الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة المثقف المعترب

حسن الناصر

2009 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يتنازع في وجدان المثقف المغترب , أحاسيس الغربة , مع تذوق الحضارة في بلدان المهجر وخاصة للمثقف القادم من دول المشرق , تلك المنطقة الزاخرة بالروحانيات , والتي كانت مهداً لجميع الديانات الابراهيمية , التي يعتنقها اغلب سكان الارض . ويتجسد هذا النزاع احياناً بمعاناة وآلام , تنطق بها الاوراق المنحور على أسطرها أفكار و آراء هذا المثقف المغترب, الذي اجبرته ظروف بلاده على النزوح الى المهجر .
وقد نلاحظ أحياناً تغافل واستهانة مصطنعة , من قبل المثقف المغترب , تجاه كل مايحيط ببلاده الاصلية , ويحاول جاهداً تقمص ثقافات موطنه الجديد , الا انه يتيه ويكابر, حتى يصل الى نقطة لا يتمكن فيها من العودة , ولا الاستمرار في الانصهار في بودقة الثقافة الجديدة . وهذه حقيقة مرة ومؤلمة لاتغيب كثًيراً عن منظومة الخطط المستقبلية لصناع القرار السياسي في الغرب الذي يهاجر اليه ابناء المشرق المنكوب . حيث لايعول كثيراً على صهر الجاليات الغريبة المستوطنة لهذه البلدان , لكنهم يدركون بأن عامل الزمن كفيل بأنتاج جيل من هذه الجاليات , يتوائم تماماً مع الثقافة الجديدة , ويتخلى عن جذوره الاصلية .
من الحقائق المروعة لبلاد الرافدين , ان خيرة ابناء البلد قد غادروا على شكل موجات متعاقبة , والجل الاكبر منهم لا يفكر بالعودة , حتى ولو تغير الوضع العراقي الى افضل صورة , فقد تشابكت ظروفهم المعيشية والاجتماعية بآواصر وثيقة في البلدان التي استوطنوها .
وغالبية المهاجرين هم من أبناء الطوائف الدينية والعرقية , التي استوطنت العراق منذ آلاف السنين وشكلت طيفاً جميلاً من اطياف المجتمع العراقي , الا ان الظروف السيئة في البلد أجبرتهم على النزوح منه , مثل اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين وغيرهم . وقد تنذر بوادر المستقبل عن خلو العراق من الطائفة المسيحية والصابئة مثلما خلا من ابناءه اليهود سابقا.ً
ان صدى الغربة يتمخض بكتابات رائعة , تتحدث عن واقع الجالية العراقية خاصة والشرق اوسطية بشكل عام في بلدان المهجر , وقد تصدر على شكل روايات او قصص قصيرة او مقالات تنشر في الصحف او على مواقع الانترنيت , ومثال على ذلك رواية اقمار عراقية سوداء في السويد للكاتب العراقي المبدع علي عبد العال والتي تصب في هذا المعنى , وكذلك قصصه الثلاث التي بعنوان ازمان للمنافي , ورواية التوأم المفقود لسليم مطر , وشوفوني شوفوني لسميرة المانع , وعراقي في باريس لصموئيل شمعون , وسيرة بن سباهي لعبد الرزاق حرج , وغيرها الكثير .
ان صدى هذه الكتابات , قد تجده محدود في العراق قياساً له في اوربا , بسبب ضعف الوعي الثقافي للقارئ , نتيجة ضغط الحياة اليومية , ومتطلباتها المنهكة , التي تجعل من موضوع القراءة ترف لايتوفر للكثيرين من ابناء البلد , اضافة الى تغير الذائقة للكثير من القراء , بأتجاه الاطروحات الدينية التي سطحت الاذهان , واصابت الفكر بعقم ليس من السهولة الشفاء منه على المدى القريب اذا بالغنا في التفاؤل , خاصة اذا كانت الاطروحات الدينية جدلية , وتحاول تمديد الدين لابتلاع الحضارة بطرح متهرئ , لكن هذا لايعني بالضرورة بان جميع الكتابات ذات الصبغة الدينية سيئة , بل بالعكس هناك اصدارات رائعة تنهل من الاديان منهلاً صحياً لتغذي به روح القارئ الجائعة لقيم السماء , وفق منهج فكري متحرر ومتجدد مع ضرورات الحياة العصرية , ومتوافقاً مع النتائج العلمية التي توصلت اليها الحضارة الانسانية الراهنة , دون انغلاق او تحجر يدور في افق النصوص المنقولة , والآراء الكسيحة لبعض رجال الدين الجهلة .
ان الضرورة الملحة على الحكومة العراقية , التي اقفلت جميع الابواب الا على مريديها , ان تؤسس هيئات ترتبط بوزارة الخارجية , او بوزارة الثقافة , لأحتضان المثقف العراقي المغترب , وفتح قنوات وأواصر لأيصال ونشر الانتاج الثقافي لهذه الشريحة المهملة في داخل وخارج العراق , والتي يولي امثالها الغرب اهتمام استثنائي , كون ابنائها صنّاع الحضارة , وقادة المجتمعات الى الرقي والتحضر على مر القرون .
وكم يصيبنا الاسى حينما تتوارد اخبار وفيات كبار المثقفين المغتربين , وجلهم تفتك به الفاقة والعوز , والأدهى والأمرّ ان شرائح واسعة من ابناء المجتمع في داخل العراق يجهلون هذا المثقف نتيجة التعتيم المتعمد من قبل نظام الفاشيست البعثي سابقاً وحكومة الطوائف الحالية .
انني اطرح هذا الرأي الذي سبقتني اليه عشرات الاقلام دون ناصر او مجيب , لكن عسى ولعل ان تلتفت هذه الحكومة البائسة الى هذا الموضوع , وتنهض بمسؤوليتها في مراعاة ماتبقى من مثقفي العراق , وفنانيه , ورموزه الرياضية , الذين بدأوا يتساقطون كأوراق الشجر واحداً تلو الآخر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر