الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السودانية (إرتباك الأداء وإضعاف الحجج)

أحمد عثمان

2009 / 7 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أطلعتنا المعارضة السودانية مؤخراً في مؤتمر صحفي على رايها القائل بعدم مشروعية الحكومة السودانية (حكومة الوحدة الوطنية) التي إستمدت مشروعيتها من إتفاقية نيفاشا ودستورها من بعد، بعد التاسع من يوليو 2009، بإعتبار أن الدستور الماثل ومن قبله الإتفاقية المذكورة، قد نصا علي وجوب قيام إنتخابات ينتج عنها حكومة منتخبة في فترة أقصاها التاريخ المنوه عنه. وبالرغم من صحة هذه القراءة الدستورية التي لايقدح فيها تخريج المؤتمر الوطني القائم على أن الأتفاقية والدستور لم ينصا على عدم المشروعية في حال عدم قيام الإنتخابات، ولم يقدما بديلاً دستورياًللحكومة القادمة، وذلك لأن تجاوز المواقيت الدستورية يكفي لإسناد القول بعدم الدستورية، وقصور الدستور وعدم تقديمه لمعالجة لايعطي مشروعية ألبتة، إلا أن موقف المعارضة السودانية تشوبه شائبة إرتباك الأداء وإضعاف الحجج مهما كانت قوتها –وهو مادرجت عليه تلك المعارضة- وذلك لمايلي من أسباب:-

1. يذكر الجميع بأن المعارضة السودانية بجميع ألوان طيفها، قد وافقت على تأجيل الإنتخابات حتى شهر فبراير ،2010 ولم تعترض على ذلك التأجيل غير الدستوري الذي هو أصل محاججتها القائمة على عدم مشروعية الحكومة بعد الميعاد الدستوري المحدد للإنتخابات. ولاندري كيف يستقيم القبول بالمخالفة الدستورية (تأجيل الإنتخابات) ومن ثم المطالبة بترتيب الآثار الدستورية الناشئة عن تلك المخالفة والمطالبة بعدم مشروعية الحكومة. فالموقف المستقيم والصحيح هو أن يتم الإعتراض على التأجيل في حينه، والمطالبة بتعديل الدستور حتى يتسنى تأجيل الإنتخابات بشكل دستوري- وهو ماطالبنا به عند إعلان التأجيل ولم يعرنا أحد سمعه- وعند رفض الجهات المرتكبة للمخالفة الدستورية ومضيها في مخالفتها، تتم المطالبة بإعلان عدم مشروعية الحكومة وإتخاذ الخطوات اللازمة لإنفاذ عدم المشروعية وعدم الدستورية. وفي تقديرنا أن القبول بتأجيل الإنتخابات مع المطالبة بإعلان عدم مشروعية الحكومة، موقف غير متسق وغير نزيه، يقوم على الإتفاق على خرق الدستور وإبطال مفاعيله عند التأجيل، ومن ثم طلب تفعيله فيمايخص النتائج المترتبة على التأجيل!! فلو كانت المعارضة السودانية مستقيمة ونزيهة وحريصة على دستورية الممارسة السياسية، كان عليها أن تعترض على التأجيل غير الدستوري للإنتخابات أولاً ، ومن ثم تبني على ذلك دعوتها إلى إعلان عدم مشروعية الحكومة لتجاوز الميعاد الدستوري المقرر لإجراء الإنتخابات، ولكنها بكل أسف لم تفعل.

2. المضحك المبكي هو أن المعارضة السودانية تطالب بإعلان عدم مشروعية حكومة الوحدة الوطنية بعد التاسع من يوليو 2009، ولاتنبس ببنت شفة حول البرلمان الوهمي الذي تشارك فيه ويجلس ممثلوها المعينين فيه لإعطاء مشروعية للمؤتمر الوطني في التشريع وفقاً لصيغة نيفاشا التي أعطته الأغلبية الميكانيكية اللازمة للتشريع. والمعلوم أن أحد أهم أضلاع الإنتخابات التي حدد لها الدستور ذلك السقف، هو الإنتخابات البرلمانية. ومؤدى ذلك هو أن البرلمان الوهمي المذكور هو أول المؤسسات التي تفقد مشروعيتها منذ ذلك التاريخ. فببساطة نص الدستور ومن قبله نيفاشا "المقدسة" على أن يكون هنالك برلمان منتخب في فترة أقصاها التاريخ المنوه عنه، ممايعني أن أي برلمان معين يفقد مشروعيته بعد ذلك التاريخ. ولو كانت المعارضة السودانية صادقة مع نفسها ومتسقة في مطالبتها بعدم دستورية الحكومة بناءاً على القيد الزمني الدستوري، كان عليها أن تبدأ بإعلان عدم دستورية البرلمان الراهن أولاً، وأن ترتب على ذلك سحب ممثليها منه، قبل أن تنادي بعدم مشروعية حكومة تفقد مشروعيتها لعدم قيام هذه الإنتخابات البرلمانية بالذات. إذ ليس من المقبول تبعيض النتائج وإنتقاء مايناسب بعض الأهداف السياسية والسكوت عن الآثار المترتبة عن عدم الدستورية والقفز فوق ماهو مباشر من نتائج لإختيار مايترتب عليه!!

3. لم نسمع- وقد يكون قصوراً منا بسبب الإبتعاد المزمن عن البلاد- من أياً من القوى المعارضة ، تخصيص حديث عن عدم مشروعية ممارسة رئيس الجمهورية لسلطاته.
وحسب علمنا أن السقف الدستوري محدد لإنتخابات برلمانية ورئاسية. والتأجيل غير الدستوري، يفقد جميع المؤسسات غير الناشئة عن أي من الإنتخابات المحددة نصاً بالدستور المشروعية،ويجعلها مؤسسات غير دستورية. وطالما أن هناك سقف زمني دستوري لايصح أن يحكم بعده رئيس جمهورية غير منتخب عبر الإنتخابات التي جعل الدستور أقصى تاريخ لإقامتها التاسع من يوليو 2009، فإن رئيس الجمهورية الحالي غير المنتخب وفقاً للطريقة المحددة دستورياً تصبح رئاسته غير دستورية وبالتبعية ممارسته للسلطة تصبح غير مشروعة. فالرئيس يستمد سلطاته من إتفاقية نيفاشا ودستورها، والوثيقتان حددتا سقفاً لهذه السلطات هو الإنتخابات التي يجب أن تتم في فترة محددة صراحةً، ممايعني فقدانه لصفته وصلاحياته الدستورية بعد مرور الميعاد المحدد دستورياً. وبكل أسف لم نسمع من أياً من القوى المعارضة حديثاً مباشراً ومفصلاً حول عدم مشروعية بقاء الرئيس في منصبه وممارسته لسلطاته بعد التاسع من يوليو 2009. وأخشى أن يكون ذلك لأحد سببين هما: التخوف من تداعيات مثل هذه المعالجة بالأخذ في الإعتبار الحساسية المترتبة عن مذكرة التوقيف الصادرة من محكمة الجنايات الدولية في حق الرئيس وتصريحات أوكامبو الأخيرة حول الإبادة الجماعية، أو حساسية وضع السيد/ سيلفا كير بمؤسسة الرئاسة، لأن الأمر في هذه الحالة سيراوح بين التقية والمجاملة ويبتعد حتماً عن النزاهة والصدق مع النفس في ممارسة السياسة، قبل أن يكون عدم إحترام للذات وللشعب السوداني.

4. الأنكى والأمر من كل ذلك، أن بعض القوى الوطنية قد أعدت مذكرة لتقديمها للسيد/ سيلفا كير في المؤتمر السياسي المزمع عقده بجوبا، تطالب فيها بالإتساق مع مطلب المعارضة بتكوين حكومة قومية تعقب الحكومة الحالية وتشرف على الإنتخابات. ومن الواضح أن مطلب الحكومة القومية المرفوع من قبل المعارضة مرفوض من الحركة الشعبية التي تتفق مع المؤتمر الوطني على إستمرار حكومة الوحدة الوطنية الحالية المنبثقة عن نيفاشا بغض النظر عن عدم دستوريتها، وهو موقف متسق مع موقف الحركة الشعبية التي وافقت على خرق الدستور وإتفاق نيفاشا حين وافقت على التأجيل غير الدستوري للإنتخابات. ولكن غير المتسق هو موقف المعارضين الوطنيين الذي يرغب في حرث البحر وتقديم طلب لجهة ترفضه مقدماً وعلناً!!! يلاحظ أن مطلب الحكومة القومية مقتصر على الحكومة ولايقارب مؤسسة الرئاسة من قريب أوبعيد، كما أنه لايأخذ في الإعتبار تجارب الحكومات القومية السابقة، ولا إستحالة تحققها في ظل رفض شريكي نيفاشا، وفوق ذلك يعكس ضموراً في الخيال وتكراراً لأسطوانة مشروخة كان الأجدى منها المناداة بحكومة تكنوقراط تحت دعم وإشراف المنظمات الدولية تكون مهمتها الإشراف على الإنتخابات وتسيير مهام الحكومة لحين إنبثاق حكومة منتخبة.

بإختصار نود أن نقول وبكل صراحة ووضوح أن موقف المؤتمر الوطني والحركة الشعبية غير الدستوري والقاضي بإستمرار حكومة الوحدة الوطنية غير الدستورية، أكثر إتساقاً من موقف المعارضة. إذ أنه يشكل مجرد إستمرار وإمعان في خرق الدستور الذي تم إرتكابه حين تم تأجيل الأنتخابات بالمخالفة للدستورفقط لاغير.في حين أن موقف المعارضة متناقض حيث أنها وافقت على خرق الدستور عند تأجيل الإنتخابات، وتطالب الآن بتطبيق الآثار الدستورية المترتبة على الخرق الذي وافقت عليه، ولاندري كيف يستقيم ذلك!!! وأكثر من ذلك، مازالت المعارضة تنادي بحكومة قومية تعد المناداة بها غير منطقية، ولاتفصح مجرد إفصاح عن نوعية الخطوات التي سوف تتخذها في مواجهة الحكومة غير الشرعية وغير الدستورية.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب