الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعدام (حمورابي) في ساحة التحرير

هشام عقراوي

2004 / 5 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في عراق البعث البائد، كان كل شئ مبررا ومباحا، من القتل و السفك و الحرق و الخطف و هتك الاعراض و المقابر الجماعيه الى سد الافواه ومسح العقول وملئ السجون و التعذيب. ولكن إسم صدام و البعث أيضا كان شيئا مبررا و مباحا بنفس درجة إباحة الحرمات من قبله. فكان يكفيك أن تقول صدام و البعث العراقي كي يتعاطف معك كل إنسان شريف ودولة تحترم حقوق الانسان. فصدام أباح الحرمات و لكنه أباح إسمه أيضا بها. فهذا الاسم سيبقى مرادفا لكل ما هو غير إنساني و محرم. وعندما نقول صدام نقصد بها كل زمرته و زبانيته الذين باعوا ضمائرهم و أنفسهم بأبخس الاثمان.
في عراق ما بعد صدام، فمع أن البعث كما يقال في طريقه الى الاجتثاث وصدام يقبع في الزنازين و ضحاياه تحولوا الى سادة، فأن ما لم يفعلة صدام بالعراقيين يذوقونه الان على ايدي الاحرار و المحتلين.
ربما كان صدام و زبانيته يقتلون القتيل و يمشون في جنازته، ربما كانوا يذبحون بالناس خلسة وعلانية، ربما كانوا يأخذون حق (رصاصة الشر) من ذوي الضحايا، ربما كانوا يطلقون النساء من أزواجهم لأغراض شريرة، ربما كان عدي وقصي و رفاقهم يهتكون الاعراض يوميا في قصورهم الفاخمه، ربما ملئوا السجون بالشباب والجلادون صاروا بالألوف، وربما إختار (حمورابي) الهرب من العراق كي ينقذ جلده من سوط الجلادين أملا بالعودة يوما ما الى عراق حر يكمل فيها سن ما تبقى من القوانين التي لم يستطع سنها في العهود الغابره. فحمورابي لم يستطع البقاء في بلد إتخذ من شريعة الغاب قانونا و عرفا له.
بعد الاطاحة بصدام و الدكتاتورية، كان (حمورابي) أول العائدين الى بلده. حاملا دساتيره وشرائعه كي يعيد النور الى بلد الشمش والرافدين و النخيل ولكنه إندهش من هول ما رأه. فالذي يحصل في بلده يفوق كل التصورات و الاحتمالات.
فمعذبوا الامس إختلطوا بجلاديهم و إنقلبوا وحوشا لا يلتزمون بأي قانون أو عرف او دين او عادة او شرع، فكل شئ في بلده الان مباح وليس هناك إحترام لأي شئ. فبعد ان كان العراق و العراقيون مقدسون لدى أنفسهم على الاقل وكان قتل العراقيين محرما من قبل الشعب العراقي أصبح الدم العراقي أرخص ما في العراق و هذا الدم يسفك أولا بأيدي العراقيين أنفسهم وبرضاهم. لا يهم أن كان هذا الدم يسفك بأسم الجهاد أو المقاومة أو الدين او السلطة او التحرير. فالجهاد جائز مع الكفار والمقاومة ضد المحتلين و الدين ايضا مع غير المسلمين و بضوابط محدده في الاسلام، أما سفك دماء العراقيين بدافع السلطه المجردة فغير جائز ومحرم. المهم هو أن هذا الدم يسفك و الذي كان محرما ومقدسا أبيح وبرضى العراقيين. فصدام هتك المحرمات ولكن العراقيون لم يتقبلوا ذلك، أما الان فمع الاسف يقتل العراقيون والهلاهل ترتفع.
وما لم يفعله العراقيون ببعضهم فعلته ويفعل جنود الاحتلال بهم. لا ادري اليوم عن أي شئ ندافع. عن اي مقدسات سوف نتكلم. فالمساجد و الجوامع والمدارس و المستشفيات إمتلئت بالاسلحة والمقاتلين بنفس الاسلوب الصدامي. وصارت اموال و ممتلكات الناس عرضة للسرقة، و صارت النساء والاطفال والرجال تختطف وتسجن وتهتك أعراضهم، و أبو غريب بقت كما هي ممتلئه بالمساجين والجثث يمثل بها وتحترق وتسحل في الشوارع وتحول البعض الى شيطان أخرس و الاخرون الى أبواق للقتل و الفتك. كنا نعتقد بأن سجون البعث ستتحول الى متاحف ولكن مع الاسف ترمم اليوم و تبنى عليها طوابق.
واكثر الاشياء قدسية تستهان وتهتك في العراق بأسم أقدس الافكار والشرائع. فأية مقاومة في العالم يجب أن تكون حريصة على شعبها أكثر من المحتل لابل أنها يجب أن تدافع عن الشعب ويكون الشعب لديها أقدس من كل شئ. أنها حقا لمفارقة عجيبة أن تكون ما يسمى بالمقاومة في العراق أكثر فتكا و غدرا بشعبها وأقل رحمة من المحتل. فصدام هو اب الدروع البشريه والاحتماء بالمدنيين، أما أن تحتمي المقاومة بالمديين والاطفال و النساء الابرياء فهذا ما لم تفعله أية مقاومة في العالم حرصا على أرواح شعوبها.
أما المحتل فاسمه مباح كأسم صدام لأن الاحتلال غير جائز من قبل كل الاديان و القوانين الدولية. والحرب أيضا حرب ولكن له قوانينه و ومحرماته و مقدساته. أي جهاد هذا وأي إحتلال هذا الذي يسجن فيه حمورابي بأيدي العراقيين أنفسهم ليعم الفوضى بلده ويعذب بأيدي جنود محتلين و يعدم لاحقا رميا بالرصاص في ساحة التحرير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال