الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
«الشاحنة» لنادين غورديمير: عاشق أميركا وعاشقة الصحراء
ابراهيم العريس
2009 / 7 / 11الادب والفن
الخميس, 09 يوليو 2009
بين عام 1991 الذي نالت فيه نادين غورديمير جائزة نوبل للآداب، وسنوات حصول جنوب أفريقيا على استقرارها واستقلالها، وصلت سمعة هذه الكاتبة الكبيرة الى الذروة. ولكن بعد ذلك راح كثر يتساءلون: ما الذي يمكنها أن تكتبه بعدما صارت القضية العنصرية في ذلك البلد الأفريقي الكبير، الذي تنتمي هي اليه وبرزت طوال عشرات السنين واحدة من أكبر كتابه هي التي كانت مواضيعها الأساسية مرتكزة تحديداً على قضية التمييز العنصري؟ صحيح أن غورديمير لم تصدر أعمالاً كثيرة خلال العقد ونصف العقد الأخيرين، ولكن من بين هذه الأعمال كان ثمة رواية أجابت على السؤال وبقوة. بل إن كثراً رأوا أنها تضاهي في قوتها قوة تلك الأعمال التي واصلت غورديمير كتابتها منذ مطلع شبابها وتفتحها على القضايا السياسية من منطلق انساني. هذه الرواية هي «الشاحنة» (أو «الالتقاط» أو «اللقاء» حسبما يحلو للقارئ أن يرى، ذلك ان العنوان نفسه غير واضح المعنى على رغم بساطته).
> من ناحية مبدئية، يذكر بعض ما في هذه الرواية برواية الكاتب الأميركي، الذي كان يقيم ويكتب في المغرب، بول بولز «السماء الواقعية» (المعروفة أكثر بـ «شاي في الصحراء»)، حيث ثمة بشكل أساسي، انما كواحد من مواضيع الروايتين فقط. موضوع افتتان امرأة بيضاء بعبق الصحراء وصوفيتها والتوحد فيها. غير أن ما كان يبدو نوعاً من السيرة الذاتية لدى بولز، يصبح هنا موضوعاً اجتماعياً سياسياً بامتياز. حيث ان غورديمير، من خلال حكاية لقاء وحب بين رجل وامرأة، وصلت الى تعمق لافت في قضايا أساسية ومعاصرة مثل الاقتلاع والاغتراب والصراع الطبقي والهجرة والإيمان ومادية الحداثة، وصولاً الى تصادم الحضارات. واللافت ان كل هذه الموضوعات التي تطرقت اليها الكاتبة من خلال حكاية اللقاء والحب، لم تكن متوقعة منذ الصفحات الأولى للرواية، حيث كانت الهيمنة لبعد بصري أخاذ. ففي بداية البداية تطالعنا المرأة الحسناء جولي سامرز، وهي بيضاء تنتمي، كما سنعرف بسرعة، الى أسرة ثرية، لكنها متمردة على أسرتها. وهذه المرأة حين تلتقيها للمرة الأولى، تكون أمام سيارتها التي تعطلت فجأة وسط شارع رئيسي في مدينة صاخبة (لا ريب انها جوهانسبرغ) في بلد صاخب أفريقي وأسود (هو بالتأكيد جنوب أفريقيا). وإذ يتولى ميكانيكي شاب اصلاح السيارة، تكتشف المرأة وجوده حقاً، بادئة بقدميه ثم ساقيه وبعد ذلك جسمه ورأسه، حين كان يسحب نفسه من تحت السيارة. ومنذ تلك اللحظة تبدو جولي مولعة بهذا العامل الشاب الذي سيقول لها ان اسمه عبده، وستفهم سريعاً، أنه عامل مهاجر بطريقة غير شرعية من بلد صحراوي (غير محدد)، وأنه يتطلع الآن الى الحصول على سمة دخول تعطي وجوده هنا شرعيته.
> إن أول ما تفعله جولي، هو انها - وربما تأكيداً لنزعة غرابة أطوار لديها كونها مثقفة وتنتمي الى جماعة من المثقفين الطليعيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم «مجموعة الطاولة» ويجتمعون دورياً في مقهى إل. إي. كافيه -، تصطحب «عبده» معها الى المقهى لتعرفه على أصحابها. وهناك تكتشف أنه ليس العامل الجاهل الذي تعتقد، بل هو مثقف وخريج جامعة، يريد الآن أن يشرعن اقامته كي يوجد لنفسه مكانة أفضل في المجتمع. لكن الذي لم تخمنه أول الأمر هو ان عبده يتطلع الى أن يتمكن من حل مشاكله القانونية من خلال تدخل التاجر الثري والد جولي في الأمر، هو الذي يعرف علية القوم. بيد ان الوالد سيرفض التدخل، فقط تحسباً كيلا يقال انه انما يستغل صداقاته من أجل عشيق ابنته. ذلك ان «عبده» كان في تلك الأثناء قد أضحى عشيق جولي. وهنا عند هذه النقطة، وإذ يجد «عبده» نفسه مجبراً على مبارحة بلد اغترابه هذا، يجد نفسه في الوقت ذاته غير قادر على تحقيق رغبته في الهجرة النهائية الى أميركا - وربما الى كندا أو استراليا -... فالكابوس بالنسبة اليه هو أن يعود الى وطنه الأصلي، البائس المحافظ الصحراوي والذي يعيش تخلفاً مدقعاً. لكن جولي تريد، كما سنفهم بسرعة، بشكل تحديدي، أن تسافر برفقته الى ذلك البلد الصحراوي. فهي، بمقدار ما أحبته، تبدو تواقة لعيش تجربة الصحراء - وهنا تجد التشابه بين حكايتها وحكاية بطلة «السماء الواقية»، علماً بأن الإحداث التالية، وصولاً الى ما قبل النهاية بقليل، ستتشابه كثيراً مع تلك الحكاية -. إذاً، في النهاية، وتحت وقع الضرورة، وتحت ضغط جولي نفسها، يسافر الحبيبان الى «الوطن» الذي سيتضح لنا أكثر وأكثر مبلغ كراهية «عبده» له. وحين يصلان الى قرية عبده وأهله... وبعد ان نكتشف ان لعبده، أصلاً، اسماً حقيقياً هو ابراهيم بن موسى، وان له أخوة لا يقلون بؤساً وفقراً عنه، سيدهشنا ان جولي لم تر شيئاً من هذا كله. لقد افتتنت بالصحراء وبالعيش هنا. افتتنت ببساطة الإسلام وصوفيته. وبساعات التأمل في الصحراء. افتتنت بهذه الحياة التي تتناقض كلياً مع ما كانت تعيشه من قبل. ولا سيما مع «رتابة» حياتها العائلية وماديتها. وهكذا، بالتدريج، سيظهر التناقض بينها وبين ابراهيم «عبده» واضحاً: هو يريد الخروج بأي ثمن. وهي تريد البقاء، مع ابراهيم أو من دونه. فهي إذا كانت أحبت هذا الأخير، فهي انما أحبت غموضه في المكان وغموض المكان في حياتها الجديدة. أحبت بخاصة ذلك التطور المدهش الذي راح يطاول تجربتها في هذا المكان الذي راحت تستمتع بغربتها عنه. ومن هنا تصبح الرواية سرداً لتطور انسان ما وسط ثقافة لا ينتمي أصلاً اليها. ولعل في وسعنا هنا، أن نحدد موقف الكاتبة من هذا كله، من خلال رسم خط التناقض، بين غربة عبده/ ابراهيم، في الدولة الأفريقية السوداء، حيث كان يريد أن يبقى ولو لأسباب مادية وهروبية (تتعلق بمبارحته وطنه) أول الأمر، فيلفظه المجتمع هناك، حتى من قبل أن تلفظه السلطات، وبين غربة جولي المرحب فيها، كبديل لانتماء لم تعد تريده.
> في هذا التوق الى البعيد، يبدو جولي وابراهيم متشابهين من حيث المبدأ، غير أن الأمر يتعدى ذلك في النهاية: هي تتوق الى عيش يهرب هو منه. وهو يتوق الى عيش تودّ هي ألا تعود اليه أبداً. ومن الواضح، في اطار هذا التقابل بين الاثنين، على رغم ارتباطهما الغرامي، أن نادين غورديمير، تطرح بقوة مسألة قلق الإنسان المعاصر، وغربته في أي مكان وعن أي مكان. وهي، حتى وان كانت في نهاية الرواية ستجد حلاً، ينسف غرام الاثنين انما يرضيهما معاً في ما كانا يتطلعان اليه، فإن هذا الحل لن يبدو إلا حلاً موقتاً: ذلك ان ابراهيم، سيحقق حلمه ويسافر الى الولايات المتحدة، أما جولي فإنها ستبقى في الصحراء. خاتمة الرواية هي نقطة الفراق. فمن ذا الذي يمكنه ان يقول لنا ان كلا العاشقين، لن يندم على اختياره بعد حين؟ في الحقيقة يمكننا هنا أن نقول ان رواية «الشاحنة» تفتح الباب على كل الاحتمالات. بل إن هذا الباب المفتوح، ان أمعنا فيه تماماً، قد نجده يبرر رأي أولئك الذين قد يفضلون ترجمة عنوان الرواية الأصلي Pick Up، الى نقطة اللقاء!
> ولدت نادين غورديمير عام 1923 في احدى ضواحي جوهانسبرغ الغنية (ضاحية تشبه تلك التي يعيش فيها أهل بطلة الرواية الأثرياء). وهي منذ سنوات شبابها الأولى، خاضت النضال ضد العنصرية واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان، مدفوعة الى ذلك بعاملين أساسيين أولهما أن والديها عانيا تمييزاً دينياً ولا سيّما في موطنهما الأصلي بين ليتوانيا ولاتفيا، وثانيهما انها تربت في دير كاثوليكي اشتهر عن رهبانه وراهباته تعاطفهم مع السود والملونين عموماً. وهي نشرت أول أعمالها على شكل مجموعات قصص قصيرة أواخر سنوات الأربعين، لتنشر عام 1953 أول رواياتها «الأيام الكاذبة» عام 1953، وتواصل بعد ذلك اصدار ما معدله كتاب في كل عام بين رواية ومجموعة قصص قصيرة ومسرحيات ومقالات مجموعة في كتب.
عن الحياة اللندنية
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس