الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (في قلب العاصفة)

غسان سالم

2009 / 7 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تنيت: كنت أنا الرجل الذي يحرك على الخازوق
اعتمد بوش الابن في قرار الحرب ضد (نظام صدام) على معلومات استخباراتية قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية، حيث أكدت تقاريرها على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وإمكانية ان تصل هذه الأسلحة إلى أيدي الإرهابيين من تنظيم القاعدة، الذين يمكن ان يعقدوا تحالف (عدو عدوي صديق) مع نظام صدام الواقع تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية من قبل الأمم المتحدة، رغما عن الاختلاف الايدلوجي بينهما.
لم يجد الأمريكان تلك الأسلحة، وبدأت التقارير تتحدث عن (معلومات غير دقيقة) جعلت إدارة بوش الابن تعلن حرب (تحرير العراق)، وبدأ البيت الأبيض يبحث عن كبش فداء يتحمل مسؤولية قرار الحرب الخاطئ، فلم يجد أفضل من (جورج تنيت) مدير الوكالة المركزية، وسقط تنيت في مصيدة الصقور الذين كانوا يحاولون إيجاد مبرر لشن الحرب، واستطاعوا ان يجدوا من يتحمل مسؤولية الإخفاق في تبريرها، يقول تنيت "كنت أنا الرجل الذي يحرك على الخازوق).
في هذا الكتاب يحاول تنيت كشف الحقائق التي زورها الصقور في اتخاذهم لقرار الحرب، ويسرد قصته التي يدعمها بالمعلومات والوقائع، الكتاب محاولة لتبرأت نفسه من هذه التهمة التي كانت سببا لاستقالته من منصبه بعد تزايد القطيعة بينه وبين إدارة بوش الابن، لقد كان تنيت نجما ساطعا في الحرب على الإرهاب وله دور مشهود في أفغانستان، لكنه سقط من على جواده السحري في (السي آي ايه) بعد ان كان ومديرا للجهاز في عهد ولايتين ديمقراطية وجمهورية.
يصف (تنيت) في بداية كتابه الظروف الصعبة التي كانت تعانيها (السي آي ايه) لقلة الدعم وعدم الاهتمام بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ووصف الوكالة بأنها آلة عتيقة صدئة ولا تدار بدقة شديدة، لقد تم اختياره ليكون قائد هذه المؤسسة ليس لأنه الأفضل بل لعدم وجود مرشح آخر ويصف ذلك "لقد سقط المنصب في طريقي" في هكذا ظروف وأوضاع قاد جهاز المخابرات الأمريكية وفي أحلك الظروف واشد قسوة من أيام الحرب الباردة وبالتحديد بعد أحداث 11 أيلول فهذه أول مرة تضرب اليابسة الأمريكا من قبل الأعداء ولكن ليس بجيش بل من قبل مجموعة من الأشخاص يمتلكون أيدلوجية معادية للغرب وخاصة أمريكية وبمعدات وأدوات بسيطة.
يستعرض الكتاب المهام الجثام التي قامت بها الوكالة واستطاعت ان تحبط العديد من العمليات الإرهابية حيث يضع القارئ أمام المهمات اليومية للوكالة وكيف انها تعمل بشكل كان يفوق طاقة عامليها وخاصة قبل أحداث 11 أيلول حيث كانت التقارير تؤكد دائما بان أمريكا هدف (لذيذ) للإرهاب ففي الكتاب نجد إشارات واضحة بان الأمريكان كانوا على علم بنية (أسامة بن لادن) على ضرب الأراضي الأمريكية وكان ذلك في سنة 1996 لكن لم يتصوروا ان هذا الغني يمكنه تنفيذ هذا الأمر، لقد نشرت الوكالة في سنة 1995 تقريرا بعنوان التهديد الإرهابي الأجنبي في الولايات المتحدة جاء فيه "ان الأهداف التي من المرجح ان تتعرض لهجوم إرهابي هي الرموز القومية مثل البيت الأبيض والبنتاغون والكابيتول ورموز الرأسمالية الأمريكية مثل (وول ستريت)" و ان الطيران المدني الأمريكي على وجه الخصوص هدف غير منيع وجذاب بحسب وصف تينت.
تزايدت مخاوف الولايات المتحدة من امتلاك القاعدة للأسلحة النووية أو كيمائية أو بايولوجية خاصة بعد الكشف عن شبكة (امة تعمير نو) وهي منظمة غير حكومية تضم علماء باكستان عرضوا على بن لادن المساعدة في امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، ووجود شبكة عبد القادر خان لتسويق خبرات نووية مما يشكل أملا متزايدا بحصول القاعدة على هذه الأسلحة، لذلك كانت فكرة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل تؤرق الأمريكان لإمكانية وصول هذه الأسلحة إلى القاعدة وهي ذريعة جيدة لتبرير الحرب ضد العراق، لم تكن مخاوف أمريكا من تعرضها لهجوم نووي حديثة كما يتصور البعض بل تعود للأيام الأولى لاختراع هذه القنبلة ففي شهادة لـ(جي روبرت اوبنهايمر) أمام جلسة مغلقة لمجلس الشيوخ في سنة 1946 وفي جوابه عن استفسار اللجنة في إمكانية حصول بعض الأشخاص على وحدات من قنبلة نووية وتهريبها إلى نيويورك وتفجير المدينة بأكملها فرد اوبنهايمر بالطبع يمكن ذلك وحين سئل عن الأداة التي يمكن استخدامها للكشف عن قنبلة نووية مخبأة فأجاب (مفك براغي!!) ويقول تينت "هجوم نووي واحد يمكن ان يغير مجرى التاريخ وأخشى ما أخشاه ان يكون هذا ما يعتزمونه (الإرهابيون) بالضبط".
يأتي الكتاب ضمن محاولة لإخلاء المسؤولية التي وقعت على جهاز (السي آي أيه) لتحملها الحرب في العراق وبالتحديد ردا على كتاب (خطة الهجوم) لـ(بوب ودوورد) الذي يُحمّل تينت مسؤولية الإخفاق الاستخبارتي لجهازه في التأكيد على وجود أسلحة الدمار الشامل وخاصة عبارته الشهيرة الأمر المؤكد (slam dunk) التي روج لها الإعلام حيث يقول تينت في هذا الشأن "إنني لا أحاول قطعا إنكار استخدام عبارة الأمر المؤكد أو الاعتقاد بقوة بوجود أسلحة دمار شامل لدى صدام لكن أسيء استخدام العبارة عن قصد وبالتالي أساء الناس فهمها على العموم ويوضح تينت في الكتاب كيف ان عبارته تلك قد أخرجت من سياقها واستغلها (بوب ودوورد) لاحقا في تصوير تينت بسخرية تظهره كلاعب سلة (بهلواني)، حيث تعني العبارة بالانكليزية (slam dunk) أي دفع الكرة بقوة في السلة وهو يضيف في مكان أخر "كما لو أنهم كانوا بحاجة إلى قولي (الأمر المؤكد) لإقناعهم بالذهاب إلى الحرب في العراق"، ويحاول تينت تبرئة نفسه من هذا الاتهام ويرى بان عبارته (العفوية) تلك استغلت من قبل الصقور في إدارة بوش الابن لخوض الحرب التي قرروها مسبقا لكنهم كانوا بحاجة لذريعة لتنفيذ أجندتهم (تغيير النظام في العراق).
وفي تعليقه عن ما ذكره (ودوورد) في لقاء تلفزيوني سنة 2005 "عبارة الأمر المؤكد كانت أساس الأمر الحاسم الذي كان رئيس وحكومة حربهم بصدد اتخاذه ان نغزو العراق؟" حيث يجيب تينت في نهاية الفصل التاسع عشر قائلا (bull shit) وهي كلمة عامية بذيئة.
ومن المحاور الرئيسية في الكتاب محور ركز فيه الكاتب على تنبؤ الوكالة للإحداث المأساوية التي أعقبت الاحتلال حيث ذكرت الوكالة في ورقة صادرة في كانون الثاني 2003 "السلطة التي تعقب صداما ستواجه مجتمعا عميق الانقسام وفرصة كبيرة لان تشتبك المجموعات المحلية في نزاع عنيف بعضها مع بعض ما لم تمنعهم القوى المحتلة من قيام ذلك". وفي مكان أخر من الورقة جاء "لقد جعل تاريخ الاحتلال الأجنبي للعراق العراقيون ينفرون بشدة من المحتلين".
لكن بريمر أصر ان يكون الحاكم المطلق وعمل على تقويض وجود حكومة عراقية مباشرة بعد الاحتلال وحاول العمل على نموذج ألمانيا بهدم كل شيء وبناء العراق من جديد وبالطبع يعتبر تينت بان بريمر قد فشل. وسوف نتناول كتاب بريمر (عام قضيته في العراق)في الحلقة القادمة .
لقد أراد نائب الرئيس ان تتحمل (السي آي ايه) المسؤولية حول السبب الرئيسي لاعلان الحرب وبالتحديد في ما يتعلق بخطاب بوش أمام الكونغرس عن حالة الاتحاد في 2003، الذي تضمن 16 كلمة عن محاولة حصول العراق على راسب اليورانيوم من النيجر وهذه المعلومة الاستخبارتية تتحمل الوكالة مسؤوليتها لكنها - أي الوكالة - كانت تعتبر المعلومة غير مدعومة وتبين فيما بعد انها مزيفة وكانت هذه الكلمات (16) كضوء اخضر لبدء الحرب في العراق، وبعد ان تمت الحرب واكتشفوا عدم وجود أسلحة الدمار الشامل بدأت الاتهامات بين البيت الأبيض والوكالة وارتفع مستوى التوتر حتى وصل الأمر إلى مغادرة تينت الوكالة ويقول "لم يمض سوى 16 يوما على مقالة جو ويلس عن 16 كلمة في صفحة الرأي لنيويورك تايمز في تلك الفترة الوجيزة تغيرت علاقتي مع الإدارة إلى الأبد " ويضيف "كنت قد وصلت إلى تلك المرحلة عندما انفجر صخب الـ16 كلمة فالحرب المدمرة والإشارة بالبنان تجري داخل الدائرة السياسية في واشنطن لكن الدفع والتخاشن والنميمة بلغت هذه المرة مستوى اولمبيا".
من خلال صفحات الكتاب يتعرف القارئ إلى ان جورج تينت تحول إلى كبش فداء لأخطاء إدارة بوش الابن التي استغلت معلومات غير مؤكدة (وغير مبررة) لخوض الحرب، تلك التي دفعها الصقور بقوة كي تقع.

*في قلب العاصفة
السنوات التي قضيتها في السي آي ايه
تأليف جورج تنيت
بالاشتراك مع بيل هارلو
ترجمة عمر الأيوبي
الناشر دار الكتاب العربي 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال