضيه أو أصله ، لا يعني قطع صلته ببيئات البلاد الأخرى ، بل على العكس هو يعني أكثر من ذلك ، أن يكون لتلك البيئات حريتها ضمن أنطقتها الجغرافية ، فللأكراد تراثهم الخاص النابع من تكوينهم المستقل وبيئتهم الجبلية ، وكذا الحال بالنسبة للبدو الذين لا يختلف اثنان على اختلافهم النابع من أصلهم البدوي وانتمائهم الصحراوي ، أما ما يسمى بتراث بغداد الذي يحاول البعض تعميمه ليمثل التراث الجامع للعراق بأسره ، فما هو إلا نسخة هجينة من تراث السهل الذي كان على الدوام قلب بغداد النابض ومصدرا للكثير من قيمها وتقاليدها ، دون نكران بالطبع لتأثير البيئات الأخرى التي كان لها بالتأكيد تأثير ما في تراث بغداد وان ليس بدرجة تأثير السهل .
إن ابلغ الأدلة على هذا التأثير السهلي القوي و المتواصل استخدام البغداديون للزي الجنوبي التقليدي أي لبس اليشماغ ، مع اختلاف بسيط وهو أن الجنوبيون يلبسون اليشماغ مع العقال فيما يلبسه البغداديون بلفه حول الرأس أي طريقة ( الجراوية ) ، وهي أيضا طريقة يعتمدها سكان الجنوب ولكن على نطاق ضيق ، وأقدم إشارة إلى استخدامها من قبلهم تعود إلى العصور السومرية ، حيث يوجد تمثال ل كوديا أمير لكش وهو يلبس اليشماغ بطريقة الجراوية ، أما الغناء المشهور بالمقام العراقي فهناك أدلة كثيرة تؤكد على جذوره السهلية ، منها احتوائه على سمة الحزن التي يشتهر بها الغناء الجنوبي وأطواره المختلفة وارتباطه بمعاناة الناس آنذاك ، فمثلما يعبر الغناء الجنوبي عن معاناة الناس وآلامهم يعبر الغناء البغدادي عن رغبة الناس في الإفضاء عما يؤلمهم ويثير شجونهم ، حيث تبدأ اغلب الأغنيات البغدادية بكلمة (أمان ) التي يراد بها إشعار الناس بالأمان وبان هناك فسحة متاحة للراحة والاطمئنان تكفي الجميع ، هذا ناهيك عن سمات أخرى يدركها المختصون ، كذلك من الأدلة على ارتباط الشخصية العراقية بالنموذج الجنوبي ، التعاطي الدرامي مع هذا النموذج واعتماده أكثر من سواه في التعبير عن طبيعة الشخصية العراقية النمطية . وبالتأكيد فان هذه المعلومات ليست نابعة من ملاحظات عابرة ، بل قد أكدها أيضا أشهر علماء الاجتماع العراقيين ( الدكتور علي الوردي ) ، منوها من خلالها إلى هذه الحقيقة التي غفلها كثيرون للأسف الشديد .
وبالتالي لابد إذا أردنا أن نؤسس لبناء عراقي متين من أن نغير تلك الصورة الخاطئة ، وان نحيل بغداد إلى الأصل وليس العكس أي أن نحيل الأصل إلى بغداد كما جرت العادة ، فليس من العدالة ولا العلمية تجاهل تلك الحقائق أو التنكر لها ، ففي تجاهلها نكران للعراق نفسه وهذا أمر لا نتمناه في مرحلة البناء هذه .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكل يبكي علي ليلاة
جيفارا ( 2009 / 7 / 5 - 23:30 )
أخ باسم موضوعك بصراحة لايخلومن بعض أتعصب للمناطق ألجنوبية من عراقنا ألغالي من جبالة الشماء ألي سهولة وأهوارة حتي نخيل بصرتنا ألخصيبة وهذا ألطرح تعودناة من معظم الكتاب أبن شمال يقول أن ألحضارةمنة وأبن ألوسط كذلك وأبن ألجنوب والمنطقة الغربية وألمنطقة ألشرقية هذا ألنفس موجود ألمسألة ليست مسألة بغداد ألمسألة مسألة ألتعصب للمكانية وليس ألتعصب للوطنية لست أنت ألوحيد ألكل عرب , أكراد ,تركمان سنة ,شيعة مسلمين, مسيحين ,صابئة,يزيدين لاتعصب بينهم لدين ومذهب وقومية وأنما تعصب لجغرافية ألمكان فئينما يكون يكون هو ألاحسن لكنة مضطهد حتي أنت جعلت ألجنوب هوألعراق وكلامك فية بعض الشكلات وأشكالات كبيرة وكثيرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أولآ كلمة (أمان أو نمان )هي كلمة تركية ومعناها (أويلي ) وتعبير عن ألم صح يوجد بعض ألترابط بين ألمقام ألعراقي وألاطوار ألريفية ألجنوبية ولكن أختلاف في ألتسمية مثلآ ( مقام ألحجاز يسمى في ألاطوار ألغنائيةألجنوبية با ألعياش ) ويختلفمن ناحية تفاصيل ألاداء مقام ألبيات أول من غناة شخص من عشائر أللبيات وسمي بمقام ألبيات مقام ألمنصوري أول من غناة هو منصور زلزل أيام هارون ألرشيد وسمية بأسمة مقام ألرست يغني في ألموصل وحلب مقام التفليس أول من غناة هو مغني أسمة شلتاغ ولأة تمثال في مدينة تف


2 - الكل يبكي علي ليلاة
جيفارا ( 2009 / 7 / 5 - 23:30 )
أخ باسم موضوعك بصراحة لايخلومن بعض أتعصب للمناطق ألجنوبية من عراقنا ألغالي من جبالة الشماء ألي سهولة وأهوارة حتي نخيل بصرتنا ألخصيبة وهذا ألطرح تعودناة من معظم الكتاب أبن شمال يقول أن ألحضارةمنة وأبن ألوسط كذلك وأبن ألجنوب والمنطقة الغربية وألمنطقة ألشرقية هذا ألنفس موجود ألمسألة ليست مسألة بغداد ألمسألة مسألة ألتعصب للمكانية وليس ألتعصب للوطنية لست أنت ألوحيد ألكل عرب , أكراد ,تركمان سنة ,شيعة مسلمين, مسيحين ,صابئة,يزيدين لاتعصب بينهم لدين ومذهب وقومية وأنما تعصب لجغرافية ألمكان فئينما يكون يكون هو ألاحسن لكنة مضطهد حتي أنت جعلت ألجنوب هوألعراق وكلامك فية بعض الشكلات وأشكالات كبيرة وكثيرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أولآ كلمة (أمان أو نمان )هي كلمة تركية ومعناها (أويلي ) وتعبير عن ألم صح يوجد بعض ألترابط بين ألمقام ألعراقي وألاطوار ألريفية ألجنوبية ولكن أختلاف في ألتسمية مثلآ ( مقام ألحجاز يسمى في ألاطوار ألغنائيةألجنوبية با ألعياش ) ويختلفمن ناحية تفاصيل ألاداء مقام ألبيات أول من غناة شخص من عشائر أللبيات وسمي بمقام ألبيات مقام ألمنصوري أول من غناة هو منصور زلزل أيام هارون ألرشيد وسمية بأسمة مقام ألرست يغني في ألموصل وحلب مقام التفليس أول من غناة هو مغني أسمة شلتاغ ولأة تمثال في مدينة تف


3 - واين انت من دمشق
علي جاي المدهون ( 2009 / 7 / 6 - 15:03 )
الاخ باسم المحترم .
اين انت من القاهره ودمشق وعمان والرياض و ....
انها احدى اقبح عادات دول الشرق الاوسط ، وبغداد ليست استثناء .


4 - شوفو مو أنكول ومحد أيصدك
جيفارا ( 2009 / 7 / 6 - 19:04 )
خوية مدهون عرب وين طنبورة وين

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي