الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفيون السياسة

فؤاد سليمان

2009 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


وصلتني دعوة بالبريد الالكتروني لحضور أمسية فكريّة على شرف الكاتبة نعومي كلاين، وذلك بمناسبة صدور ترجمة كتابها "عقيدة الصدمة" باللغتين العربية والعبرية. زوجتي حمّستني لحضور الأمسية والكتابة عنها في زاويتي، وقد زاد حماسي حين رأيت في الـ"فيس بوك" أن الكثيرين سيحضرون الأمسية.
وصلنا إلى قاعة الميدان التي سرعان ما امتلأت بجمهور مختلط من العرب واليهود. افتتح الأمسية كل من المحامية عبير بكر من "عدالة" والبروفسور نديم روحانا، مدير مركز "مدى الكرمل"، الذي بادر إلى تنظيم الأمسية مشاركة مع مؤسسة "عدالة". كنت لا أزال مشتت الذهن، ومع أني فهمت أن الأستاذ نديم أراد في كلمته التأكيد على أهمية وجود الآنسة "كلاين" على الساحة السياسية، إلا أن جل اهتمامي تمحور حول قسمات وجهه. تركيزي الزائد على تعابير الأستاذ نديم، بدل التركيز على ما كان يقوله، يعود، أغلب الظن، لكوني قد عملت لفترة ما في مؤسسته، حيث طورت، كأي موظف، ملكة الانتباه المفرط لمزاج المدير، وذلك لكي لا يحصل ما لا تُحمد عقباه. ما أن انتهيت من تداعيات أفكاري، وإذ بالمحامية عبير بكر تتقدم لتلقي كلمة تمثل بها مؤسسة "عدالة" وتقدم فيها نماذج وحالات عن جرائم الحرب التي ارتكبتها المؤسسة الاسرائيلية. بعدها جاء دور الآنسة ياعل ليرر، مديرة "دار الأندلس للنشر" التي قامت بنشر كتاب "كلاين" بالعبريّة. لقد حاولت الإنصات لكلمتها، لكني عدت وسرحت بأفكاري إلى أن أعادني إلى واقع الـ"هنا والآن" صوت المحامي حسن جبارين، مدير عام عدالة، وهو يصيح من بين الجمهور: "بدون فضايح ، بدون فضايح...."، مما حدا بالسيدة ياعيل أن تمسك عن الكلام. عندها جاء دور ضيفة الأمسية.
بدأت الكاتبة كلاين حديثها عن أهمية المقاطعة المنظمة لمؤسسات اسرائيلية، بما في ذلك المقاطعة الفنية والأكاديمية، وحاولت بلهجتها الأمريكية وبلغتها الانجليزية البليغة أن تُقنعنا، نحن العرب، واليهود الذين سئموا سياسات إسرائيل العدوانيّة، أن هناك فائدة وأمل، وأن هنالك تأثير لحملتها الأدبية والسياسية. كلاين تحدثت أيضًا عن انطباعاتها من زيارتها إلى غزة واقتبست العديد من الشخصيات التي صادفتها هناك، في محاولة لعرض الآراء السائدة في القطاع.
بالرغم من أني متأكد من أهميّة الأمسية ومن أهميّة كل ما قيل فيها، إلا أن عليّ الاعتراف بأن أثرها الأساسي عليّ تلخصّ في حالة إرهاق شديد، نتيجة الاستماع للحديث السياسي الذي أسميه بـ "طق الحنك المشربك" الذي لا ينتهي.
بعد الخطابات، جاءت "أسئلة الجمهور" التي كان كل واحد منها ببداية، لكن بلا نهاية. أخيرًا خرج الجميع وخرجنا معهم، وإذ بزوجتي تستأذن لكي "تستشير القاضي"، فبقيت واقفًا وحدي وسط الجمهور. عندها صرت أقول لنفسي "فؤاد، بعد كل طق الحنك المعقّد السياسي اللي سمعتو، كل اللي غادر تحسُّه هوّي إنّو ما ضلِّ عندَك قوّة لتسوق عالبيت". ثم نظرت أمامي فرأيت ثلاثة فتيات يهوديًات، واحدة منهن شقراء وطويلة، يقفن حول طاولة، ثم أخرجت إحداهن سيجارة، وإذ بالممثل سليم ضو يقفز من حيث لا أدري ويقول لهن "ممنوع التدخين هنا، أخرجوا الى هناك من فضلكن". هذا المشهد أضحكني وأعاد لي بعض قواي فقلت لنفسي: "هنا ممنوع التدخين، لكنّي شاعر وكأني ماخِد أفيون سياسي". يقال أن الدين هو أفيون الشعوب، وأنا أظن أن السياسة هي أفيون من نفس النوع وأن من يمتهن السياسة يُصبح من بائعي الأفيون، ومع ذلك فلا بأس بالقليل من الأفيون السياسي بين حين وآخر.
خرجت لأشم الهواء فوجدت بعض الأصدقاء. ساعتها استعدت كامل قوتي وأحسست بأنه رغم تأثير أفيون السياسة على المخّ، فإن هنالك بعض الأمل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زدنا اخي
سلام الشمري ( 2009 / 7 / 12 - 08:52 )
اطلالة شعرية ووجدانية على عالم الضفة الاخرى التي لانرى ولانسمع منها الا اصداء جامدة تخلوا من الحياة
اخونا فؤاد اسمعنا وارنا المزيد من عالمك من حيث تقف وترى
لقد سئمنا طريقة مراسلي القنوات الفضائية البانورامي واصبحنا احوج الى التفاصيل الصغيرة التي تصلنا بمجرى الحياة من موقعها الفعلي
مع جزيل الشكر والامتنان

اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار