الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد : مصالحة وطنية أم تصالح مع الذات ؟

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 7 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان للمحور الثلاثي القديم " سوريا _ مصر _ السعودية " والذي أوكلت إليه إدارة منطقة الشرق الأوسط سياسيا طوال عقود سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دورا بالغ الأثر في تنفيذ ورسم اتجاهات ومعالم المشهد السياسي العام والخاص على صعيد المنطقة . وقد كاد بالفعل أن يصبح نواة قوة إقليمية استطاعت التفاهم مع الغرب ومع النظام الدولي وحفظ وضمان وتقاسم المصالح معهما لفترة زمنية طويلة نسبيا ، لولا تنامي وصعود تيارات الإسلام السياسي كقوى بارزة أعادت رسم الخارطة السياسية من جديد بعد أن تمكنت من احتلال مواقع مهمة في الساحة الأمامية للصراع وعلى الأخص في فلسطين ولبنان، علاوة على تهديدها الجدي، للأوضاع الداخلية في بلدان عربية أخرى .

وقد جاء حينها مشروع "الشرق الأوسط الكبير" ، عشية تلك الأحداث والحروب في أفغانستان والعراق، وكان يتضمن أعادة صياغة جوهرية للتحالفات السابقة والضغط الشديد على الحلفاء القدامى حد إدراج أحد أقطابه علنا ضمن محور الشر، بعد الشعور المتزايد للولايات المتحدة والنظام الغربي عموما بالخطر الشديد، ليس فقط على مصالحها في المنطقة وإنما أيضا على أمنها الداخلي الذي لم يعد بمنأى عن ضربات الإرهابيين وتهديداتهم ، ولدرجة أن بعض المراقبين توقعوا في ذلك المناخ السياسي المحموم، بروز لاعبين جدد بغرض تشكيل محور بديل، وكان من أبرز المرشحين لتلك الأدوار : العراق الجديد وتركيا وربما إسرائيل أو إيران . وبطبيعة الحال لم يكن ذلك المشروع مبسطا ومتهافتا فقط، ولكنه كان جاهلا بالمعنى العميق للكلمة، بالخراب الشامل الذي ألحقته السياسات المستبدة بالإنسان والأوطان وبالتكوين الاجتماعي لبلدانها واختزانها لقدرة هائلة على التدمير الذاتي، يفوق حد التصور والخيال.

وعلى الأرجح أن الإدارة الأمريكية الحالية أدركت تماما أخفاق استخدام القوة في التوصل إلى نتائج سياسية ايجابية في منطقة حبلى بالتوترات الكثيرة والنزاعات المركبة ، وخصوصا أن القسم الأكبر من شحنة الإرهاب قد أفرغت نفسها في مكانها أيضا .

واليوم تعود إدارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى المربع الأول، في سعيها لأحياء المحور الثلاثي القديم ضمن أجواء التهدئة والمقاربات العربية التي باتت مطلوبة دوليا .وبالمقابل هنالك العديد من الأطراف العربية التي في صدد إعادة النظر في سياساتها استجابة لهذا المناخ الدولي .

في هذه الأجواء والترتيبات والمتغيرات السياسية عربيا وإقليميا ودوليا ، تعود قضية المصالحة الوطنية في العراق للمرة العاشرة وربما أكثر ، إلى صدارة المشهد العراقي وتشكل اليوم عنوانها الأبرز . وعلى الرغم من أن للمصالحة الوطنية مؤيدين ومعارضين في أوساط النخبة السياسية والمجتمع على حد سواء ، إلا أن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل والتسويف والرغبات، نتيجة عامل مهم وهو أن الإرادة الرسمية العراقية لايمكن أن تقرر وحدها كل شيء بعد الآن وخصوصا بعد انتقال مركز ثقل الأحداث من داخل العراق إلى مكان أو أمكنة أخرى ، وفي نفس الوقت هنالك أطراف عراقية من داخل العملية السياسية باتت اليوم من القوة مايجعلها لا تخشى دخول لاعبين جدد تحت مسميات جديدة، بل وبالعكس قد يصب ذلك في مصلحتها وتحالفاتها في الانتخابات القادمة في نهاية العام الجاري، أو الانتخابات التي بعدها، لايهم ، فالمهم أن ضوءا أخضرا خفيا قد أعطي ولا وجود لفيتو حقيقي، إلا على عناصر القاعدة على المستوى المنظور، رغم التصريحات الإعلامية المناقضة هنا أو هناك .

ذلك هو المضمون الداخلي للمصالحة الوطنية العراقية في تقديري ، وقد يسبق ذلك إطلاق سراح المعتقلين في السجون، كخطوة أولية تصاحبها خطوات أخرى وتعديلات قانونية وحقوقية وربما دستورية، ومراجعة بعض القرارات السابقة بشأن اجتثاث البعث والمسائلة والعدالة وغيرها من الأمور التي تصلح أن تكون شكلا خارجيا يمهد لذلك المضمون .

ثمة من يعارض هذه المصالحة مكتفيا بتوفير شكلها الخارجي في حدودها القصوى والأبهى، إن تطلب الأمر، ولكن دون تحقيق المضمون ، غير أن هذه المعارضة باتت اليوم مشتتة ومتأخرة كثيرا .

تلك هي ثنائية الصداقة والمصلحة الشهيرة في عالم السياسة . ورغم شهرة تلك العلاقة، فأن التاريخ كما يقال، لا يعلمنا إلا شيئا واحدا وهو أن لا نعرف شيئا.

وبهذه المصالحة الوطنية التي طال انتظارها ، قد تنطوي صفحة الماضي الديكتاتوري البغيض وصفحة أكثر النظم السياسية انحطاطا في الشرق الأوسط ، وقد يكون ذلك فقط ، إلى حين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو