الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية الزمن المظلم تخترق ستر الرياء وتبكي القلوب الجريحة

عصمان فارس

2009 / 7 / 11
الادب والفن



الأوطان لا ترسل في طرود البريد

علي مسرح اونغ كلارا شاهدت عرضا مسرحيا باسم الزمن المظلم تأليف الروائي والكاتب المسرحي السويدي هينينك مانكل الغزير الانتاج وكتبه واسعة الانتشار في السويد وبقية الدول الاسكندنافية وافريقيا والاقبال شديد علي اقتناء كتبه لأنها تروق الطبقات الاجتماعية كما تروق فئة كبيرة من الادباء والمثقفين والمهتمين بشؤون الادب، ففي رواياته تجد الحبكة المليئة بالحوادث، إن هينينك مانكل كاتب ماهر رواياته عبارة عن نقد مر للمجتمع يكسوه بطبقة من الحلاوة وهو يحاول اختراق ستر الرياء التي يسدلها المجتمع علي نفسه. ولد الكاتب سنة 1948 في ستوكهولم وعمل كاتبا واديبا سنة 1973 وعمل مديرا لمسرح مدينة (فكشوا) ، يعيش ويتنقل مابين السويد وافريقيا في موزمبيق ويكتب بشكل صادق عن الحياة الافريقية والصراع ما بين الاغنياء والفقراء، فهو يحاول التجديد في كتاباته منتهيا الي التغيرات في الحساسية والذوق وغدت كتاباته من مؤثرات الحداثة
وهو لا يريد من الرواية ان تكون صورة فوتوغرافية وانما اكثر واقعية وملاصقة ومعبرة عن معاناة الناس. وفي مسرحية الزمن المظلم يعكس واقع ومعاناة الانسان في زمن الهجرة واللجوء، الهروب من الاوطان الاصلية الي مصير مجهول بحثا عن الاوطان الجديدة، قمة معاناة الانسان في عالمنا الجديد المليء بحقول الالغام ، زمسرحية الزمن المظلم من اخراج المخرجة السويدية سوزان اوستين. وضعتنا المخرجة سوزانة اوستن امام امر الواقع من خلال دليل المسرحية البروكرام وهو عبارة عن جواز سفر وقد دونت فيه اسماء كل العاملين في المسرحية وكذلك دونت قصص
وحكايات معاناة طالبي اللجوء وطريقة هروبهم من جحيم بلدانهم وما رافقهم من الالام والمأسي لغرض الوصول الي الفردوس .

العدو امامكم والبحر خلفكم
حاولت المخرجة ان تحشرنا في ممر ضيق اشبه ما يكون بعلبة السردين وذلك لوجود معرض للتراث العربي وبعض الشعارات المكتوبة باللغة العربية علي الجدران مثل عبارة تقول العدو امامكم والبحر خلفكم فأين المفر ثم عبارة اخري الفرج قريب بعد الشدة، عشنا الحالة كأننا نحن المهاجرين وننتظر موافقة الدخول الي القاعة لمعرفة ماذا يحصل هناك ـ علي خشبة المسرح تجد عازف العود العربي مع فتاة عربية، الأم والبنت والزوج والكل يغنون ويرقصون علي انغام العود، والاغنية تقول الارض بعيدة ـ والحياة صعبة وانا تعيسة مع هذا الطقس الغنائي اما المسرح فهو فضاء خال من اي قطعة ديكور حيث الاحداث تجري في احدي الشقق المظلمة في السويد لاحدى العوائل المهاجرة بشكل غير شرعي وقانوني . ودخلت العائلة احدى الشقق لغرض الهجرة الي كندا، ومنذ البداية نعرف ان الام ماتت في حادثة وخاصة الهجرة تكون عبر البحار او في سيارات النقل الكبيرة، في هذه الشقة يعيش الاب مع ابنته وهي في ربيع العمر، الاحداث تجري في مكان مظلم وبارد، هجرة قاسية من افريقيا او اسيا الي اسبانيا رحلة الي عالم غريب في عاداته وتقاليده. الاب متشنج يعيش صراعاته الداخلية، حالة نفسية مزرية اما البنت فهي شابة متفائلة رغم الحزن والتضامن مع الأب الذي يصرخ كثيرا ويبصق كثيرا ويحاول ضربها، لكنه يعيش علي ذكريات الماضي اي ذكريات زوجته التي لا تفارقه وهي معه في كل لحظة، وحاولت المخرجة استحضار الزوجة في حالة الفرح بشكلها الاصلي اما في حالة حزن الزوج تأتي الزوجة علي شكل قناع قبيح. حاولت المخرجة سوزان اوستين اثبات وتوضيح ان الانسان اينما ارتحل يبقي النبع هو الاصل.
المرأة هي رمز الوطن بوجهيه المشرق والمعتم. وفي لحظة يصاب الرجل بهيجان عصبي عندما تكشف ابنته انها قصت شعرها ويحاول ضربها علي هذا الفعل الشنيع وذلك ان شعرها الطويل يذكره بزوجته، والبنت تبكي وتحاول تهدئته حتي لا يسمع الجيران صوته ويبلغون الشرطة ـ وفي حالات الخوف والهذيان يتحول عازف العود مع قناع قبيح الي شرطي يصرخ بالرجل فيبدو الخوف عليه . اما الرقصات والاغاني عربية ـ وهناك شبابيك تحمل من قبل الممثلين موحية وترمز الى بيت او مرصد او سجن . فهناك القماش الابيض يغطي اجسادهم وهو عبارة عن كفن ـ وفي اسبانيا كانت الزوجة تبيع البرتقال في الشوارع وعندما يأتي رجال الشرطة تهرب خائفة فترمي صناديق البرتقال علي خشبة المسرح وتحولت خشبة المسرح الي عالم مزروع بالبرتقال اشبه ما يكون بحقول الالغام الكل يتحرك بخوف وقلق وعند طرق الباب الكل يهرب. وفي مشهد الختام جاء مدير المسرح بأكوام من الملابس القديمة ويرميها للاب والبنت والكل يرتدي الملابس بشكل سريع وبعد ذلك ينظر احدهما في وجه الآخر اي الأب والبنت وتبدأ عملية خلع الملابس القديمة ورميها. ارادت المخرجة سوزان اوستين ان تؤكد ان رداء الشخص الاصلي هو المهم ، ويسوقنا مدير المسرح الي زاوية الخروج لنشاهد معرضا للمهاجرين ـ بشر يجوبون عباب البحار بحثا عن النجاة والخلاص بجلدهم فيغرق الكثير منهم في بحار قبالة استراليا ـ اسبانيا، اليونان، تركيا، كثيرون يحبون العبور، كثيرون هم الهاربون من الجحيم، مع الشفق اصوات يملؤها الحزن والخوف، اكراد جبليون تشم فيهم رائحة الجبل، طيور القبج من كردستان، عيونهم لها بريق يملؤها الشك والألم والخوف وعيون عربية لها رائحة الصحراء وتراب العنبر هاجروا بحثا عن الموت للخلاص من الستائر المغلقة في الشرق العربي الكل يريد تحطيم قضبان النوافذ بحثا عن الحرية، ولكن مع الأسف الطريق الي الحرية ينتهي بهم الي اقفاص السجن. فنحن الاكراد في شهر اذار (مارس) شهر العطاء والخير والنرجس نغني كالعصافير لموسم الخير، مع الأسف تحول موسمنا الاذاري الي الموت في الربيع ، دموعهم تذكرني بالمطر ـ وموسم الحصاد، ولكني اتساءل هل سنرى شوارع الوطن ثانية مبتلة بالماء، وطن ولدت فيه، وطن احلم بك، وطن عشقت فيك وانا اشتهيك.

قلوب جريحة
سفن من الخشب قديمة تحمل الالاف من الابرياء والشرفاء والكل يبصق دما، وحضارات كما كان الأب في حالة الهيجان يبصق علي الارض وعلي يمين المسرح ويساره ـ قلوب جريحة وخائفة لا تمتلك الا الخبز والظلام، نفوس جريحة كالبلاد الجريحة ـ الورود يبست في قلوبهم اما الآخرون فيبنون امبراطورية المشانق ـ بلادي هناك ارنو انا الي البحر وابكي بحرارة الشرق، والموت يحملني في غيبوبة فوق مياه البحر، وأرحل ضائعا اهلي قذفوني الي عالم اوهامي وسرابي ـ السماء تمطر رعبا ورصاصا، حروبا وكبرياء ونحن نرتحل، ونبكي والعالم يغرق بدموعنا ويموت المهاجر من الجوع والحزن . اه يا قلبي والحنين الي الاكواخ العربية والكردية وللريح السماء المظلمة، وامطار الحروب المليئة بالدماء، ومحور كل الاشياء هو الانسان . هذا كان وصفا لأجواء العرض، والمخرجة سوزان أوستين مخرجة عملت في المسرح السويدي منذ سنة 1965 اسست مسرح ناريت وفرقة مسرح الجيب وقدمت الكثير من العروض المسرحية من نوع (كوميديا ديلارت) وقدمت الكثير من المسرحيات في الشوارع والساحات وبعض المسرحيات الصامتة.
وفي مسرح الجيب قدمت الكثير من العروض المسرحية الخاصة بمسرح الطفل والشباب ومسرحيات موسيقية وقدمت العروض في المدارس وفي سنة 1970 عملت سوزان أوستين في مسرح مدينة ستوكهولم كمخرجة وكاتبة لبعض المسرحيات مع الصحافية مارغريتا كاربي واخرجت مسرحية كلام البنت والتأكيد علي دور المرأة في المجتمع . وفي سنة 1975 عملت مسؤولة لمسرح اونغ كلارا في هذا المسرح قدمت الكثير من العروض المسرحية لمسرح الطفل والشباب، اكثر مواضيعها تتناول حياة المهاجرين، والادمان في المجتمع والتسكع والطلاق والجنس، وقدمت مسرحية طفولة هتلر وكيف يتحول الشخص مع الزمن الي فاشي وقدمت الكثير من المسرحيات التي تدعو لبناء جيل واعي خالي من المشاكل والبعيد عن طموحات المجتمع الرأسمالي . مثل فقدان الحرية وعالم الاغنياء ولها خصوصية في تقديم مسرح الارتجال والمحاضرات والحلقات الدراسية عن مسرح الطفل، واخرجت مسرحية الحدود ومسرحية بيت الرغبة واخرجت الكثير من الافلام السينمائية. اما في مسرحية الزمن المظلم استطاعت المخرجة سوزان اوستين ان تستوعب فكرة المؤلف وفي تحقيق الفكرة الابداعية مع فريقها العامل معها وفي خلق تكامل الشكل المسرحي، اي المخرج الساحر والمفكر، واوجدت لغة البحث والتجديد باستخدام لغة مسرحية واشكال حديثة في الفن ، معتمدة في ذلك علي مضمون النص المسرحي، وطبيعة الوقائع الحياتية في المسرحية من خلال الالوان والصور والايقاعات والاشكال الفنية. وفكر المخرج ونشاطه هو الذي يخلق الجوهر الانفعالي، اما اسلوب المخرج والكاتب هو الذي يخلق الانطباع الصادق للحياة الداخلية لكل العاملين. والمخرجة سوزان اوستين في مسرحية الزمن المظلم عرفت هدف الكاتب هينينك مانكل واستجابت له، فأختارت الموضوع المناسب لهذا الزمن وتطوره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي