الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام الليبرالي في خدمة رأس المال

حزب العمال التونسي

2004 / 5 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تكمن أهمية طرح موضوع "الإعلام" الآن، أولا في المساحة الواسعة التي بات يأخذها في اهتمام مواقع التأثير في الطبقات السائدة. وثانيا في كون معالجة هذا الموضوع من خلال المنهج المادي الجدلي والمادي التاريخي يمكن أن يزيد من تفكيك مكانيزمات عمل هذا الجهاز الإيديولوجي. وغنيّ عن البيان أنه إلى جانب سيطرة مالكي وسائل الإنتاج على قوة العمل، فإن الطبقة السائدة تسعى دائما للحفاظ على هيمنتها من خلال فرض إيديولوجيتها ومفاهيمها وقيمها وطرق تعاملها وأساليب تقييمها من خلال أجهزة متعددة تتكون كنتاج جدلي لتحكّمها وغطرستها. ومن أهم هذه الأجهزة جهاز الدولة بمميزاته الأساسية: القمع (جيش، شرطة…) و"الدواوينية" (المدرسة، العائلة، الإعلام..). والإعلام يضم المقروء (صحف، نشريات…) والمسموع (الإذاعات) والمرئي (تلفزة، سينما، إشهار، أنترنات) الذي يضم كل الأنواع التي سبقته، فالتلفزة مثلا نشاهدها ونسمعها ونقرأها (تليتاكس) لذلك فهي حاليا الأشد إثارة للانتباه والأكثر تأثيرا وتوسعا.

ننطلق أولا من "الإعلام الغربي"الذي له طابع تحكّمي ليس على المتتبعين فحسب وإنما أيضا على منتجي الإعلام والعاملين في قطاعاته. إذ أن هذا الإعلام يحظى باهتمام واسع يجعله بمثابة البوصلة الإعلامية، نظرا لتفوقه التقني والخبرات التي يتمتع بها العاملون فيه، إلى جانب ما يتمتع به من هامش من الحرية والاستقلالية النسبية. الصحف مثلا تقدم مواد جيدة للمطالعة والمتابعة حيث تحمل التقارير صبغة حرفية سواء في التحليل أو في الرأي. كما تحاول تمكين جميع العناصر الفاعلة في المجتمع المدني "الغربي" من إبداء آرائها وصياغة أفكارها ونشر تحركاتهم. وإذا قلنا "تحاول" فإن ذلك لا يعني التدليل على أن إدارة الجريدة تعمل على إعطاء كل ذي حق حقه تدعيما للمشاركة وإسماع "الرأي والرأي المخالف" لأن ذلك يصبح في أحيان محددة خاضعا لقرار المدعّمين الماليين للصحيفة. أو خاضعا لضغط اللوبيات المتعددة، سواء في مستوى دعائي أو حتى قضائي وسياسي (محاكمــات، طعون…).

وهنا يكمن التناقض الذي يحرك الإعلام الليبرالي. فمسألة تدعيم "الرأي والرأي المخالف" مضمونة إلى حدود معينة ووفقا لمصالح اللوبيات المالية والسياسية التي تتحكم في وسائل الإعلام. والأمثلة على ذلك عديدة حيث نشاهد مثلا في الفضائيات الغربية أخبارا عن عمليات "صدامية" في تل أبيب أو في أسطنبول… ولا نتابع لمدة أيام ما يحدث يوميا من مداهمات عسكرية، تجسد إرهاب الدولة الذي تمارسه قوات الاحتلال في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان… وفي المناسبات الانتخابية يلعب الإعلام دورا أساسيا في ترجيح كفة طرف على طرف آخر. ومن الملاحظ أن الانتقادات المتبادلة أثناء الحملة الانتخابية لا تخرج في غالب الأحيان عن الإطار الليبرالي الذي يغض الطرف عن البعد الاجتماعي ويتجاهل الأزمات التي هي من طبيعة النظام الرأسمالي.

إن الطابع الرجعي للامبريالية ذات التوجه النيوليبرالي يبدو مخفيا خلف الإعلام. ولكن النظرة المادية الديالكتيكية تكشف مكامن تناقضه وعجزه عن تحرير الأذهان والأخلاق. وقد أصبح من البديهيات القول مثلا أن التعامل مع الجرائم الإسرائيلية في الإعلام الليبرالي موضوع محرم، وتفوّق الطابع الاننتقائي أحيانا والتبريري أحيانا أخرى في محاولة للبقاء بين هذا الموقف أو ذاك. خصوصا وأن الإعلام الغربي بصفة عامة أصبح أكثر من أي وقت مضى بيد الرأسمال الخاص. وهو ما يفسر عدم نجاح هذا الإعلام في ظل اللاتوازن الموجود وتحوله نحو حالة من التزويق والتنميق اللفظي والمرئي وتشريد أهم هواجس الإعلامي نحو الإعلام الترفيهي.

ويشهد الإعلام العربي تدخلا سريعا ومفبركا لهذه الظاهرة: دعم شركات أمريكية لقنوات خاصة بـ"أكاديميات النجوم" و"على الهوى سوى" و"الله.. الله.. يا بلدي"..إلخ التي تساهم جميعها في صناعة ذهنية شبابية خالية من النقد ومهتمة بالمظهر على شاكلة "الفنانين الأشباح" الذين سيعمّرون العشريات القادمة بمؤخراتهم وزيوت شعرهم ولباسهم المثير والشاذ… وليس بإمكانياتهم الفنية التي لا تحتاج إلى تقييم. وهذا يدل على حالة التبعية التي تعانيها جميع دول "الوطن العربي" اقتصاديا وسياسيا. أما ما يقال عن "ثورة إعلامية عربية" فهذا لا يعني سوى سيطرة بورجوازيات متخلفة بمنطقها الرجعي المعادي للتاريخ على وسائل الإعلام العربية. حيث ما زالت هذه الرجعيات تركّز تركيزا يكاد يكون مطلقا على "الحركات الإسلامية" وعلى "الفكر الإسلامي" و"الدعوة الإسلامية"، توازيا مع المقولات التافهة وغير العلمية، المتحدثة عن "نهاية الشيوعية" (وكأنها منبثقة من روسيا ومقبورة هناك)، و"نهاية الإيديولوجيا"… دون فسح المجال أمام الرافضين لهذه الأفكار للرد عليها. كما نلاحظ أيضا أن الأفلام الوثائقية التي يتم تعريبها لا تخضع لمقاييس معينة، وإنما تشترى وتنقل بكل ما فيها، دون تمحيص أو مناقشة.

وبطبيعة الحال فإن الإعلام التونسي الرسمي لا يخرج عن هذا الإطار لكن يمتاز بكونه أكثر انغلاقا وتخلفا. حتى أننا لا يمكن أن نتحدث عن إعلام بالمفهوم السطحي للكلمة بل عن مجرد أجهزة إعلامية متخلفة لها مهمة واحدة تتمثل في "تمجيد الحاكم الفرد" بطريقة موغلة في السخافة والبلادة. وهو ما يثير الامتعاض الشديد لدى كافة طبقات المجتمع وفئاته بما في ذلك بعض الموالين لنظام الحكم الدكتاتوري. ويحاول التونسي الهروب نحو الفضائيات العربية التي تكرّس الفكر الغيبي وتدفع نحو التدين بمفهومه الرجعي أو المتطرف. وبين الإعلام التونسي المنغلق والرافض لأي انفتاح حتى ولو كان شكليا، وبين الإعلام العربي التابع والمحصور بين أطر من يموّلونه، وبين الإعلام الغربي الذي يتحكم فيه رأس المال العالمي، بين هذا وذاك يظل المواطن التونسي والعربي بصفة خاصة والمواطن في جميع أنحاء العالم بصفة عامة يبحث عن الحقيقة التي يتلاعب بها أصحاب رأس المال مثلما يتلاعبون بالأسهم في البورصات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر