الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذوة

حميد خنجي

2009 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لا توجد قوة على الأرض بامكانها القضاء على "جذوة" الشعوب وحيويتها التاريخية الجمعية التي لا تعرف الانكسار ومرد ذلك بكل بساطة أن محرك تلك الجذوة يتأتى من الحاجة الموضوعية للناس، المتعلقة بالظروف المعيشية ولهفة الانسان للعدل والحرية ومستقبل أفضل له ولأبنائه من الأجيال القادمة، ضمن مسيرة لا تقف أبداً، مادام الخلل قائماً بين الانتاج والتوزيع، مادام العدل لم يسد بعد والظلم مازال سيد الموقف في المجتمع البشري.. هذه هي دروس التاريخ البليغة التي لا يتعظّ منها – وللأسف- المستبدون من كل نوع وفي كل الأزمنة. لقد انعكس هذا بشكل جليّ في المشهد الايراني الآنيّ منذ أن اندلعت "وثبة خُرداد" في منتصف الشهر الماضي( يونية/ حزيران)، كرد فعل طبيعي على النتائج – المطعونة في نزاهتها- التي تمخضت عنها انتخابات الرئاسة العاشرة في هذا البلد العصي على الفهم المبسط ! ...

انتهى الآن الفصل الأول من الاحتجاجات الايرانية العارمة تلك.. أو هكذا يبدو –ظاهرياً على الأقل- حيث بدأت تلك الاحتجاجات بالانحسار التدريجي على الرغم أن ثلة من النخب السياسية والدينية مازالت عند موقفها الشجاع والواضح في عدم الاعتراف بالنتيجة الرسمية والمعتمدة بشكلها النهائي من قبل مجلس صيانة الدستور بعد إعادة فرزه الشكلي .. واعتبار الثلاثي: موسوي / كروبي / خاتمي أن حكومة "احمدي نجاد" غير شرعية!.. وهي ظاهرة جديدة عصية على التصديق، الأمر الذي قد يفتح الباب لتفاعلات سياسية لايمكن التنبؤ بها! لعل اسئلة عديدة تراود وتراوغ أذهان الكثيرين من المراقبين والمحللين وحتى المتخصصين في الشأن الايراني! ... هل تجري في الخفاء عملية طبخة فقهية أوإعداد صفقة سياسية من الوزن الثقيل ستكون ميادينها؛ مجلس الشورى، مجلس الخبراء، مجلس مصلحة النظام أو حتى حوزات "قم" الدينية والفقهية من أجل الوصول إلى هدنة ما، لإعادة ماء الوجه للنظام الايراني من خلال تطوير معين في تشكيلة حاكمية "ولاية الفقيه".. أم أن القمع والسحق و"الطغيان" سيشكلون لغة المرحلة القادمة ؟! هل سيكون "ربيع طهران" أشبه بربيع "بكين" ، " بيروت" أو" براغ".. أم خليط من هذا وذلك ؟! لا أحد بامكانه أن يقرأ ما يمكن حدوثه بالضبط ومتى سوف يبدأ الفصل الثاني من" الوثبة" الجماهيرية التي أذهلت وأدهشت القاصي والداني!

لهذا فإنه لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه تداعيات الأحداث، المتعلقة بأصول النظام السياسي الايراني..أي مستقبل الدولة الثيوقراطية الحالية ( سلطة ولاية الفقيه المطلقة)، التي أضحت مصداقيتها في مهب الريح. ولهذا فان العد التنازلي قد بدأ بالفعل.. وها هي كرة الثلج قد تدحرجت على أية حال، بعد أن سقط السلاح المعنوي الجبار والفتاك الذي كان النظام يستند اليه.. والمقصود هنا؛ "القناع المقدس" أو قدسية أمر ونهي ولي الفقيه!.. حين لم تعد أبرز رجالات المؤسسة الحاكمة من المعارضين الحاليين يشهرون – أمام الملأ- عصا التمرد والعصيان فحسب، بل إن حناجر المتظاهرين أطلقت، لأول مرة منذ ثلاثين عاماً وفي وضح النهار، شعار:"الموت للدكتاتور" (المقصود ولاية الفقيه)، الذي أخذ يذكرنا بأيام الثورة إبان العصيان الشامل ضد النظام الشاهنشاهي البائد.. بمعنى أن الخط "النفسي" الأحمر قد سقط وتجاوزته الجموع الغاضبة في مشهد أغرب من الخيال، لم يكن من السهولة تصديقه حتى في الأحلام !

لقد أضحى رد فعل الغضب الشعبي والجماهيري عارماً إلى درجة أنه نجح في إيجاد شرخ واضح في المؤسسة الحاكمة واهتزت صورة منظومة ولاية الفقيه المطلقة – كما أسلفنا- بشكل لم يكن في حسبان أحد حتى قبل شهر واحد! ومؤشرات ذلك مجسّدة قبل كل شيء فيما يجري منذ بعض الوقت-خلف الكواليس-من صراع تشريعي فقهي في الحوزات الفقهية في " قم" ، على شكل مداولات صعبة متعلقة بجوهر حاكمية ولاية الفقيه، تدور في الخفاء بين مجموعة غير معروف حجمها في الوقت الحاضر متكونة من كبارالمراجع الدينية، بُغية احلال مجلس جماعي مصغّر محل القوة الفردية المطلقة لولي الفقيه.. أي الوصول الى صيغة جديدة مبتكرة لفلسفة "ولاية الفقيه" بهدف تفادي تفاعلات الأزمة الحالية أوالمستقبلية والوصول لمخرج من هذه الأزمة التي قد تطال مستقبل ومصير جمهورية ايران الاسلامية. لاحظنا أيضا أن التهديد الصارم والواضح الذي خرج للناس من أعلى سلطة.. أي" ولي الفقيه" نفسه، قد تراخى في حينه إلى حد ملحوظ، راضخاً لقوة الشارع المليونية راسياً على نغمة أخرى وهي امكانية الوصول إلى تسوية تتلخص في إعادة فرز رمزي للأصوات. بجانب موقف رئيس مجلس الشورى" لاريجاني" وانتقاده العلني للقمع الذي مورس ضد المتظاهرين من قِبَل قوات الباسداران والبسيج. والموقف الموارب لعرّاب النظام "رفسنجاني"! ولا يمكن بالطبع أن لا نعير الاعتبار لظاهرة خروج أثنين من آيات الله الكبار عن صمتهم؛ " منتظري" و" زنجاني" ورجال دين آخرين في وزن " الأردبيلي" و "صانعي" وغيرهما العديدين من بين آخرين التزموا الصمت في الوقت الحاضر.. وهي لغة بليغة على أية حال !

يلاحظ المراقبون والمحللون المحايدون أن النظام الايراني بات الآن قليل الحيلة بالرغم من قوته القمعية الظاهرية، المستندة – أساسا- على موظفيه العسكريين الرسميين؛ الباسداران (الحرس الثوري) والبسيج (قوات التعبئة). يرون هؤلاء أن رأس النظام ارتكب خطأ استراتيجياً سياسياً جسيماً لايمكن اصلاحه بطريقة اعتيادية بعد أن فقد النظام هيبته والكثير من اعتباره المحلي والدولي.. وليس لديه سوى حلان أحلاهما مرّ! .. فإما الرضوخ لمطالب الناس والمعارضة الاصلاحية..أي التراجع والمشاركة في طبخة أو تسوية ما، أو الهروب إلى الأمام..أي الركون الى لغة البطش والتهديد التي جاءت على لسان المسؤولين الامنيين على شاكلة "المحاكمات" التي تنتظر "المتآمرين" من أعداء الثورة والاسلام. وانذار "الحرس الثوري" باتخاذ اجراءات "ثورية" !! ومن هنا نجد أن التهديدات التي تخرج يومياً أو حتى على مدار الساعة من القنوات الاعلامية الرسمية تنم عن ضعف وهوان للنظام ويعبر في الواقع عن تخبط يتجسد خاصة في اتهامه للقوى الخارجية و"العملاء" في الداخل، فيما يتعلق بما سماه "الاضطرابات" أو حتى التذرع عن تبعات اغتيال الطالبة الايرانية "ندا سلطاني"، مدعياً أن المسؤولية تقع على جهات ارهابية مُندسّة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟