الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احزان علي الوردي

سعدون محسن ضمد

2009 / 7 / 11
حقوق الانسان


مالك مهووس بالألم ومجبول عليه.. مُكَرس للإيذاء ومعد للتعذيب؟ مابك يا عراق؟ بالأحرى مالنا نحن الذين نتجرع جنونك، دمارك، لا مبالاتك بنا، إنكارك لبنوتنا، رفضك احتضاننا؟ وإذا كنا نستنكر عليك هياجك وحروبك وجوعك وغبارك فمالنا نحن مولعون بصفات الألم فيك؟
تَحَدَث عن علي الوردي بعينين مفعمتين بحزن الكبار.. قال: ماذا فعل العراق بعلي الوردي؟ ماذا اعطاه؟ بماذا كافأه؟ لم يعترف به العراق إلا وهو على فراش الموت يوم دعي لاحتفالية الاحتفاء به، فرد على الدعوى برسالة تمثل خلالها قول الشاعر: (أتت وحياض الموت بيني وبينها، وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل)..
قال ذلك وهو يشير إلى نفسه ويتحدث عن حاله وحال بقية علماء العراق، قال أيضاً: كنت شاهداً على أحزان علي الوردي ولدي من ذكرياتها ما لو ترجمته لكتاب لاستطعت أن أملأ منه أكثر من أربعمائة صفحة كلها تشهد على قسوة العراق على أبنائه. العراق بلد أزمة، وكانت لدي الكثير من الفرص لمغادرة هذه الأزمة ومنذ أن كنت في السابعة والعشرين من عمري وأنا طالب في إحدى الجامعات الأميركية، لكنني لم أستطع أن أغلب حبي للعراق، ولا أعرف أسبابا منطقية لهذا الحب، لكنني على أقل تقدير أدرك أن لدي على هذه الأرض ذكريات طفولتي وشبابي، وهي لوحدها تستطيع أن تشد قلب أي كائن تؤثر فيه المشاعر والأحاسيس.
هذا ما قاله لي البروفسور قيس النوري عالم الانثروبولوجيا العراقي المعروف، وكنت قد نبشت أحزانه عندما سألته عن آخر ما وصلت إليه (الطريقة/ المهزلة) التي أحيل خلالها هو وبقية عقول العراق على التقاعد، صمت لبرهة ثم قال: طابور التقاعد مهين يا سعدون، مكلف وفاضح. محزن أن بلدك يكافئك على سنين خدمتك بأن يضطرك للاصطفاف بطابور فيه ما فيه مما يبعث على الخزي والعار، ومن أجل ماذا؟ من أجل أن تتذكر بنهاية هذا الطابور أن مكافأة تقاعدك أنت ـ ومهما كانت الإجازات العلمية التي تحملها فاخرة وعالمية ومهما كانت خبرتك العلمية محط عناية واعتزاز جامعات العالم ـ تتساوى ومكافأة تقاعد أي عامل خدمة!! لا فرق.. فالعراق لا يفهم الكفاءة وربما أنه لا يحترمها بل ويسعى جاهداً لقتلها.. مكلف أن العراق يحاصر بقية عقوله بهذا الشكل وكأنه يعاقب فيهم إصرارهم على البقاء فيه.. ثم ضحك قائلاً: المبكي أن هذا العراق مستمر باستدعاء العقول التي هجرته هربا من وباء الحزن فيه، وكأنه لا يكتفي بتعذيب اللاهثين على أرضه بل ويغري البقية التي استطاعت أن تفلت من كماشته من أجل أن يستمتع بإيذائها هي الأخرى.
قال كل ذلك دون أن يبدو عليه أنه مهزوز أو آيل للسقوط، أبدا.. قال شهادته تلك وهو كبير وواثق من خياره، واثق بأن أي شيء وأي حزن وأي إهمال لن يستطيع أن يهز ثقته باختياره العراق. نعم هو لم يهتز لكنني أنا الذي تهدمت من هول مصيره وفداحة أحزانه، حبه للعراق لم ينثلم لكن حبي أنا الذي تهشم.. نعم.. وخلال تلك السويعات أدركت بأن هذا البلد لم ولن يحتفي بغير اللصوص والقتلة والمأجورين. وأن أمامي خيارين، أن أكون لصاً ينهش بلده أو هارباً من أقداره البشعة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3