الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخسارة الماثلة التي ستخرج ما يسمى( الحزب الشيوعي الكوردستاني ) من الحياة السياسة ، الأسباب والنتائج..؟

محسن صابط الجيلاوي

2009 / 7 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تلعب الأحزاب الأيدلوجية في تضخيم نفسها على الغامض والهلامي والشعاراتي العاطفي ، وأتذكر أواخر السبعينات عندما تصدت القاعدة الحزبية لهجمة النظام الدكتاتوري على الحزب الشيوعي كيف أنها ابتدعت أساليب للخلاص ومحاولة اللحاق بالقيادة التي امنت نفسها في الخارج ، وكالعادة كان يتردد القول ( ان النظام ضرب حزبكم لأنه أصبح قويا وجماهيريا ) والحقيقة كما أكدتها الايام غير هذا تماما ...وعلى نفس هذا الإيقاع عدنا إلى الوطن عبر بوابة كوردستان وعند كل محطة نقترب من الوطن ونجد أن الحزب فيها غير فعال وهش التنظيم والفعالية ، يجري الإيهام أن المحطة القادمة هي الأقوى ، ففي بلغاريا ( حيث كنت ) قالوا مكانكم سوريا حيث القرب من الوطن واندفعنا أفرادا ومجموعات إلى هناك، ووجدنا الأمر ليس على ما يرام ، أوهمونا بمحطة القامشلي ، وعندما وصلناها قالوا النضال هناك حيث قاطع بهدنان ، وعندما وصلنا وجدنا تقسيمات وأفكار عجيبة نلمسها لأول مرة كشباب شيوعي حيث المفاهيم القومية والطائفية وحتى التمايزات الطبقية ، قالوا النضال في المفارز ، وذهبنا ووجدنا الأمر متخلفا ولا يرتقي إلى حتى مستوى أساليب الأحزاب القومية الكردية حيث بندقة البرنو مقابل ترسانة نظام صدام العسكرية المعروفة ، فقالوا النضال في الداخل وذهب البعض وحدثت المصيبة بعضهم وقع بيد العدو في أول سيطرة ، وبعضهم تحت قسوة التعذيب انهار وصمت نهائيا ، وقسم تحول إلى عملاء شرسين للنظام ، والآخر القليل الشجاع قدم حياته ثمنا لأخطاء فادحة وهم اليوم شهداء نغمرهم بكل المحبة قدموا أغلى ما لديهم دفاعا عن حرية هذا الوطن ومستقبله..!

لقد كنا نتصور قبل ذهابنا إلى كوردستان أن الحزب يمتلك منظمة قوية وأممية هناك لكن لم نرى إلا العكس تماما ، حزب قومي ضعيف النفوذ والفعالية ، كانت القرى الكردية بأهلها وناسها الممتلئين طيبة وعفوية أكثر انفتاحا ورحابة وحسن تعامل معنا نحن الأنصار العرب من هذا الفرع وخصوصا قياداته المنغلقة ...وهنا تأكد لي ولغيري الفكرة العميقة والعبقرية لتحليل حنا بطاطو للشيوعيين الأكراد حيث يقول (
حنا بطاطو: العراق، الطبقات الاجتماعية،الكتاب الثالث، الشيوعيون والبعثيون والضبّاط الأحرار صفحة 224.ط1، مؤسسة الابحاث العربية، بيروت 1992. وهذا نص ماذكره بطاطو مع الهامش:
وكان للشيوعيين دور ناشط في انفجار الأحداث ، ولكن كأكراد ، لاكشيوعيين . ولم تكن الأهداف التي سعى هؤلاء إلى تحقيقها أهدافاً شيوعية ، بل كردية. وكانت شيوعيتهم ، في معظم الحالات ، شيوعية سطحية. ويبدو ان ماحدث ، في الواقع ، كان أن الأكراد طوّعوا كل المنظمات المساعدة للحزب الشيوعي لخدمة أغراضهم ، أي خدمة نزاعهم القاتل مع منافسيهم التركمان ....)

نفس المستوى من التفكير والآلية السطحية هي التي تتحكم في عقلية الحزب الشيوعي الكوردساني اليوم حيث شكل شيوعيتهم فلا أممية ولا صراع طبقي ولا فقراء ولا بطيخ ...!

تحت نفس شعارات التضخيم هذه انتمى الكثير في كوردستان بعد تحررها من قبضة النظام في التسعينيات إلى الحزب الشيوعي الكوردستاني لتعبهم المر من قيادات الحركة القومية الكردية ( الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني ) وقد التقيت في زيارتي إلى كوردستان عام 2000 عدد من الشباب الذين مروا بتجربة هذا الانتماء لكنهم اكتشفوا بعد فترة وجيزة أن هذا الحزب سواء في الفكر أو السلوك أو الطرق التنظيمية لا يختلف عن الحزبين القوميين بل منشد لهما ويتلمس التقرب والتشابه والتماثل معهما في السلوك والعمل ، وعادة المقلد دائما ( أن يكون ملكا أكثر من الملك نفسه ) وأكثر راديكالية منه لهذا تركوه وعاد أغلبهم إلى الأصل والآخر ترك السياسة بانتظار (كودو) منقذ أكثر فائدة وجدوى ، لهذا أصبح تنظيم هذا الحزب ( رغم ضعفه ) تابعا إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني لفرعه في بهدنان ، ومثل ذلك في السليمانية إلى الاتحاد الوطني الكردستاني ، وتلك حقيقة لا ينكرها الكثير من عاشوا تجربة هذا الحزب من الرفاق الأكراد ، كذلك لا ينكرها الكثير من قاعدة الحزب الشيوعي العراقي نفسه بعد أن تجزأ إلى أحزاب قائمة على أسس قومية وعرقية ( كما في شكل هذا الحزب تماما ) ...!

وعلى نفس هذا الوهم الذي انطلى على أعضاء الحزب ، ابتلعت الأحزاب القومية الكردية هذه الدعاية فكانت تعرف جيدا ضعف ولا أهمية الحزب الشيوعي الكوردستاني لكنها برزته وأدخلته في تحالفاتها وعينها على الحزب الشيوعي العراقي الأم في مزيد من التوريط والتبعية السياسية فعبر الإقليم أو مباشرة أغدقت هذه الأحزاب الأموال والوظائف والرواتب التقاعدية وغيرها على الحزب وخصصت له حصة مالية من ميزانيتها معتقدة أنها ستكسب حليف ( جنوبي ) خارج كوردستان ( حزب عراقي قوي ) مثل الحزب الشيوعي العراقي حيث سوقته الدعاية على انه سيكتسح الشارع في أول منعطف سياسي يحدث في بغداد ، لهذا زاد هذا التوريط والدعم بعد سقوط النظام ، وهنا بدأت لعبة صناديق الاقتراع تكشف المستور والمحظور والمخفي كما يقال ..هنا بدأت الأحزاب القومية الكردية تتخلى عن الأحزاب التي تأكدت هامشيتها وضعفها في الشارع العراقي ، فكما تركت الحزب الشيوعي العراقي وحيدا في الساحة رغم لهاثه لعقد أي تحالف انتخابي معهم لكنه لم يفلح ، والمؤلم أن الأحزاب القومية الكردية جرت الحزب الشيوعي العراقي في انتخابات المحافظات كما في الموصل وصلاح الدين وديالى إلى تحالفات مناطقية ليست قائمة على مشروع سياسي – اجتماعي بل على أساس مشروع قومي –عنصري بحت وهذا تاريخ لن يستطيع نسيانه أو أن يغفر له أي يساري أو طني عراقي...لعبة الأحزاب القومية الكردية قائمة على شكل كان يفعله وأجاد به النظام الدكتاتوري هو خلق أحزاب تابعة ، وشخصيات تمتهن المديح ، تكتب حسب الطلب وتتلقف الإيحاء خصوصا إذا كانت عربية ، لكنها تريد بالمقابل عمل ، فأموال تغدق لخلق طوابير من أحزاب وشخصيات أُريد لها أن تجعل من أي ممارسة سياسية للأحزاب القومية الكردية أن تمر وفق تضخيم الذات القيادية والتقليل من الشرور السياسية التي يمارسوها على الوطن العراقي بل وتقديمها ودفعها على انها هي الأصح والأكثر عبقرية وبقاء، لهذا وقع البعض في لعبة مصطلحات مضحكة حول صلاحيات الإقليم ، المادة 140 ، الأراضي المتنازع عليها ، شكل علاقة الإقليم بالدولة العراقية ،الثروات ، الدستور العجيب ، ملف كركوك ، الموصل ، ديالى ، الكوت ، ولاحقا حتى بغداد كما يبدو ... لقد خنقت الوطنية العراقية التي قدمت بقوة رغم التهريج القومي والطائفي مشروع ( التبعية وشراء الذمم ) وقدمت العراقي على انه قارئ جيد للسياسة ولتنقلاتها الفكرية ولخفاياها...!

كل هذه العوامل والإشكاليات هي أسباب الرحيل القادم للحزب الشيوعي الكوردستاني عن الحياة السياسة كونه حزبا قوميا تقليديا وتابعا ، للعلم في انتخابات سابقة لم يحصل هذا الحزب في سائر مركز مدينة دهوك إلا على تسعة أصوات ... وهزيمته القادمة لا تعتبر خسارة لليسار كما يشيع البعض لكنهه رب ضارة نافعة كما في زميله الحزب الشيوعي الأصل ، قد تفتح باب واسع لنقاش ولحراك سياسي جديد تقوم به الشبيبة العراقية في رسم أشكال يسارية جديدة متصالحة مع نفسها ومع العالم تقوم على منطلقات إنسانية وأممية واسعة الأهداف والمضامين ..الشعب الكردي بحاجة ماسة إلى أحزاب تُقدم برامج اجتماعية تحارب البطالة والفقر والفساد والنهب وتبديد الثروات وتعرف كيف تقيم علاقات ايجابية مع الجميع وترتقي به إلى مصاف الإنسانية والتحضر والحب والتعايش والانفتاح والتضامن والسلم مع الآخر ، وتقديم فكرة المساواة والعدالة كفكرة تتقدم على سائر شعارات الكراهية القومية التي ذاق من حنظلها العراق مجتمعا..!

إن محاولة عقد تحالفات مع مجاميع وهمية في كوردستان كما فعلها الحزب الشيوعي العراقي في مجالس المحافظات لن تقدم شيئا ولن تنقذ ورطة هذه التنظيمات التي حكم عليها الشارع العراقي كونها تخلت حتى عن الضوابط التقليدية المتعارف عليها والتي كانت تتحكم بها وبشعاراتها وبطرائق عملها وبمناهجها وبنظرتها للعالم وللإنسان حتى ولو بالحد الأدنى النظري ..فتحولت إلى أحزاب بدلا أن تجر قوى عشائرية ومتخلفة إلى الحداثة والتقدم نجد العكس تماما كونها تماهت معها وأصبحت تابعة لها وتأتمر بأوامرها ...والجميع هنا في إشكالية حقيقية مع الوطن والناس ،والأيام القادمة ستثبت أن الوهم وتخويف الآخر بالشعارات القومية اخذ يتبدد كما حدث مع الفكر الطائفي لان ذلك قائم على محاولة إعطاء صك أبدي للسلطة والجاه والكراسي للبعض المهيمن والمسلح بقوة المليشيات وبحكم سلطة المال والاحتلال وفكرة الخطر القادم من الآخر الوهم ، وكل الدلائل تشير أن الوعي العراقي أخذ يتقدم ولو بصعوبة بسبب الهيمنة والرشاوى الباذخة والدوغما على هذا المفاهيم ، التي حال تحرر العقل العراقي منها سندخل العالم بقوة كوطن عظيم لشعب عظيم حقا وبهذا يتم تحقيق مستقبل أفضل ومشرق للأجيال القادمة ...!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجرد سؤال
قاسم الجلبي ( 2009 / 7 / 6 - 10:38 )
هل هذه المقاله تخدم الحركه الوطنيه ولم صفوف اليسار العراقي ومن اجل وحده فكريه للنضال سويتا ضد الهجمه الظلاميه السوداء المتطرفه من اصحاب الاحزاب الدينيه المسيسه والتي تخدم اعداء الحزب الشيوعي العراقي انها بلا شك معول اخر لضرب جدار الاحزاب الوطنيه المشهودلها تضحياتها من اجل حريه الاوطن واسعاده


2 - مموضوع المقال
ابو ناهض ( 2009 / 7 / 6 - 12:58 )
بصراحة المقالة ممتازة ونحتاج الى فضح ما جرى ويجرى في الحزب منذ الانقلاب الفاشي عام 1963 وليومنا هذا ومن هم الذين سيطروا على الحزب ومن الذي خطط لتدمير الحزب وايصاله لهذا الواقع المرير لذا يا اخي قاسم نحتاج وتحتاج القوى الوطنية الخيره والاجيال القادمة لمثل هذه الكتابات ويجب ان تكون حقيقية دون تحريف وانها ستخدم الحركة اليسارية ووووو


3 - لماذا لم ينشر تعليقي
عبد الرزاق حرج ( 2009 / 7 / 6 - 14:33 )
الى حضرة محسن المحترم

لم ولن ينشر تعليقي ..لماذا ..مع التحيات


4 - متى تكون حياديا
محمد شكري ( 2009 / 7 / 6 - 18:47 )
يبدو ان الاستاذ الجيلاوي قد صفى حساباته مع الحزب الشيوعي العراقي بعد ان نعته بمختلف النعوت, والان وبعد اعتكاف دام اشهر وجد ظالته في الفرع الكردستاني لهذا الحزب ليصب قيحه المعهود عليه , يا اخي اكتب فد يوم مقالة عن اداء الحكومة او البرلمان او الفساد او الانسحاب الامريكي حتى بلكي انكول عليك حيادي او ما عندك قصد

اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-