الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد لن يهجر بيته مرة أخرى

سعد تركي

2009 / 7 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


لم يكن محمد قادراً على تخيل لحظة عودته الى بيته الذي هُجر منه..ولم تكن زوجته تستطيع كتم فرحتها وسرورها فأطلقت الزغاريد حين اغرورقت عيون جارتها وهي تحتضنها بشوق ولهفة..ما كان عليهما حين عادا الى بيتهما أن يمدا أيديهما الى أي شيء من الحاجيات المحمولة على سيارة(اللوري) فقد تكفل شباب الحي بانزالها ووضعها في اماكنها حيث كانت قبل أعوام خلت..نسيا كل ما مر بهما..نسيا ظرف الرسالة الذي يحمل رصاصة وتهديدا بالقتل ان بقيا بعد 24 ساعة..نسيا خيام المهجرين،برد الشتاء القارص،حر الصيف اللاهب..نسيا كل شيء..ما عادا يتذكران سوى نخوة الجيران والتزاور الحميم والصباحات الجميلة حين يخرج(أبو جاسم)الى عمله ويستقبل الوجوه المرحبة..أحس بشبابه يعود اليه حين عاد الى بيته..عاد اليه حبه للناس والوطن وشعوره بالامان بين أهله وجيرانه في حيه الجميل..
هذه صورة من بين مئات الصور لمن عادوا الى بيوتهم بعد أن تحسن الأمن نسبياً،بعد أن تم طرد الاشرار والمحرضين على الفتن..صورة كلنا أمل أن تدوم وتستشري في كل أحياء ومدن الوطن من أقصاه الى أقصاه..صورة هي الحقيقة التي كانت ونأمل أن تدوم لأن ما عداها كان خطأ وخطيئة.
غير أن ما يخشاه محمد وغيره أن يكون هذا التحسن في الأمن وعودة الحياة الى طبيعتها ليس أكثر من سحابة صيف أنعشت الوجوه لحظات وغادرت..أن يكون هذا الهدوء الذي أعاد للجيران ألفتهم وأحيا العروق ليس الا سرابا خادعا يخفي تحته عتمة الليالي الفائتة ووحشتها ووحشيتها..
لسنا معنيين بالتفسيرات التي تطلقها مختلف الجهات عن السبب في هذه التفجيرات لأن النتيجة التي تصفعنا يومياً هي أن العشرات من أبنائنا يسقطون ضحايا لهذا الحقد الأعمى..فان كانت دول الجوار مسؤولة عنه فبالتأكيد أن الادوات عراقية..وان كان صراعا سياسيا لاثبات الوجود بين الكتل المتناحرة فكيف يجوز لكتلة سياسية تحترم نفسها ورضيت بالعملية السياسية أن تثبت وجودها وقدرتها على جثثنا وأشلائنا؟وان كانت التفجيرات الأخيرة مرتبطة بالانسحاب الأميركي فهل نطلب منهم مرة أخرى أن يعودوا بجنودهم وآلياتهم ليسحقوا مدننا وكرامتنا؟ يرقب محمد بخوف ورعب مسلسل التفجيرات التي عادت لتعصف بأمن الناس وتعود به الذاكرة الى السنوات الماضية حين بدأ ليل التهجير الطويل بمثل هذا العنف والدمار،حين بدأ يسمع همساً تحول الى زعيق وصراخ(أرحلوا عنا قبل أن تُقتلوا)..يقلب نظره بين جيرانه محاولاً رصد أي اشارة قد تعيده الى خيام المهجرين ويدعو ليل نهار أن يكون واهماً وأن تكون هذه التفجيرات الاخيرة ليست أكثر من رفسة خنزير محتضر..لكن محمد يدرك كما أدركنا جميعاً أنه لم يكن الوحيد الذي خسر في ذلك الاقتتال انما جميعا كنا خاسرين..يدرك أن جيرانه(بعد أن عرفوا الحقيقة) لن يدعوه وحيداً هذه المرة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف كان أداء الرئيس الأمريكي ومنافسه ترمب في مناظرتهما الرئا


.. المجلس الوزاري الأمني بإسرائيل يقر إجراءات طرحها سموتريتش تس




.. حاملة طائرات أمريكية تستعرض عملياتها في البحر الأحمر


.. شاهد| المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية جو بايدن و




.. مدير حملة ترمب يعلن النصر عقب انتهاء المناظرة