الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنوب أفريقيا: من العنصرية إلى العالمية

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 7 / 8
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لا جدال أن الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية فى دولة من الدول قد تسوء لدرجة أن بعض مواطنيها قد يصابون بيأس بالغ يفقدون على أثره أى أمل فى إنصلاح الأحوال غير أن الأوضاع الخاطئة والسياسات الفاشلة المنبوذة لا تدفع عجلة التقدم إلى الإمام بل تدفعها إلى الخلف وهذا الأمر قد يؤدى إلى انهيار كيان الدول والإمبراطوريات. وفى ظنى فإن إيمان فئة من أفراد الشعب، قل عددهم أم كثر، قد يبدل الأوضاع ويعجل بتصحيح الأخطاء لإنقاذ الوطن وهذا ما حدث فى جنوب أفريقيا. لا نضيف جديدا إذا قلنا إن جنوب أفريقيا قد قامت على سياسات عنصرية أدت إلى عزلتها عن العالم وأكسبتها سمعة سيئة لم تستطع تحملها حتى النهاية. وفور الرجوع عن السياسات والممارسات غير الأخلاقية فإن جنوب أفريقيا استطاعت أن تتبوأ مكانة عالمية فى مجالات مختلفة لم تستطع أية دولة افريقية تحقيقها. وفى نفس الوقت نقول إن المعاناة الطويلة والحرمان الذى عانى منه السكان السود والملونون ترك جرحا غائرا لم يندمل بعد، جرح نراه متجسدا فى نسبة الجرائم التى تعانى منها هذه الدولة.

من المعروف أن جنوب أفريقيا تقع فى جنوب القارة السوداء وتبلغ مساحتها 2798كم2 ولا يزيد عدد سكانها عن 48 مليون نسمة، حوالى 80% منهم ينتمون إلى الأفارقة السود. لقد عانت هذه الدولة من سياسات الفصل العنصرى أكثر من ستين عاما وتحديدا منذ عام 1948م ولم تتخل عن هذه السياسات بعد أن حصلت على استقلالها من بريطانيا العظمى فى عام 1961م حيث تم تقسيم الشعب إلى ثلاثة عناصر: البيض والملونون والسود. قد لا يعلم الكثيرون أن البيض هم النازحون من أوربا إبان اكتشاف الثروة المعدنية والملونون هم الأسيويون الذين تم جلبهم للعمل فى مناجم الذهب. أما السود فهم السكان الأصليون الذين ينتمون الى قبائل الهوسا والزولو. ويعتبر الرئيس فردريك دى كليرك (1989م-1994م) هو أول من هوى بمعوله على صخرة العنصرية فى جنوب أفريقيا، الصخرة التى احتوت أحشاؤها على ترسانة من التشريعات العنصرية البغيضة وعقب انتهاء العنصرية فى جنوب إفريقيا فى عام 1990م وما تبعه من إطلاق سراح نيلسون منديلا الذى قضى قرابة 27 عاما فى سجون بريتوريا، فقد تبنت الدولة النظام الديمقراطى كوسيلة لانتقال السلطة وتجلى ذلك فى الانتخابات التى أجريت فى 27 ابريل عام 1994م حيث نجح حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى برئاسة مانديلا فى الحصول على أغلبية الأصوات . لقد قرر منديلا أن يتخذ خطوات جريئة لرأب الصدع فى المجتمع ذى الثقافات المتعددة حيث بادر بتشكيل لجنة مصالحة وتقصى حقائق مهمتها إماطة اللثام واللجام عن الجرائم التى ارتكبت خلال مرحلة الفصل العنصرى.

ولم تدخر لجنة المصالحة والبحث عن الحقيقة التى ترأسها القس ديزموند توتو جهدا فى سماع شهادة كل من تعرض للتعذيب أو التنكيل فى ظل النظام العنصرى وتقدم إليها أيضا بالشهادة مرتكبو الجرائم السياسية طالبين العفو والمغفرة عن الجرائم التى ارتكبوها وكان الهدف من وراء ذلك هو إحداث مصالحة قومية من شأنها أن تساهم بشكل إيجابى فى التحول إلى النظام الديمقراطى. ورغم جهود لجنة المصالحة فى تضميد الجراح إلا أن الآثار المترتبة على سنوات الفصل العنصرى ستظل تلقى بظلالها على السلام الاجتماعى فى جنوب أفريقيا. لقد أجرت الأمم المتحدة إحصائية للجرائم التى ارتكبت حول العالم فى الفترة من 1998-2000 حيث تأتى جنوب أفريقيا على قمة دول العالم قى جرائم الاغتصاب وفى جرائم اختطاف السيارات والسرقة والمخدرات وتعتبر العاصمة جوهانسبرج أخطر مدن العالم قاطبة مما حدا بكل مواطن بحمل سلاح نارى لحماية النفس والعرض.

من الواضح أن اللجنة استطاعت تحقيق الكثير من أهدافها وأهمها ترسيخ الحس القومى وتدعيم الانتماء الوطنى. وهذا كان كافيا لتتفرغ الحكومة لتحقيق الوئام مع العالم الخارجى وفى ظنى فإنها نجحت فى تحسين صورة البلاد من خلال تنظيم واستضافة حدثين كبيرين. لقد استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم للقارات فى يونيو 2009م وهو المحفل الذى لن ينساه المصريون حيث تألق فيه الفريق المصرى ملحقا الهزيمة بالفريق الايطالى الذى حصل على كأس العالم فى عام 2006م وكاد أن يفعلها مع الفريق البرازيلى لولا سوء الحظ. أما الحدث الثانى الذى سيشهده العالم فى جنوب أفريقيا فهو كأس العالم رقم 19 فى عام 2010م وهذا حدث تاريخى بالنسبة لهذه الدولة التى تعتبر أول دولة افريقية تشهد مدنها فعاليات هذا الحدث العظيم. لقد استطاعت جنوب أفريقيا فى فترة وجيزة اعدد وتجهيز تسع ملاعب رياضية فى تسع مدن هى ديربان وكيب تاون وبلومفنتين ونلسبرويت وبورت اليزابيث وبريتوريا وجوهانسبرج وراستنبرج وبلوكوين.

وليس سرا أن انجازات هذه الدولة التى كانت مثار سخرية واستهجان العالم إبان مرحلة الفصل العنصرى أو الأبارتايد لا ينحصر فى المجال الرياضى فحسب بل امتدت إلى مجال حيوى وهو التعليم. لقد أصبحت لدى جنوب أفريقيا ثلاث جامعات فى قائمة الخمسمائة جامعة وهى جامعة كيب تاون "رقم 201" وجامعة ويتووترساند "رقم 303" وجامعة كوازولوناتال "رقم 402". روز اليوسف، عدد 1219، 6 يوليو 2009م، ص9.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة