الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا سحب الجنسية

جهاد الرنتيسي

2009 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


للسجال الدائر حول ما بات يعرف بظاهرة " سحب الجنسية " اثاره غير المقتصرة على " فوبيا " فقدان حقوق المواطنة التي تعيشها القطاعات الاوسع من الشعب الاردني .

فالمدى الذي يتحرك فيه الملف الشائك يتجاوز "التوسع بضعة مليمترات" في اجراءات تنفيذ قرار " فك الارتباط " الذي تحول الى قضية خلافية بين واضعيه ومنفذيه.

و هلامية القرار تتسع للاجتهادات والتفسيرات والمبررات والشعارات المرافقة لتنفيذه .

لكن حديث " الهلامية " و" الخلاف " يبقى ناقصا ، حين يغض الطرف عن حالات تستعصي على التبرير ، واخرى لا تدخل من هوة اجتهاد لا حدود لها .

والروايات تتناسل ، وتتشعب ، وتتمدد ، في عالم مفتوح امام وسائل الاعلام والمنظمات الدولية ، لتخرج من محلية الجدل البيزنطي والاتهامات العقيمة ، الى فضاءات بلا حدود .

ففي العقدين اللذين اعقبا قرار فك الارتباط جرت في النهر مياه كثيرة ، احدثت في الفهم الكوني للاحداث متغيرات بحجم انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي ، وثورة معلوماتية الغت الخصوصيات ، ووعي حقوقي لا يعرف الحدود .

ولعل الخطر الاكبر في سجال " سحب الجنسيات " المفتوح على مصراعيه تقسيم الاردنيين بين " ذوي الاصول الفلسطينية " وبقية الاصول والمنابت التي تشكل الطيف الديموغرافي الاردني .

ففي الخطاب المعبر عن التكوين السياسي الاردني مفردات ابرزها " شتى الاصول والمنابت " المقولة التي آمن بها الاردنيون ، وساهمت في بلورة هويتهم ، واستيعابهم لرسالة كيانهم السياسي .

ورغم الاحداث التي مرت على المملكة صمدت هذه المقولة التي تحول استيعابها وتمثلها الى صمام امان وطوق نجاة اتاح اجتياز العواصف في منطقة لم يهدا صخب احداثها منذ عقود .

فالنعرات التي كانت تطفو على السطح بين الحين والاخر بقيت في ادني حدودها وفي اضيق اطرها مع توفر الحاضنة القانونية للهوية .

الا ان السجال بين روايات المتذمرين من فقدان مواطنتهم ومبررات الجهات الحكومية مس هذه الحاضنة ليثير حالة من القلق على هيبة القوانين الناظمة للعلاقة بين الدولة ومواطنيها .

فالدساتير والقوانين وجدت لتحكم العلاقة بين السلطات والافراد ، وتحدد ما للطرفين وما عليهم ، وبناء على ذلك وجب احترامها والتقيد بها .

وفي ظل السجال الراهن وجدت السلطة التنفيذية نفسها في دائرة الاتهام بانتهاك القوانين ، والتجاوز على الدستور ، وممارسة التمييز بناء على الاصول والمنابت , ومكان الولادة ، دون اعطاء اي اعتبار لما تمليه حقوق المواطنة .

الا ان التهمة التي بدت اكثر اثارة للمسؤولين الحكوميين " بفعل مباشرتها " تمثلت في الجانب المتعلق بتحول قرار فك الارتباط الى مبرر لسحب الجنسية من مواطنين بلا بطاقات صفراء او خضراء .

فقد حاول المسؤولون الحكوميون رد هذه التهمة ، مستفيدين مما يتوفر من منابر ، ورغم ما يسوقونه من نفي و مبررات ، لم يتوفر بعد ما يبعد الشبهات حول استخدامات القرار .

قد تكون مواجهة " الوطن البديل " و " تثبيت الفلسطينيين في الضفة الغربية " المعزوفة الاكثر ترددا في اوركسترا المبررات المتداولة مع تسارع وتيرة السجال حول القضية التي تشغل المجتمع الاردني .

لكن اللافت للنظر ان هذه الحجة الاسرع سقوطا لدى اخراجها من سياقات الحديث العمومي ووضعها على محكات المنطق .

فالدخول في مواجهة مع طرف خارجي ، سواء كان قويا او ضعيفا ، تتطلب توحيد الصفوف ، لزيادة احتمالات الفوز ، وتقليص هامش الخسارة .

وبالتالي ياخذ السجال منحى معاكسا لضرورات ومتطلبات مواجهة مخاطر سياسة اليمين الاسرائيلي بابقائه الشعور بالخطر سيفا مسلطا على الاردنيين من اصول فلسطينية .

الاكثر غرابة من مبرر مواجهة مشروع "الوطن البديل " مطالبة حملة البطاقات بحل مشكلة وجودهم في اسرائيل مع الجانب الاسرائيلي .

فالجانب الاسرائيلي الساعي للتخلص من الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية لا يكترث بحل المشكلة ، ولا توجد لدى حامل البطاقات آليات للمطالبة بالحل المطلوب ـ اذا كان راغبا فيه ـ الامر الذي يعني خلق مشكلة داخلية اردنية جديدة ، مرشحة للتفاقم مع مرور الزمن .

مفردات السجال لا تخلو من اتهامات للجهات الحكومية بسحب جنسيات اردنيين يعملون لدى السلطة الوطنية الفلسطينية .

ومثل هذه المفردات لا تقل غرابة عن مبررات الوطن البديل وتثبيت الفلسطينيين على ارضهم .

فالمعروف عن الاردن سعيه الدائم لتوفير فرص العمل لابنائه في الخارج لحل ازمة البطالة وزيادة التحويلات .

وبناء على هذه القاعدة يتجه الاردنيون الى دول الخليج ، واوروبا ، والولايات المتحدة ، وكندا ، وحاول البعض ايجاد فرص عمل في اسرائيل بعد توقيع معاهدة السلام بحثا عن عمل .

بعض المغتربين الاردنيين حصل على جنسيات من هذه الدول دون ان يفقد جنسيته الاردنية .

لكن الكفاءات التي توفرت لها فرص عمل لدى السلطة الوطنية الفلسطينية لم تجد لها موطئ قدم على هذه القاعدة وبقيت استثناء نتيجة لاجتهادات منفذي قرار فك الارتباط .

بعض جلساء المسؤولين عن تنفيذ قرار فك الارتباط يتداولون مبررا آخر يتمثل بقلة امكانيات المملكة .

وفي هذا السياق درجت عبارة " احنا مي ما عنا نشرب " على السنة رواد الصالونات السياسية .

هذه العبارة ، والسياق الذي جاءت فيه ، لا يخلوان من خطورة , لدى قراءتهما من من زاوية العلاقة بين الدول ومواطنيها .

وللخطورة وجهين يتمثل احدهما في طبيعة فهم المسؤول للعلاقة بين الدولة والمواطن والاخر في المردود السلبي لمثل هذه العبارات على شعور المواطنة لدى المواطن الاردني .

فالدولة تتحمل مسؤولية البحث عن حلول للمشكلات التي يواجهها المواطن ولا ترفع ولايتها عنه حين تشح الموارد .

واذا تم تحويل هذا المبرر الى قاعدة عمل على المواطن الاردني ان ينتظر الاسوأ في ظل الازمة المالية العالمية التي بدأت بالقاء ظلالها الثقيلة على الاردن لتظهر نتائجها تراجعا في النمو الاقتصادي وتفاقما في عجز الموازنة .

الا ان البعد الاقتصادي لسجال " سحب الجنسية " لا يتوقف عند الخشية من اثار الازمة المالية العالمية على المواطنة فهناك جوانب اخرى يصعب تجاهلها في اية قراءة مسؤولة .

يتعلق احد هذه الابعاد بامكانية النجاح في جلب الاستثمارات الخارجية الى الاردن في ظل التعامل الفوقي مع قوانين المواطنة .

فالقانون كل لا يتجزأ , والمفترض ان يتم احترامه كاملا دون نقصان ، اذا كان هناك حرصا على سيادته .

ووفق هذا الفهم لا يمكن التعامل بقدسية مع قوانين الاستثمار التي تسعى الحكومات المتعاقبة الى تطويرها في الوقت الذي يتم ضرب الحائط بقوانين الجنسية وبنود الدستور التي تحدد اسباب تجريد الاردني من جنسيته ، الامر الذي يدركه جيدا المستثمرون الباحثون عن مواطن لاستثماراتهم .

كما يتجاهل منفذوا اجراءات فك الارتباط عن وعي او غير وعي البعد العولمي لحقوق الانسان الذي يعطي الحق لمنظمات مثل هيومن رايتس ووتش توجيه اصابع الاتهام لاي حكومة في العالم وايصال صوتها الى مختلف المحافل الدولية .

مع ظهور بعض نتائج السجال الدائر حول " سحب الجنسيات " واحتمالات اتساع تداعياته لتشمل الحضور السياسي الاردني في المشهد الدولي والوضع الاقتصادي بات من الطبيعي التفكير جديا بانهائه من خلال معالجة اسبابه .

ومعالجة الاسباب تتطلب وقفا فوريا لهذا المسلسل ، والتعامل بقدر اكبر من الشفافية مع الاجراءات المتعلقة بحملة بطاقات الجسور ، اذا كانت هناك ضرورة حقيقية لاتخاذ اجراءات فك الارتباط التي تحولت الى عراقيل امام شعور المواطنين بمواطنتهم ، وفتح الباب امام اعادة النظر في الاجراءات التي اتخذت على مدى الاعوام الماضية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-