الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور يا دكتور!

رمضان متولي

2009 / 7 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة، استضاف الإعلامي أحمد منصور الدكتور يحي الجمل في حلقة حول الدساتير في دولنا العربية، أهميتها ومدى احترام السلطة لها. وحرص الدكتور الجمل خلال اللقاء الذي بثته القناة خلال الأسبوع الماضي على تأكيد غياب الحياة الدستورية في بلادنا، وخاصة في مصر حيث يوجد دستور شكلي ومعيب إلى جانب شخصنة الدولة وضعف مؤسساتها.

الدكتور الجمل قال أيضا أن الحياة الدستورية السليمة تعتمد على وجود رأي عام يحمي الدستور ومؤسسات مؤمنة بأدوارها فلا تسمح للمصالح والرغبات الشخصية للنافذين في السلطة التنفيذية بالتجاوز على مبادئ الدستور وأحكامه، مشيرا إلى أن الدستور أنشيء بالأساس للموازنة بين "ضرورة" السلطة من ناحية و"حرية" الشعب من ناحية أخرى.

اقتراحات الدكتور الجمل لمعالجة الأزمة السياسية في مصر حاليا تتماشى مع ميول وأفكار رجل القانون الذي ساهم في وضع دساتير العديد من الدول، فوجهة نظر الرجل أننا بحاجة إلى وضع دستور جديد وإجراء انتخابات سليمة وإجراء عديد من الإصلاحات في هياكل السلطة تجنب البلاد مخاطر "الفوضى".

عندما أستمع لهؤلاء السادة الذين يتميزون بدرجة عالية جدا من الأناقة في المظهر والأداء، أعرف مسبقا أنني لن أخرج بنتيجة تستحق عناء الاستماع إليهم، لكنها العادة السيئة لمن يفتش عن لباب في كومة هائلة من زبد، رغم بريقه الأخاذ، لا يسمن ولا يغني من جوع. كلام الدكتور وجميع الدكاترة من هذا الطراز الأنيق زبد من هذا النوع. فالرجل لم يبين لنا لماذا لا يقوم "الرأي العام" حاليا في مصر بـ"واجبه" نحو حماية الدستور، ولماذا لا تؤمن المؤسسات بأدوراها، ولماذا تمكنت السلطة التنفيذية، وتحديدا جهاز الأمن، من الرأي العام ومن الدستور ومن المؤسسات الدستورية، ومن هو هذا "الرأي العام"، ولماذا يقوم بحماية أي دستور!

الاقتراح الذي يقدمه الدكتور الجمل أيضا، أي وضع دستور جديد، لا يقدم أي إجابة على هذه الأسئلة ولا يقدم حلا للمشكلة. لقد تم تعديل المادة 76 من الدستور في عام 2005، وجاء التعديل كارثيا بقدر ما هو هزلي، ويتفق الدكتور الجمل مع هذا الرأي، فلماذا يتوقع أن يوفر وضع دستور جديد مخرجا من أزمتنا السياسية؟ لماذا لا يتوقع دستورا هزليا وأكثر سخفا من دستورنا الحالي؟ فالرأي العام مازال غائبا عن حماية الدستور، كما أن المؤسسات القائمة لم يطرأ عليها طارئ يجعلها أكثر استعدادا للإيمان بأدوارها. لكن البديل لذلك من وجهة نظر الدكتور الجمل هو "الفوضى" التي يرفضها لما فيها من خطر "علينا جميعا"!
آراء الدكتور الجمل تذهب بنا إلى نفق مظلم لأنها تضع شروطا غير متوفرة لحل أزمة قائمة، ولا يرى بديلا للحل الذي يطرحه سوى الفوضى المدمرة. شكرا يا دكتور. لكننا لا نرى أن حركة جماهيرية قوية ترادف بالضرورة مفهوم الفوضى المدمرة. والشعوب في حركتها العفوية غالبا تكون أكثر نضجا من السادة المتأنقين الذين يغبطون أنفسهم بقدرتهم على سك المصطلحات المركبة وصياغة الأفكار المنمقة التي لا جدوى ترجى من ورائها رغم ذلك.

كيف يمكن للدكتور الجمل أن يعرف اتجاه الرأي العام في مصر دون أن يعبر هذا الرأي العام عن نفسه في حركة جماهيرية؟ الصحف والقنوات الإعلامية المختلفة إما مملوكة للدولة وتسيطر عليها سيطرة مباشرة أو مملوكة لرجال أعمال يوجهونها بدرجة أو بأخرى نحو ترويج مصالحهم أو تصوراتهم، والتي لا تكون بالضرورة تعبيرا عن اتجاهات الرأي العام كما أنها تخضع بدرجة أو بأخرى أيضا لسيطرة أجهزة الدولة مع بعض التسامح. جميع الأحزاب التي تتمتع بوضع قانوني تم إخصاؤها أو منحت شرعية قانونية بعد التأكد من عدم جدواها أو فاعليتها بحيث لا تشكل أدنى خطر على القائمين على السلطة. ولا نحتاج إلى تكرار ما هو معروف للجميع أنه لا توجد أي قناة مشروعة قانونا يمكن من خلالها قراءة رأي الجمهور في أداء السلطة. فكيف يستطيع الرأي العام الذي لا يجد وسيلة مشروعة يعبر عن نفسه من خلالها أن يقوم بحماية الدستور أو الشرعية؟

وواقع الأمر أن الحركة التي يخشاها الدكتور ومعظم الليبراليين المصريين، إن لم يكن كلهم، هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن رأي الجماهير، وهي الوسيلة الوحيدة أيضا التي تجعل من هذه الجماهير قوة لها تأثيرها وفاعليتها، وإن لم تتجه هذه الحركة العفوية بالضرورة إلى محاولة حماية الدستور القائم أو صياغة دستور جديد. وما ستطرحه هذه الجماهير بقوتها وحركتها إذا استطاعت أن تفرضه سيكون أهم وأقوى وأعلى قيمة من أي دستور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حاول تفكر
أسعد أسعد ( 2009 / 7 / 10 - 10:17 )
أستاذ رمضان
هل تعتقد إن الفوضي الخلاقة هي الحل؟... كيف يمكن حسب كلامك -أن يعبر الرأي العام عن نفسه في حركة جماهيرية
ما هي أهداف هذه الحركة ؟ و كيف يمكن للجماهير أن تتحرك دون وجود برنامج محدد و مدروس له نقطة بداية و نقطة نهاية
و إذا كانت القيادات غير موجودة لأن الجرائد ليس لها تأثير و الأحزاب مجرد ديكور فكيف يمكن وضع حل ثم تطبيق هذا الحل
فكر....فكر ...فكر....و منتظر ردك

اخر الافلام

.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي


.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي




.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف حرب إسرائيل على


.. ما الذي حققته زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية في مفاوضات وق




.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب