الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في الاستنساخ والتناسخ الدكتاتوري
شاكر الناصري
2009 / 7 / 8مواضيع وابحاث سياسية
لعلنا لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا : إن الغالبية العظمى من ساسة العراق الحالي وطبقته السياسية والأحزاب الفاعلة والناشطة على ارضه ، قومييها وعلمانييها واسلامييها وليبرالييها ...الخ ، خرجت جميعها من تحت عباءة دكتاتور أسمه صدام حسين حتى وإن كانت معارضة له ورافضة لكل ممارساته ومن تحت أبط الأنظمة التي تعاقبت على العراق ولم تكن بعيدة عن الدكتاتورية والاستبداد وأحتكار السلطة في واقع لايدفعنا بعيداً عن تصديق إن الدكتاتورية والاستبداد لا موطن لهما سوى العراق وإنها قادرة على استنساخ وتناسخ بعضها البعض وإن هذه البلاد لايستقيم لها حال دون طاغية وحفلات أعدام وقوانين قسرية وحروب لاتتوقف وأمتهان لكرامة الأنسان . مع العلم إننا نعيش في محيط اقليمي هو نموذج حي لحكم الأنظمة الدكتاتورية ، مهما أختلفت مسمياتها ومصادر السلطة الدكتاتورية فيها ، ملكية قبلية أو أميرية أو اسلامية أو قومية . إن تجربة العراقيين مع النظم الدكتاتورية قد بينت مدى تسلط هذه الأنظمة وتفردها بالسلطة وتهميش الشعوب التي تتحكم بمصائرها.
زعماء الأحزاب والسياسيين العراقيين سعوا جميعاً للتخلص من صدام حسين لأنه دكتاتور ومتجبر واذاقنا الويل والدمار وعرض حياة الملايين من العراقيين لمخاطر الموت ولكنهم أستنسخوا طريقته وأدواته وممارسته في التعامل مع العراقيين وأدارة شؤون البلاد وفي التخلص من معارضيه ومن المناهضين لحكمه ولتسلطه . الاحزاب السياسية التي عملت من أجل اسقاط صدام حسين أوجدت الأجهزة والانظمة الحزبية الداخلية التي لاتعزز في النهاية إلا حس هيمنة وتسلط زعيم الحزب أو القيادة على أعضاء وكوادر أحزابهم الذين يعتبرونهم نموذجاً للمجتمع الذي يعملون من أجل تخليصه من الدكتاتورية ، فما دمت تعمل وتناضل بشكل سري ومحضور فإن الامر سيؤدي حتما الى وجود اليات تشدد من طغيان الحس الامني وهواجس الاختراق والعمل على وجود أجهزة حزبية داخلية تعنى بالأمر ولا يكون همها العمل على حماية التنظيمات الحزبية من الاختراق والضربات الامنية فقط ، بل إن تصفية المخالفين لخط الحزب وتوجهات القيادة سيكون أحد همومها الأساسية إن لم يكن همها الوحيد .
لم تكن أدعاءات الديمقراطية والحكم الوطني سوى شعارات تزين واجهة الاختلاف بين نظام حكم دكتاتوري من جهة ومعارضة تسعى للوصول الى السلطة ، وقد وصلت فعلا ، من جهة أخرى وهي في نفس الوقت شعارات ساعدت هذه القوى على تسويق برامجها وأن تتمكن من أقناع الكثير من العراقيين الذين واجهوا مصاعب شتى وذاقوا فيها مرارة الذل والخنوع ، بانها مختلفة عن نظام الحكم القائم على الاستبداد والظلم والطغيان وإنها ستكون القوى التي تعيد للعراق هيبة حكمه الوطني والتصرف بمقدراته بشفافية وضمير لاينام ورسم مصير شعبه بما يرتقي بتطلعات وآمال العراقيين .
القوى أنفة الذكر عملت على استنساخ ممارسات صدام حسين وإن بداخل كل زعيم حزب أثرا من صدام حسين يدغدغ مشاعره بأتجاه التسلط والأستئثار بالسلطة وتهميش المخالف وأنك اذا ما سئلت أحد السياسيين عن سبب منطقي وعقلاني لكل ما يقوم به الساسة من ممارسات لا تقع الا خارج منطق من يسعى لبناء دولة شنت من أجلها الحروب وأحرقت بلادا بأكملها وأريقت وبأصرار وأرهاب سافر أنهار من دماء الابرياء و تم حشد وشحذ الشعارات الهائلة من أجل تسويقها في أوساط من سحقتهم قبضة القمع والارهاب البعثي، حقوق العراقيين والديمقراطية والحكم الوطني والتبادل السلمي للسلطة وحكم صناديق الانتخابات والثروة ملك الشعب ..!!!!! ، فإنه سيقول لك : هل سئلت صدام يوماً عن أسباب لممارساته وتسلطه واستئثاره ..؟ لماذا كل ما قام به حلال عليه وحرام علينا ..؟ .
حين أسقط النظام الدكتاتوري البعثي عملت القوى والاحزاب السياسية ، المتأقلمة مع المشروع الامريكي أو الرافضة له ،على تعزيز مكانتها وتحصين قدراتها ، بالاموال والمليشيات وفرق الموت ،المفخخات والارهاب ،المعتقلات والسجون السرية ،التهجير القسري والاختطاف وأقامة الاقطاعيات القومية والطائفية وأشعال فتيل التناحر القومي والطائفي ليأخذ مديات أوسع حتى أصبح العراق من أخطر مناطق الصراعات والحروب الطائفية . وفي نفس الوقت فإن هذه القوى والاحزاب قد عملت على تأطير نموذجها للسلطة وتصديره في سوق السياسة العراقية . نموذج يحمل الكثير من الكذب والزيف والخديعة السافرة ولكنه في نفس الوقت يحمل الكثير من بذور التسلط والاستئثار بالسلطة .
ما يحدث في العراق الان هو أن نماذجاً من الساسة ورغم كل ما يدعونه من أحترام للتوجهات الديمقراطية والاليات الدستورية الا إنهم لايستطيعون أخفاء توجهاتهم ونزعاتهم نحو التسلط والممارسة الدكتاتورية ، فكل ما يقومون به أنما يعزز من قدراتهم وأنفرادهم بالسلطة . ولو أخذنا بنظر الأعتبار ما يحدث في الاقليم الديمقراطي السعيد ، من ممارسات وفساد واستبداد وشراء ذمم ومحاربة وتثبيت لحكم وتسلط الزعامات القومية العشائرية وتحكم في مصير سكان الاقليم وبوضائفهم ومصائرهم ، فأننا سنكون في مواجهة دكتاتورية سافرة لاتتهاون عن تثبيت حكمها وترسيخ وجودها والاستئثار بكل شيء في كردستان العراق . بذريعة تحقيق المصالح القومية ليس للأكراد العراقيين وحدهم ، بل لأكراد العالم قاطبة !!!.
لم تكن صورة المالكي المحمولة على الاكتاف في أحد الاستعراضات العسكرية في مدينة الموصل العراقية في الاول من تموز الجاري إلا تعبيراً عن هواجس النمط المتسلط أو الساعي الى فرض السلطة حتى وإن كان بإستنساخ نموذج كرهه العراقيون ولكن الذين رفعوا صورة المالكي وحملوها على الأكتاف في عرض عسكري وفي منطقة ساخنة في عرف العسكر أو متنازع عليها في عرف الأكراد !!!، يرسلون للعراقيين وللقوى السياسية المتصارعة على السلطة في العراق أشارات شتى ولعل ما ذهبنا اليه في مفتتح هذا المقال أحدها ، فهم لايريدون أن تمحى صورة الدكتاتور المتسلط المحمول على الأكتاف من ذاكرة العراقيين وأن هناك من يتطلع وبشوق كبير لأخذ مكانته . إن نموذجاً كهذا كرهه العراقيون لانهم وجدوا فيه نموذجاً متجبراً وكارها لأن يعيش الانسان حياته بكرامة . ولعل ما كتبه أحد رسامي الكاركاتير العراقيين بعد أن رسم لوحة كاركاتيرية لصورة المالكي المحمولة على أكتاف الجنود( تيتي تيتي ..)*1 ،وهي مفتتح جملة يرددها العراقيون بسخرية وباسى أيضاً كلما صادفوا موقفا يذكرهم بحادثة ما (تيتي تيتي مثل ما رحتي أجيتي) ، يأتي تعبيراً عن حيرة العراقيين الذي استبشروا خيرا من أن صور القائد الضرورة المحمولة على الاكتاف والمتواجدة في كل زاوية وكل شارع من مدن العراق مذكرة أياهم بالجبروت والغطرسة والخضوع لن تعاود الظهور مجدداً ولكن هناك من لا يريد لهذه الصور و ما تحمله من دلالات أن تفارق ذاكرة ومخيلة العراقيين .
ما ينطبق على المالكي ينطبق على الكثير من الساسة العراقيين الذين يمارسون كل ما من شأنه أن يعزز تسلطهم وتشديد قبضتهم على الذين يحكمونهم وجعل مصيرهم رهينة بيد المؤسسات والاجهزة التابعة لسلطة أحزابهم ، فلا عمل ولا وظيفة ما لم تكن عضوا في هذا الحزب ولا حرية تعبير عن الراي ما لم تكن تصب في صالحه وإن ما يكتب عكس ذلك كأن يكون كشف لمستويات الفساد وأستغلال السلطة وفضح للممارسات المنافية لحقوق الأنسان فهو مؤامرة وتشويه لسمعة وكرامة هذا السياسي المقدس وتناهض تطلعاته القومية والتسلطية .
هل يمكن أن يحكم العراق نظام لايستند الى القمع والدكتاتورية والتسلط السافر ..؟ هذا سؤال يتكرر دائماً ويأتي منسجما مع ما يطرحه الذين يدعون بحقانية الانظمة المستندة للدكتاتورية والذين يقولون أن العراق شعب لايمكن أن يحكم الا بالطغيان والجبروت ولكن واقع الحال يقول : إن بالامكان أن يوجد في العراق نظام سياسي ديمقراطي عادل وقادر على حفظ الامن والسلم الاهلي دون تسلط ودون جبروت . إن ذلك يتحقق عندما يتمكن المجتمع العراقي من أفراز قوى سياسية جديدة تعى حجم التغيير الذي حصل في العراق وتعي حجم المعضلات التي يواجهها العراق . إن بوادر ولادة هذه القوى قد بدأت تبرز للعيان بعد الرفض الشعبي الواضح والصريح للقوى الطائفية المتسلطة في العراق ورفض ممارساتها وفسادها ورجعيتها السياسية والدينية ونزعاتها التسلطية والاستبدادية .
هل يطول الأمر حتى تتبلور هذه القوى وتأخذ على عاتقها مهمة أدارة شؤون البلاد وتخليصه من شوائب القمع والتسلط ..؟ من المؤكد إن أستيعاب ما حدث في العراق منذ التاسع من نيسان من عام 2003 وأستيعاب الآثار الاجتماعية والسياسية المترتبة عليه سيكون بحاجة الى وقت طويل وفي نفس الوقت فأن من أولى نتائج ذلك هو أنبثاق قوى سياسية ومجتمعية لاتخرج من تحت عباءة الاحزاب التقليدية القائمة في العراق الان ولا تحمل أمراضها ولاعقدها ولا قدسيتها المريضة . قوى سياسية وقوى نقابية ومهنية ومنظمات مجتمع مدني تعمل وفقا لمعطيات تتخذ من الأنسان وكرامته وحرياته الاساسية نقطة شروع لها و تستند الى واقع أجتماعي يتطلع الى حياة حرة وكريمة تليق بشعب ومجتمع عانى ويلات ومصائب لم ترحمه قط . هل يطول الأمر ..وهل إننا نحلم ؟ لا نتمنى ذلك حتما ولا نتمنى أن يطول الحلم أيضاً . إن تحقيق أمر كهذا مرهون بابناء وبنات العراق بقدراتهم وأمكانياتهم في كشف الزيف الذي يحكم البلاد وفضح الساسة المفسدين ،مرهون بقياداته السياسية والمجتمعية الشابة المتحررة والمتطلعة لغد خال من الظلم والاستغلال .
1- http://summereon.net/articles_sommereon_sorttitle_userhgfhgyrtesedum_newscat.php?sid=8399
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الشعب هو الذي يخلق الدكتاتور
عزيز الملا
(
2009 / 7 / 7 - 21:26
)
نعم ايها العزيز شاكر الناصري اصبت جدا فيما ذهبت اليه ..وتجربة شعبنا المؤلمه مع حكم صدام لم تنمحي من الذاكره فالامي المسكين وحد من صدام رمزا اكثر قدرة منه في التعبير والكلام ال معسول وشيخ العشيره جعل من صدام مفخره للعشيره والشاعر مجد صدام وصوره بانه االرب والاب ورجل الدين اعتبره من سلالة الانبياء والرسل وهكذا اذا ترك الشعب وتربى على مثل غير سليمه فبأعتقادي انه يخلق الدكتاتوريات المتعاقبه ..سيما ان شعبنا لازال يعاني من الفاقه والعوز والحرمان
لست هنا مدافعا عن المالكي لكني سمعت منه ردا على احد المثقفين جدا عندما كان يلتقي بمجموعه من الكتاب والمثقفين وهتف احدهم ليقول بالنص :انت العراق والعراقيون فداءا
فقاطعه وقال انت العراق وكلنا نمثل العراق ..من حينها لم اسمع تلك الهتافات السيئه التي تمجد وتغدي السئ والقبيح بطلا واسطوره
نعم لقد ولت تلك الممارسات ويجب ان تكون رقابه شديده من قبا منظمات المجتمع المدني وعلى السلطات التشريعيه ان لاتسمح بوجود الصور الكبيره المقززه التي باتت تستفز مشاعر الناس في الشوارع والساحات وهي تذكرهم بصور المقبور صدام عندما كانت لاتعد ولاتحصى وفي ليله وضحاها ازيلت بلا رجعه
نعم ايها الاستاذ الكريم شاكر الناصري ان عقدة الدكتاتوريه متاصله في شخصية الفرد الع
2 - المصيبة اعظم
ابراهيم
(
2009 / 7 / 7 - 21:54
)
الاستاذ شاكر الناصري المحترم
تحية طيبة
واذ اوافقك في ما ذهبت اليه,من تداول الدكتاتوريات بين الحاكم ومعارضيه الذين يتاح لهم الحكم بعده ومعارضيهم الذين قد يتاح لهم الحكم بعدهم ,فان الامر يخرج عن كونه سمة تخرج من (عباءة )ايديولوجيا دكتاتورية , بل الامر كما احسب يحتاج الى تقص ابعد يسهم فيه علم الاجتماع وعلوم الاقتصاد والنفس والتاريخ طبعا (كما استخدمته في مقالك لقصد استقراء الظاهرة )
المشكلة ايها الاستاذ شاكر تكمن في (ظاهرة ) مسكوت عنها او غير متضحة للعيان بعد , تتمثل في ان الدكتاتورية ليست صناعة الحاكم الفرد لوحده (اي نتاج تكوينه الفسيو سايكولوجي فحسب...ومن ثم تداولها ..كمنهج فيمابعد ,والى ابد الابدين !!)
المشكلة تكمن في اننا نمارس الدكتاتورية انطلاقا من البنى الفوقية (المثقفون وارثهم الثقافي والمرجعيات المؤسسة لكافة المنظومات المعرفية التي نتداول عبرها الافكار مهما اختلفت رؤاها ومهما حسبنا اتساع آفاق بعضها )
في رواية الكاتب العظيم دوستويفسكي(والذي غالبا ما اظنه كاتبا عراقيا يتحدث عن نفوس واحوال العراقيين )في روايته (ذكريات من منزل الموتى ) يقول ما معناه تقريباان لم تخذلني الذاكره :
:
انك لو وضعت فلاحا اميا خلف منضدة صغيرة واجلسته على كرسي وكلفته باتفه واجب ..لوجدته
3 - كيف يكون البديل
أحمد السعد
(
2009 / 7 / 8 - 19:51
)
تساؤلك يا أخ شاكر يدل على فقدانك الثقه بالطبقة العاملة وبقوى اليسار والديمقراطيه التى انت وكثير من الناس أجزاء مهمة منها ، الحقيقه أن قوى الأسلام السياسى المتسلطه على أرادة الشعب العراقى لاتمتلك سوى هذه الأساليب فهى فى حقيقته غير ديمقراطيه وتخشى الجماهير ولذلك تتخذ من العواطف والمشاعر والطقوس الدينيه واسطتها ووسيبتها للتقرب من الناس ، أن قوى اليسار والديمقراطيه هى الوحيدة التى تمتلك الرؤيه الواضحه والصحيحه لعراق يؤمن الخبز والكرامه لأبناءه وزهذه القوى موجوده فى الشارع مثلما هى موجوده فى ضمائر الناس الفقراء الذين يجدون مصلحتهم فى التغيير الحقيقى فى الخروج من ربقة الأسلام السياسى وحكوماته والأرتباط مصيريا بالأقتصاد الحر والخضوع لأرادة البنك الدولى ، شعبنا يريد بناء تجربة جديده ولعل تجارب شعوب امريكا اللاتينيه الناهضه قد أثبتت للبشريه أن الشمس التى غربت عن شرق اوربا عادت للشروق من أمريكا اللاتينيه.
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر