الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برابرة -أبو غريب-

صبحي حديدي

2004 / 5 / 4
حقوق الانسان


نسمّيه نحن "عشّ الدبابير"، وهو في المخيال الغربي "صندوق باندورا"، الذي ينبغي أن ينفتح على مصراعيه لتتكشّف كلّ جوانب البربرية الأمريكية في سجن "أبو غريب": ليس المزيد من الحقائق (الأخرى، الخافية!) التي تدين كبار المسؤولين الأمريكيين قبل صغار العسكريين، بل أيضاً السياقات السياسية والثقافية والأخلاقية، أي "الفلسفة" بأسرها، التي أتاحت وتتيح إعادة إنتاج كلّ هذه الهمجية.
ونحن، من جديد، ندين للمحقّق الصحافي الأمريكي سيمور هيرش بفضل تسليط الأضواء على جرائم حرب أمريكية يحرص السادة في واشنطن على إبقائها غارقة في الظلام الدامس. ندين له بفضل كشف النقاب عن أهوال مذبحة "ماي لي" التي ارتُكبت في فييتنام بأمر من الضابط الأمريكي وليام كالي (200 قتيل من المدنيين الفييتناميين)، وله ندين أيضاً بفضل نبش حقائق مجزرة الرميلة التي ارتكبها الجنرال الأمريكي باري ماكيفري غرب البصرة في 2/3/1991 (الجنرال هذا أصدر الأمر الحرفي التالي: "تدبّروا طريقة تمكنني من ذبح كلّ هؤلاء العراقيين الأوغاد"... المنهارين المهزومين المنسحبين المتراجعين على الأوتوستراد 8 غرب حقل الرميلة)...
اليوم، في تحقيق نشرته مجلة "نيويوركر" علي موقعها الإلكتروني، يبرهن هيرش أنّ انفضاح الهمجية الأمريكية بعد نشر صور تعذيب وتحقير وإهانة الموقوفين العراقيين ليست سوى أوّل الغيث، وأنّ ما خفي كان أعظم وأدهى وأبشع وأشنع! كذلك يثبت هيرش أنّ الإدارة كانت تعرف، أو هكذا يقول العقل، في ضوء التقرير الذي أعدّه العميد أنتونيو م. تاغوبا، وسلّمه إلي البنتاغون أواخر شباط (فبراير) الماضي، وانطوي على 53 صفحة حافلة بوقائع رهيبة حول واقع السجون العراقية في ظلّ الإحتلال الأمريكي.
وفي عبارة واحدة على الأقل، يقول تاغوبا إنه في الفترة بين تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر)، ارتكب الجيش الأمريكي أعمال تعذيب "إجرامية، سادية، صاخبة، بذيئة، متلذّذة". ويسرد التقرير بعضها، هكذا: صبّ السائل الفوسفوري أو الماء البارد على أجساد الموقوفين، الضرب باستخدام عصا المكنسة والكرسي، تهديد الموقوفين الذكور بالاغتصاب، السماح لأفراد الشرطة العسكرية أن يقطبوا جراح الموقوفين الذين يُصابون بجروح جرّاء التعذيب، اللواط بالموقوفين عن طريق استخدام المصابيح الكيماوية أو عصا المكنسة، واستخدام الكلاب العسكرية لإخافة الموقوفين وتهديدهم...
والصور الفوتوغرافية التي نشرتها قناة CBS الأسبوع الماضي تقول المزيد عن هذه البربرية. وفي صحوة ضمير، أو ربما سعياً إلى تبييض الصفحة، كشف الرقيب أوّل إيفان ل. فريدريك، الملقّب بـ "رقاقة البطاطس" والذي يظهر في بعض تلك الصور، أنّ تقنيات التعذيب الأخرى كانت تتضمن إجبار الموقوفين الذكور على ارتداء ثياب داخلية نسائية! اللافت، هنا، أنّ الرجل حين استفسر عن هذه الممارسات، قيل له ببساطة: هكذا تريدنا المخابرات العسكرية أن نفعل!
شيء من هذا تسرده أيضاً العميد جانيس كاربينسكي، التي اقترن اسمها بهذه الممارسات لأنها كانت قائد فوج الشرطة العسكرية في العراق، والمسؤولة عن السجون الثلاثة التي ورثها الإحتلال الأمريكي من جلاّدي صدّام حسين. ففي مقابلة مع "نيويورك تايمز"، نُشرت بالأمس، تقول كاربينسكي إنّ عناصر المخابرات العسكرية وعناصر المخابرات المركزية هم الذين كانوا يتولون مسؤولية الخلية "1A"، وهي الوحدة الأمنية عالية السرّية التي تشرف علي التحقيقات في سجن "أبو غريب"، وأنّ هؤلاء تمنّوا عليها أن لا تتدخّل في شؤون تلك الخلية، بل أن تمتنع حتى عن دخول أيّ من الزنزانات التي تجري فيها التحقيقات!
والآن... هل نصدّق أنّ بول ولفووفيتز لم يكن يعرف؟ وأنّ دونالد رامسفيلد عرف بالأمر مثلنا، عن طريق التلفزة؟ وإذا كنّا لا نحتاج حقاً إلى جورج بوش لكي نتذكّر أنّ هذا السلوك البربري لا يمثّل شعب أمريكا بالمطلق، فهل نحتاج إليه لكي لا ننسي البتة أنّ برابرة "أبو غريب" هم جنود في الجيش الأمريكي، يحملون العلم الأمريكي، ويخوضون الحرب الصليبية ذاتها التي أصدر سيّد البيت الأبيض الأمر بخوضها؟ ثمّ... هل نحتاج إلى أحد لكي نتذكّر سوابق مماثلة استأثر بها "العالم الحرّ" على امتداد تاريخه الكولونيالي، بلا استثناء... بلا أيّ استثناء؟
ثمّ ما الجديد، حقاً، في بربرية الجيش الأمريكي، أو أيّ جيش احتلال، بما في ذلك جيوش الرحمة التي يرسلها الغرب إلي حروب العالم الثالث، لـ "حقن الدماء"؟ ؟هل ننسى جنود بلجيكا الذين جاؤوا لإحياء الأمل في الصومال، فانخرطوا في مباذل تقشعر لها الأبدان، كأن يقيدوا صومالياً ويتبوّلوا عليه مثلاً؟ أو جنود سيلفيو برلسكوني وهم يغتصبون فتاة صومالية، مقيّدة إلى شاحنة عسكرية؟ أو الوحدات الهولندية التي سكتت على، وتواطأت في، مجزرة سريبرنيتشا حين قُتل خمسة آلاف مسلم بوسني عن سابق قصد وتصميم؟
ونقول، من جديد... من جديد: القادم ليس أقلّ، بل أعظم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023


.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل




.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير


.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية




.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ