الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم الريس عمر حرب .. وإشكالية الفاعل والمنفعل

أمل فؤاد عبيد

2009 / 7 / 10
الادب والفن


في معرض قراءة متأنية لمحتوى الرمز لفيلم " الريس عمر حرب " نجد أن هناك ما يستحق التقدير والفهم وأيضا تسليط الضوء على ذاك البعد العميق الذي يتأسس عليه الفيلم .. إن كان من حيث السيناريو أو من حيث الإخراج .. فكلاهما سويا كانا بحق توليفة جادة استطاعت أن تفرض مصادقية خاصة تشد المشاهد وإن كنت أظن أن الكثير من المشاهدين قد لا يكونوا وقفوا على ما يهدف إليه الفيلم وإن كان بوعي أو بدون وعي من المؤلف والسيناريست .. إنما وجدت أنه قد يكون هناك إضافة جديدة على مستوى الذوق الفني والتذوق الإنساني واستهلالا لما سوف اقرأه .. يأخذنا إعجاز خلق الإنسان لفكرته إن كانت فكرة مدمرة أو فكرة بناءة .. وهي تبقى عملية خلق بحثا عن خلاص ما .. وإن تشكلت الفكرة في قالب درامي أو فانتازي أو كوميدي .. يبقى الخلفية محط استقطاب لأساس وتأسيس ما .. وقليل من الأفلام التي تمنحنا وقتا من الكشف أو الانكشاف حتى لو كان من خلال تعري معين .. أو هي محاولة قراءة تحث على فض اشتباك الإحساس بين واقع منكشف / متخفي .. بظلال نفسيات مختلفة .. ومفاعيل متوافقة / متضاربة .. وطموح أو هدف ما .. يتحسسه الكاتب على مهل وكأنه يطرح على نفسه سؤال ما .. يفض نزاعه الشخصي على محل السؤال بعرض منفتح على الآخر .. وبمشاركة المساهمين في تنفيذ الفكرة .. تتخلق هوامش من محاولات الفهم كإضافات فريدة .. وقد تكون هوامش تشتت أصل الفكرة .. ومضمونها .. لذا فإن أي إنتاج أدبي أو فكري أو فني أو أي جسد تشكيلي .. يصبح في النهاية وليد يرتكز على محايثته لوجوده .. ويصبح واقعا يفترض اهتماما وانفصالا عن الآخرين ..
في زمن مثل زماننا هذا تصبح للأسئلة اهتماما ومرادفا لوجود الفرد وتحصيل الإجابات تصبح رهنا لامتداد الزمان والوقت ومسافات الرحيل بين الحقيقة والزيف .. وبين الوهم والحق .. وهو في ارتحاله يتحقق أصابعه التي تتحسس كيانه باطنا وخارجا .. في الفيلم هناك البطل تقدم حضوره حلم له من الضرورة الرمزية وإشاريتها بأكثر مما يتخيل المشاهد أنه مشهد عارض .. فهو مفتاح الفيلم كمقدمة ونهاية .. يحمل من البعد النفسي لما له من كثافة مؤسسة لسيرورة الأحداث في الفيلم .. ها هو ذا يجد نفسه واعيا لاعتقاله في محك لعبة الخسارة بدلالة المكان وهو الصحراء .. وإحساسه بضرورة الملاذ والهروب .. والانفلات ولكنه جاء متأخرا ليأخذنا الكادر في نهاية المشهد .. وهو يسقط هاويا بانكسار بجانب نبات الصبار.. وما هي إلا إشارة بعزم الصبر على بلاء الصحراء وسجنه الذي سوف يقيم فيه ولربما هي إشارة إلى قدر الإنسان .. وما الحياة إلا اختبار يتطلب الصبر والقدرة على الاحتمال .. ويأخذنا الفيلم مراحل من حالات إلى حالات من الارتجال أو التوظيف الحقيقي لمشاهد اللعب على أوتار من الإحساس بالرفض أو القبول .. وأحيانا يفتعل المخرج لقطات تقيس حرارة هذا البطل وإقباله أو فراره وهو على مفترق محك الاختبار الصعب للسقوط أو الفرار من قفر السجن ألا الأخلاقي وأيضا يقدم لنا مشاهد متوسطة تعكس حالات وعي البطل وهو يفض اشتباك إحساسه مع واقع اللذة كلذة مفروضة فرضا وبين اختياره الفعلي ..ليقدم لنا من جهة أخرى ما يصدر من البطل ذاته من محاولات اشتباه السلوك على مستوى العمل .. ومن ثم يركز المخرج على بطل الفيلم كحركة لوعي داخلي / باطني وأيضا خارجي على مستوى الفعل مع الذات / الآخر .. حتى على مستوى المشاعر ينتابنا إحساس بالمرارة على سبيل التعاطف معه لأنه كان مخلصا أو هو في حاجة إلى هذا الإخلاص لأنها المساحة الوحيدة التي تشعره بآدميته الحقيقية .. وولائه لها .. وجاء معبرا عن هذه المشاعر بنوع من الإيجابية تشير إلى فطرة طيبة .. ولكن .. هناك العيون التي تخترق جدار هذه الإنسانية وتفترض حصارا من الانحراف يفيد طريقها الخاص .. هو توظيف لإمكانات القدرة في طريق مغاير .. الشيطان لا يغتر بفقير العقل أو النفس .. فلا يحتاج لأدوات للإغواء به .. إنما يحتاج لتلك العقول المدبرة ليفيد مسائله الخاصة .. وقد تأتي إغواءاته في محلها ويصدق قوله فيمن يتبعه .. وقبيل النهاية يرفع الستار عن حقيقة الفاعلين والمفعول بهم لنجد الشيطان وقبيله .. يتعاملون في سرية الخفاء خلف الكواليس .. وكيفية تمكنيهم من خلال أدوات و شروط الكبير فيهم .. ولكن نجد في مشاهد معينة خاصة عند إهانة البطل .. قد عبر المحيطين به عن ألم انفعالهم بالموقف .. فنشعر بفارق بين انفعال التابع وانفعال المتبوع .. بين الشيطان الرأس الكبيرة وبين المستضعفين فيه .. فهم مازالوا على بعض حال البطل ولكن اضعف حالا .. ذلك أن سر هذا الضعف هو إحساسهم بانفعالهم من حيث أنهم فاعلين ومفعول بهم فهم يدركون تسليمهم المطلق للشيطان الكبير .. مدركين بوعي تام أن طاعتهم من إرادتهم حسبما تمليه عليهم رغباتهم واحتياجاتهم .. إنما يبقى البطل متميزا بظلاله الخاصة و بتلك الرؤية ذات الدلالة الحية على عنصر مغاير .. فهو يتوسط موقعه من حيث أنه فاعل بالآخر كأداة وقيعة لجذب الصغار العملاء .. و ما يتلقاه من دروس وأوامر من الرأس الكبيرة .. التي تتحرك من خلف .. ولكنها بالضرورة تقف في واجهة البصر .. فنجد أن البطل فاعل ومفعول به في آن .. يتوسطهما إحساس انفعاله .. فتجذبه حالتي الإحساس كفاعل ومفعول به .. ويبقى سر توازيه وتواجده الحقيقي فقط وهو منفعل بكلتي الحالتين السابقتين .. ليصبح مسؤولا عن تحديد ذاته كذات منفعلة تخصه لوحده .. الفيلم يتحدث عن موقف الإنسان .. قد لا نشك في لحظة عند تأمله بعين البصيرة .. أنه يقدم ملحمة على مستوى شخصي / عام .. ومسألة صيرورة وسيرورة في آن .. صيرورة الأحداث والمواقف .. وسيرورة الزمن والعقل والضمير .. نجده قد يشبهنا .. في معترك صراعنا بين الخير والشر .. بين الرضا والسخط .. وأيضا شعورنا بذواتنا كمنفعلين حقيقيين في دائرتي الفاعل والمفعول به وفيه .. في العادة نرى أنفسنا فاعلين ومفعول بهم وهكذا على مستوى مشاهدة الآخرين أو أبطال الفيلم .. ويعتبر هذا مجرد مداخل تشرع في النهاية مقياسا للوعي والإحساس بالمنفعل فيه وبه .. إن المتصور النهائي الذي يجب أن نحصله هو تحديد المنفعل فيهم وفينا.. وجميعنا على سواء نتقاسم فعل البطل كفاعل ومفعول به ومنفعل .. وبعد قطع مسافات من التحديات تتكشف اللعبة الخفية ليسلط المخرج في نهاية الفيلم الكادر على حركة فاعلة لأبطال الفيلم يظللها صوت البطل وهو يحاكي نفسه .. صوت ينبض بحسرة وشوق معا .. وأمل ورجاء بالخلاص .. متأملا راجيا أن يكون هناك فرصة ما للخلاص والهروب .. ويبقى السؤال لما هذا الرجاء وكيف له أن يكون حقيقة أو ما الذي يمنع أن يكون حقيقة .. فيظهر لنا حنكة المخرج في هذه النهاية ليظلنا من خلالها بضرورة التطلع في حال الحال .. وتصبح مشاكلة النهاية هو في حقيقته توازيا مع مواقفنا ومن ثم يطرح سؤال المناجاة العميقة في النجاة .. لربما لم تسعفني الكلمات بكثير من التوضيح لما أريد توصيله ولكن هو مجرد دخول للفيلم من جانب جديد .. قد يضفي على المشاهدة ذكاءا وإذكاءا لمشاعر مستلبة داخلنا في الحياة اليومية .. ولربما محاولة هذا الإذكاء تمنحنا فرصة تأويل لوجودنا تكون جديدة تبعث على النفس شعورها بعدم الإهمال .. فالنفس المهملة تصبح تعيسة .. ولكن في حال استشعار المنفعل فيها من خلال مشاحناتها وصراعها .. تتحرك صوب الرجاء بكثير من الأمل بنجاتها .. وتفض بكارة إحساسها بالحياة مع كل فجر جديد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لو سمحتي ؟؟؟؟
عماد البابلي ( 2009 / 7 / 10 - 16:38 )
تعليقك رائع جدا ويتسم بذاتية فنية خاصة بالنظارة التي ترتديها ، لكن الريس عمر هو أشتقاق رياضي لمفهوم الشيطان الذي يتحكم في كل مفاصل الحياة ضمن معادلة وجودية اولية تتعلق بقصة الخلق الأولى .. وفق منظار لاهوتي ينجح كادر الفيلم في ايصال فكرتهم لكن ضمن منظار تشاؤمي حزين
شكرا لك

اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع