الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالي ابو معاوية رحل مع زهر البرتقال

فاطمه قاسم

2009 / 7 / 7
كتابات ساخرة


وهكذا تتجدد مأساة الإنسان الفلسطيني ،التي تظل تدور وتدور إلى ما لا نهاية ،دون حل ،دون مجرد أفق للحل ،وحتى عندما يحاول الفلسطيني أن ينسى ،فان جاذبية ماساته تشده من جديد إلى دورة العذاب بلا نهاية .
أريد أن أحدثكم اليوم عن خالي الأكبر ،شقيق أمي ،الذي ارتسمت صورته على صفحة ذاكرتي ،حين كانت بيضاء كاليقين ،ونقية مثل حبات الندى ،انه خالي ابو معاوية ،عبد العزيز ابن الحاج يونس مقدداي ،حيث المقدادي هي إحدى اكبر عائلات قرية العباسية القريبة من مدينة يافا ،وهي تعود في نسبها وجذورها إلى المقداد ابن اسود الدؤلي ،وقد فجعت بخبر انتقال خالي ابو معاوية إلى جوار ربه ،لم افجع بسبب الموت لان الموت هو الحقيقة الكبرى التي يواجهها الإنسان صغيرا كان أم كبيرا ،ملكا كان أم راعي ابل في أطراف الصحراء ، ولكن السبب وراء حزني إنني لم أرى خالي منذ سنوات ،وإنني لا استطيع حتى أن لطبع على جبينه قبلة الوداع وهو يستعد للرحيل الأخير ،وهو الذي شكل ذاكرتي في بداياتها الأولى وغمرني بحنانه وحبه وأنا طفلة صغيرة لا اعرف من هذه الدنيا سوى المحبة والأمان ،
خالي ابو معاوية اقترب من المائة سنه ،عمر طويل ،وعمر ثري ،ليس فقط بعدد السنوات ،وإنما في ما حدث في تلك السنوات من حنان ووجد ،من أمل وخيبة ،من فرح وجراح ،من انكسارات وانبثقات ، فقد عاصر خالي ابو معاوية الثورة الكبرى في فلسطين ضد البريطانيين والصهاينة معا ،وكان احد أفراد مجموعة الشيخ حسن سلامة المناضل الفلسطيني الذي كان يقود الثورة في منطقة الوسط ،وكان الحاج يونس والدة احد المراكز التي احتضنت الثورة ومناضليها ،وأعطاها هو وعائلته ،بلا حدود ،وفي هذه البيئة الوطنية نشا خالي ابو معاوية ،وكان حبه لفلسطين هو حبه الأول ،وكان حبه للأرض هو حبه الأقدس ،الأرض التي ترعرع في خيرها الكبير حيث كانت العباسية أشبه بغابة من بساتين البرتقال ،وكان عشقه لشجرة البرتقال لا يقاوم ،حتى انه عندما اضطر إلى الخروج الكبير على إيقاع النكبة الفلسطينية عام 1948 فان عشقه لشجرة البرتقال قاده في الطريق الطويل إلى الأغوار الشمالية في الأردن ،في منطقة المشارع ،حيث كان الماء وفيرا وقت ذاك فزرع أول بساتين البرتقال .
خالي ابو معاوية .
جمع إخوته من حوله، وأنجب بنين وبنات كثيرين، حاول أن يجعل السرب يتألف ويحلق في سماء واحدة،
ولكن الأكسودس الفلسطيني كان هو الأقوى والأعنف والأكثر اتساعا في المدى والعذاب ،وهكذا توزع الإخوة الأبناء والأحفاد على امتداد الأكسودس الفلسطيني من عمان إلى البرازيل ،ومن اربد الى فنزويلا ،ومن بير زيت إلى ألمانيا ،من أول الأرض إلى أخر الأرض ،
خالي ابو معاوية
ظل دائما ،جذع زيتوني العتيقة ،نكتب عليها أسماءنا ،وتواريخ ميلادنا ،ونوقع عليها برسوم القلب والمحبة ،وحين يأذن زماننا لنا، فإننا نلتقي كلنا مرة أو بعضنا مرات تحت ظلها الظليل ،نأكل من زيتونها ،ونمسح بزيتها وجع الأيام .
ربما يتاح لي وأنا الواقعة في سجنين في غزة ،سجن الحصار وسجن الانقسام ،ربما أتمكن من الخروج والوصول إلى المشارع بالأغوار الشمالية في الأردن ،لا اعرف وقتها كيف ستكون الدنيا بدون خالي ابو معاوية الذي كلما كنت أراه بعد أن كبرت وتزوجت وأنجبت وأصبحت جدة ،كنت اشعر في حضوره أنني الطفلة الصغيرة ،التي تتطاير جدائلها مع الريح ،وتتناثر ضحكاتها على أجنحة البراءة .
ولكني رغم كل ذلك سأحاول أن أكون هناك، سأتحدث معك يا خالي، سأروي لك بعضا من دعابات الأيام وجراحات الأيام وسوف أضع على ضريحك غصنا مليئا بالزهر الأبيض، زهر البرتقال.
لك المحبة ،ولروحك السلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - He and the history of Palestine
George ( 2009 / 7 / 7 - 09:39 )
Will stay ever in our memory

اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??