الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر في الأحداث الايرانية ...

فواز فرحان

2009 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


نجحت الحكومة الايرانية الى حد بعيد في التحكم بالاحداث الجارية التي تفجّرت بعد الانتخابات الاخيرة في البلاد والتي كشفت الى حد ما عن حالة من النضج السياسي الذي يعيشه نظام الحكم في هذا البلد ، فالمجموعة الدولية التي تعارض امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية كانت تستعد لفرض عقوبات دولية من شأنها تحجيم النظام الاسلامي إقتصادياً وسيّاسياً وكادت تنجح في إقناع حلفاء ايران بضرورة معاقبتها لكنها هي الاخرى وقعت في فخ المسلسل الذي أخرجته الدولة الايرانية بمساعدة روسية ...
فقد شخّصت على ما يبدو كل من المخابرات الايرانية والروسية التطوّر الذي طرأ على طريقة تعامل المعارضة الايرانية بكل أجنحتها اللبرالية واليسارية والعمالية المتمثل بالاساليب الجديدة في مخاطبة الشارع الايرانية وبذل جهود كبيرة في تنوير الشارع الايراني بالوسائل التي تمكنه من فهم الواقع السياسي بشكل صحيح من خلال استفادتها من وسائل الاعلام الحديثة كالفضائيات والصحافة الالكترونية وغيرها ، والشئ الذي كان غامضاً لهما هو مدى تجاوب هذا الشارع مع الطروحات المعارضة للنظام وكذلك طبيعة التنسيق بين الفصائل المعارضة ومدى قدرتها على الصمود وتوظيف الحدث لمصلحتها وفي نفس الوقت إختبار قدرة اجهزة الامن الداخلية في التعامل مع واقع من هذا النوع ووجدت في الانتخابات الرئاسية الفرصة المواتية لجس نبض هذا الشارع وقياس بارومتر الثورة فيه ....
أشدّ ما يثير الاستغراب في طريقة تناول الحدث الايراني هو تصوير البعض لمرشح الاصلاح مير حسين موسوي على انه منقذ لايران وقائدا لثورتها المخملية في الوقت الذي يعتبر فيه هو ومن يدعمه من رفسنجاني الى كروبي وخاتمي من المخلصين لولاية الفقيه ومن رجال الثورة الاسلامية الذين لا غبار على ولائهم وهم كانوا فعلاً طرفاً رئيسياً في كشف تحركات المعارضة وحجمها ، وبالعودة لما يمكن ان تكون عليه الاحداث داخل اروقة النظام نفسه تكون الحكومة قد سخّرت الداخل لمصلحة بقاء النظام فهي من جهة تمكنت من تسخيرالعناصر الاصلاحية لمصلحة الحفاظ على النظام الاسلامي واعطائها دوراً لا يقل أهمية بالنسبة لهذا النظام عن الدور الذي يقوم به نجاد والمحافظين ومن أخرى إختبرت قدرة أجهزة الامن ومدى استعدادها لحدث مشابه ..
ان الاهداف التي تقف خلف اخراج سيناريو من هذا النوع وفي هذا التوقيت بالضبط هو تأخير العقوبات الدولية التي كانت تنتظر النظام الايراني ومحاولة خلق واقع دولي جديد ومعطيات دولية جديدة للتعامل من خلالها مع المجموعة الدولية ، وكذلك اخراج الغضب الشعبي من الخفاء الى العلن للتعامل معه وهو الموضوع الرئيسي الذي بنت عليه الدولة الاسلامية الامل لكشف المدى الذي وصلت اليه قوة المعارضة والتي كانت تعمل بطريقة غامضة بالنسبة لاجهزة الامن الداخلي ..
لقد وقعت المعارضة الايرانية في خطأ وسوء تقدير بعد ان غاب عن انظارها التنسيق العالي بين كل من ايران وروسيا والدعم الذي تقدمه الاخيرة للنظام الاسلامي في مختلف المجالات وهذا الخطأ سيجعل المعارضة الفعلية تعيش مراحل صعبة من نضالها لاسقاط النظام الاسلامي في البلاد وبناء دولة مدنية حديثة فيها ، وعلى الرغم من ان هناك أطراف في المعارضة كانت تعي ان ما يجري هو لعبة سياسية تديرها المخابرات الايرانية لاخراج المعارضة الى السطح وسحقها قبل ان تقدِم ايران على مرحلة جديدة من تعاملها مع الغرب وربما الاقتراب من تقليد النموذج الكوري الشمالي في التعامل معه الا ان الاغلبية في هذه المعارضة رأت في انها الفرصة المناسبة لكي تعي الحكومة الدينية حجم الكراهية التي تحظى بها من الشعب الايراني ...
التنسيق العالي بين كل من روسيا وايران يعود لرغبة روسيا في ابعاد الكثير من الدبلوماسيين الغربيين من الذين يقدمون تحليلاً دقيقاً عن الوضع الداخلي للمعارضة في الداخل والخارج وكثيراً ما ترعب تحرّكات الدبلوماسيون البريطانيون المراقبين الروس والايرانيين على حد سواء وتعلمت ايران من تجاربها كما يبدو ان الدول الغربية تعشق هذا النوع من المواضيع ثورات برتقالية ومخملية وغيرها وارادت بالفعل اشغالها عن موضوع العقوبات بمسرحية من هذا النوع ، ان التعويل على شخصيات من داخل النظام للتغيير في ايران يمثل ابتعاداً عن الجديّة في قراءة الواقع السياسي في ايران لا سيما وان موسوي وخاتمي ورفسنجاني هم من اوقف النظام الاسلامي على قدميه وليس نجاد وفريقه بدليل تصريح رأس النظام خامنئي بأن موسوي والاخرين هم ابناء مخلصون للثورة وهو يعني ما يقول ...
لقد خرج النظام الاسلامي في ايران من مرحلة المراهقة السياسية الى مرحلة النضج والتلاعب بالوضع الداخلي لتحقيق غايات تعود عليه بالفائدة من الخارج وتعطيل حركة التأثيرات الخارجية الى مدى ابعد على اقل تقدير ، وايران تعلم جيداً من خلال تجاربها السابقة مع الاتحاد الاوربي ان هذه الدول متذبذبة وغير قادرة على مقاطعة ايران ومحاصرتها لانها ببساطة ستعزز من خلال هذه الخطوة نفوذ كل من روسيا والصين في هذا البلد لا سيما بعد ان حذرت المانيا دول الاتحاد من مغبة الاقدام على سحب السفراء والذهاب بعيداً في اتخاذ اجراءات عقابية لانها تعلم جيداً انها لا تستطيع فرض ذلك على دول كبرى مثل الصين وروسيا ..
النظام في ايران بدأ يقرأ جيداً المدى الذي يمكن ان تذهب اليه السياسة الاوربية والامريكية حيالها سواء من خلال التصريحات او من خلال الاجراءات على ارض الواقع ، فتاريخ هذه العلاقة يوحي بأن الغرب لا يستطيع التخلي عن ايران او المواجهة معها منذ وصول الاسلام السياسي للحكم واعتقال الرهائن الامريكيين ومروراً بفتوى الخميني ضد سلمان رشدي وانتهاءاً بهذه الاحداث ، وفي كل مرة كانت ايران تخرج من المواجهة محصنة اكثر من السابق وتكسب نفوذاً أوسع حتى انها اليوم تمثل قطباً مؤثراً في معادلة إقليمية معقدة ...
لقد نجحت حكومة الملالي في إخراج المعارضة الى السطح وتمكنت في نفس الوقت من تقييم حجمها وتأثيرها على الساحة الايرانية وتشعر هذه الحكومة بسعادة غامرة لان المعارضة لم تفلح في فهم اللعبة التي جعلتها تخرج من سرّيتها الى العلن في الوقت الغير المناسب كما انها خُدِعت برجل الاصلاح المطيع لولاية الفقيه ولم تتمكن من تصنيفه في خانة أعداء الشعب الايراني ، هذا النموذج من الديمقراطية ليس صناعة ايرانية بل هو استنساخ حي للتجربة الاسرائيلية التي قسمت المتطرفين الى حمائم وصقور لكن الجوهر هو ان الحكومتين دينيتان ومتعصبتان فلا يمكن القول ان شارون افضل من باراك كما لا يمكن القول موسوي افضل من نجّاد فالجميع يخضع لسلطة دينية لها اهداف سياسية تتلخص في البقاء في السلطة ، ان ما أزعج كل من الغرب واسرائيل في هذه الاحداث هو نجاح ايران في استنساخ التجرية الاسرائيلية في الديمقراطية لكنها لا تستطيع تقييم الحجم الحقيقي للدعم الروسي لهذا البلد الذي اصبح يدور في الفلك الروسي دون شعور ، فإيران ساعدت بالفعل الولايات المتحدة في دخول كل من العراق وأفغانستان ليس حبّاً بها بل لانها كانت طرفاً في لعبة دولية معينة الهدف منها كان إدخالها في مستنقع يهدف اولاً وأخيراً الى توريطها واستنفاذ طاقاتها وكشف كل الوان اسلحتها وقدراتها امام روسيا وتعطيل إقتصادها وارهاقه ونجحت مع روسيا الى حد بعيد في جعل الولايات المتحدة وحلف الناتو يترنّحان في بؤر التوتر التي خلقتها لهما ...
والاحداث الجارية اليوم على الساحة الهدف منها كشف نقاط الضعف في المجتمع لتأهيله لمواجهات من نوع آخر او ربما للاستعداد لحرب اقليمية واسعة النطاق تهدف لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة بعد الانسحاب الامريكي النهائي من العراق والذي لن يتمكن على الاغلب من الدخول في حروب جديدة أخرى في مطلع العقد المقبل على الاقل ...
ربما يدخل هذا التحليل في خانة التشاؤم السياسي بالنسبة للشعب الايراني والقوى المعارضة فيه لانها علقت آمال عريضة على الاحداث لاسقاط ولاية الفقيه وبناء ايران مدنية علمانية جديدة وكل قوى المعارضة مجتمعة لا تستطيع في هذا الظرف إحداث إختراق جذري في طبيعة الحدث الايراني لانها ببساطة منقسمة غير قادرة على توحيد صفوفها وهي إنعكاس حقيقي للانقسام في الشارع الايراني بين اللبراليين والعلمانيين والمتدينين ويسهم في تعطيل حدوث التغيير في هذا البلد ...
لم تعد ايران معزولة عن العالم فقد خلقت روسيا لهذه الدولة العديد من الحلفاء وفينزويلا والهند والصين وسوريا ودول اخرى تمثل حلفاء لها في الحرب السرية على الولايات المتحدة والناتو وهو الشئ الذي يجعل ساستها واثقون من خطواتهم غير آبهين بالعنتريات الامريكية الاسرائيلية ، والتحالف القائم بين الدولتان ليس وليد اليوم وهناك جذور تاريخية للعلاقات الروسية الايرانية تعود لعهد مؤسس الدولة السوفيتية فلاديمير لينين غير ان طبيعة العلاقات هذه تغيّرت بعد تفكك الدولة السوفيتية وظهور الجيل الجديد من الساسة الروس من الذين يجيدون فنون السياسة البراغماتية وتمويع المعطيات السياسية في خدمة المصالح الروسية العليا بغض النظر عن أنظمة الحكم التي تتحكم بالبلدان المحسوبة على الاتحاد السوفيتي السابق وترى هذه النخبة من الساسة الجدد انها قادرة على جعلها تدور في الفلك الروسي ...
أما الشعب الايراني فإنه غير موجود على الاطلاق في علاقات من هذا النوع لا سيما عندما تجد الدول الكبرى انها أي الشعوب لا تتمكن من تغيير الواقع ومستسلمة لحكومة القمع والارهاب السياسي ، ومن الطبيعي ان يكون هناك جس نبض للشارع الايراني قبل الدخول في واقع دولي جديد يتطلب كتلة سياسية متجانسة في ايران لا يكون للحظ والصدفة دوراً فيه ، وهذا الشعب لو إستجمع ارادته الحرة قادر على الاطاحة بنظام الملالي الفاسد الذي حوّل الشعب الايراني الى شعب فقير وسلط عليه آلة القمع لكسر طموحاته بينما تعيش النخبة السياسية في بحبوحة وهي مغرقة بالفساد ...
ان تشكيل جبهة معارضة لنجاد من قبل كل من موسوي وكروبي وخاتمي هو تحقير وتسطيح لارادة الشعب الايراني الذي بدأ يعي بأن الملالي لا يمكنهم تقديم شئ جديد له وان الفقاعات التكنولوجية جُرّبت من قبل في العلاقات العراقية الروسية التي أوهمت الغرب بأن صدام يمتلك ترسانة عسكرية عملاقة قادرة على تدمير بريطانيا خلال ثمانية واربعون ساعة !!
ولم تكن تلك الترسانة سوى فقاعة اراد الروس من خلالها استدراج الولايات المتحدة لاراضي العراق وأفغانستان لتدميرها هناك بنفس السلاح الذي استخدمته الولايات المتحدة معها في أفغانستان أثناء الاحتلال السوفيتي للبلاد الا وهو الاسلام السياسي ، لكن الوعي الشعبي ينقصه القدرة على توظيف العمل السياسي في إطار هادف يتمكن في النهاية من قلب الطاولة على سياسيه ومن يدعمهم ، فالمظاهرات الجارية على الارض التي أطلقت صرختها للمرة الاولى ...يسقط الدكتاتور ..والموت لخامنئي والتي ذهب ضحيّتها شباب وشابّات من أبناء البلد سالت دمائهم من أجل الحرية في هذه الدولة كانت تعبّر عن غيض عظيم تجمّعَ في صدورهم دون ان يضعوا في نظر الاعتبار ان الاصلاحيين هم الوجه الآخر لخامنئي وسلطته الفاسدة ...
لقد خدعوا الشعب الايراني بموضوع التكنولوجيا النووية والقدرة الايرانية على تحدّي الولايات المتحدة والناتو بأسره وراهنوا على المشاعر الدينية والقومية للشعب الايراني رغم ان رؤس النظام تعلم ان المتحكم الرئيسي بهذا الموضوع هو الدولة الروسية نفسها وهي لن تتردد في تقليد النموذج الفرنسي في بيع كل خرائط المفاعلات النووية لاسرائيل إذا ما قدّمت اسرائيل تنازلات معينة للدولة الروسية ومعلومات مفصّلة عن الناتو والولايات المتحدة وهي واردة في العلاقات الدولية إذا ما رأت اسرائيل ان من مصلحتها العليا فعل ذلك حفاظاً على أمنها ، والشعب هنا غير قادر على مجاراة هذا النوع من الخداع السياسي لا سيما وأنّه يفتقد الى قيادات سياسية قادرة على التعامل مع معطيات الوضع السياسي الحالي والذي بدأ يتجه نحو إحكام القبضة الحديدية عليه من خلال الحدث الجاري الذي أخرج المعارضة الى السطح ...
ان أمام الشعب الايراني خيارات صعبة إذا ما اراد تعرية السلطة السياسية الفاسدة التي يقودها إرهاب الاسلام السياسي الفاسد وحري به ان يتوّجه نحو موسوي وجماعته وإقناعهم بضرورة اسقاط الحكومة الدينية في البلاد وبناء دولة مدنية حديثة لا وجود لرجال الدين والملالي فيها ومن هذه النقطة بالتحديد ستتمكن الجموع الشعبية من كشف اللعبة القذرة التي ارادت الايقاع بالشعب والبطش به ...
وامام هذه الاحداث تتخبط السياسة الامريكية الغارقة حتى النخاع في الوحل العراقي ولم تعد قادرة على تحديد الشكل الملائم لمواجهة الخطر الايراني الذي سيجرف عاجلاً أم آجلاً العراق معه الى حظيرة الدول المعادية للغرب والولايات المتحدة بعد الانسحاب الامريكي والذي تعوّل عليه الكثير من الاطراف السياسية في الساحة العراقية كي تخلص نفسها من الاحتلال وتبعاته وتنتقل الى المعسكر الاخر القادر على جعلها تجتاح الساحة السياسية في البلاد وتؤسس لجمهورية شبيهة بجارتها الايرانية وبمساعدة روسية ايرانية تمكنها من بسط نفوذها بسرعة وقادرة على اسكات معارضيها بحجة محاربة القاعدة والارهاب ...
وربما سيواجه الشعب الايراني مصيره بنفسه دون الاعتماد على الدعم الخارجي المشروط الذي من شأنه يدخل البلاد في دوّامة جديدة قد لا يتمكن من الخروج منها كما ان مصير الحكومة الايرانية نفسها قد لا يتحدد الا وفق الخيارات والمصالح الروسية التي تلعب الدور الرئيسي في صياغة السياسات التي تنتهجها الحكومة الايرانية في كل مرحلة ...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العيب
Abu Ali Algehmi ( 2009 / 7 / 12 - 16:46 )
آن يرى السيد فرحان أن الأحداث الأخيرة في إيران هي لعبة مخابراتية إنما هو العيب المعيب . إنها بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه

اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا