الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية للمشكلة السودانية تحديات الابقاء علي الوحدة في مواجهة قوي التفتيت ( المسألة السودانية 3 - 3 )

محمد نبيل الشيمي

2009 / 7 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


تطفو على السطح في الاونة الاخيرة ما يسمى بالمسألة السودانية ويشير هذا الاصطلاح إلى وجود مشكلة تحتاج حلاً أو توافق بين أطرافها..والسؤال هل يصبح السودان مسألة؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال يتعين ان نلقي الضوء علي البداية التي استخدم فيها هذا الاصطلاح وفي هذا فان رغبة الدول الاوربية الكبري تقسيم املاك الدولة العثمانية او ما يسمي باملاك الرجل المريض كان بداية استخدام كلمة المسألة وهو ماسمي بالمسالة الشرقية وكان ظهور المسألة الشرقية ايذانا بحدوث ازمات سياسية وحروب بين الدول الطامعة وبين الدولة العثمانية و الكيانات الناشئة وبايجاز فان اسباب ظهور المسالة الشرقية هي/
- الضعف والوهن الذي اصاب الدولة العثمانية كنتيجة لانتشار الفساد علي كافة المستويات ووصول بعض السلاطين من ضعاف الشخصية الي الحكم فضلا عن تبؤ عدد من كبار الموظفين غير الصالحين للمناصب الكبيرة
- ظهوربعض القوي المسيحيةالرافضة للدولة.
- التنافس الحاد بين الدول الكبري للحصول علي جزء من املاك الدولة
وقد انتهت المسألة الشرقية مع تفكك اوصال الدولة العثمانية والتي اكد لها مؤتمر برلين عام 1816وكان هذا بمثابة ايذان بافول نجم الخلافة العثمانيه.
والواقع أن السودان يمر بأزمة عميقة تمثل مدخلاًمشابها للمسألة الشرقية فلا شك أن هناك قلاقل واضطرابات واقتتال وتنازع على السلطة وحراك اجتماعي (شعبي / حزبي ) هذه الدولة تتمزق بين كتل من العقائد الحزبية المتناقضة وقوى العصيان المتأججة وأوجائع الماضي المتربصة هناك بلا شك تطوارات عميقة يشهدها السودان تتأرجح فيها التحالفات بين هذا وذاك (القوى السياسية) وما يبدو على السطح قد لا يشير إلى عمق الازمة ولكنه يتطور بسرعة مذهلة ولعل ما يروع أن السودان يتعرض لمؤامرة ثنائية الابعاد .
- بُعدها الأول داخلي .... ويتمثل في ما يمكن أن نسميه غباءً سياساً للحزب الحاكم القابع على سدة الحكم محتكراً للعمل السياسي ولا يفتأ أن ينكل بمعارضيه من القوى السياسية الاخرى حزب قام على انقاض افكار سلفية جامدة ومازال يعارض كل المطالب الداعية إلى تقاسم الثروة والسلطة وهناك تنافر وتباغض بين الاحزاب واتهامات بالجملة لبعضها البعض وللحزب الحاكم – هذه الاحزاب ذاتها لا تخرج عن كونها أحزاباً أوليجاركية دوجماطيقيه متناقضة في مبادئها ومختلفة في برامجها وهدفها ليس استرجاع السودان بل فقط اقتسام كحكة الحكم والسلطة وعلى الرغم من وجود دولة قريبة للسودان كالصومال والتي اصبحت مجرد جيوب أو واحدات هزيلة معتلة يحكمها أمراء حرب همهم السلطة فقط فان السودانيين لم يتعلموا الدرس .
كانت بداية اختلال الهيكل السياسي في الصومال هي ذات الحالة التي يعيشها السودان الان فإن التنافر والاختلاف وديكتاتورية الحكام وارتماء المعارضين في حضن القوى الكبرى فتحت باباً واسعاً للتدخل الاجنبي وتدويل القضية وقد تسبب النزاعات التي امتدت لاكثر من خمسين عاماً مضت إلى مقتل وجرح وتشريد الملايين من المواطنين وضياع الفرص لتحقيق معدلات تنمية تتناسب وثراء السودان حيث ابتلعت تكاليف الانفاق العسكري ما يزيد عن 50% من الدخل القومي فضلاً عن انعدام الاستقرار السياسي .
كما كان للمنافسة السياسية خاصة بين اكبر حزبين من الناحية العملية في السودان وهما حزب الامة والحزب الاتحادي دوراًً في زرع بذور الشقاق والاقتتال الاعلامي وانتقال ذلك حتى مستوى التعامل في ربوع السودان كما ان هناك من العوامل التي ساهمت بقدر كبير فيما وصل اليه السودان من ترنح /
- اسناد الوظائف الهامة على كافة المستويات الادارية والسياسية والعسكرية والاقتصادية على عدد محدود من أبناء الشمال مع تهميش الاعراق الاخرى وكان هدف الحكومة المركزية الدائم اضعاف القوى الاخرى المنافسة والتي ترى الحكومات المتعاقبة انها تمثل تهديداً لها .
- التسلط وطغيان الحاكم المستبد وتعدد ولاءاته وتحالفاته وفقا للظروف فعلى سبل المثال بدأ النميري يسارياً ثم انتهى به الامر يمينياً ماراً عبر بوابه التيارات الدينية وخلال التنقل من قوة سياسية لاخرى كانت هناك التصفيات الجسدية والمعنوية .
- الافتقار إلى وجود توازن في توزيع الناتج القومي للبلاد بين الاقاليم مما زاد من الفقر والتهميش لاقاليم دارفور ومناطق البجة لصالح الوسط والشمال وقد عمق هذا من الاحساس بالقهر والظلم لدى البعض وساهم بقدر كبير إلى وصول البلاد إلى هذه الحالة من الاحتقان .
- الاستعلاء والفصل العرقي والديني والثقافي الذي مارسته السلطة المركزية ضد الاطراف ومع استمراره ساهم في تأجيج الثورة والخروج عن طاعة المركز .
لقد فشلت كل الحكومات لكل القوى السودانية في ايجاد حلول ناجحة للسودان فلا شك ان تلك القوى ظلت ومازالت تعمل على تأمين مصالحها الفئوية الضيقة وكان للتركيبة الانتهازية التوافقية بين الاحزاب الدور الرئيسي إلى عدم النجاح في الوصول بالسودان الى بر الامان بل كان الصراع المحتدم والمتكالب على الوصول الى السلطة والحصول على مغانم إلى تفعيل وتأزيم الصراعات وفتح الباب أمام التدويل والتدخل في الشئون الداخلية .
- كما أن الاحزاب والفعاليات السياسية السودانية المتناقضة عجزت عن معالجة أوضاع البلاد وكما تركت قضية الجنوب بدون حل ناجع فقد تركت ايضا قضية دارفور وقضية البجا بدون حل لمشاكلهما حتى وصل الحال كما هو عليه الان كما فشلت ايضا في وضع تصور لحل القضايا المتعلقة بتطوير وتحديث المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية .
أما البعد الخارجي للمؤامرة ففي رأيي أنه يتمثل فيما يلي :
- الصراع الامريكي الفرنسي لاقتسام مناطق نفوذ جديدة بالقارة ويأتي السودان على رأس المناطق المستهدفة باعتباره جسر التواصل بين العالم العربي وافريقيا ولا خلاف على أن الغرب دائماً يعمل على فك ارتباط العرب بافريقيا - زد على ذلك الاطماع الغربية في ثروات اقليم دارفور الذي يقال أنه يقوم على بحر من النفط وبداخله احتياطيات هائلة من اليوارنيوم .. ولاشك ان هناك رغبة لدى الدوائر الاستعمارية على تفتيت السودان امتداداً للسياسة التي تنتهجها القوى التي كانت مستعمرة للقارة الافريقية ويقول د جمال حمدان في كتابه استراتيجية التحرر والاستعمار ان ظاهرة التفتيت السياسي ظاهرة صاحبت التحرر حيث لجأ الاستعمار عامداً قبل خروجه إلى تفتيت مناطقة السابقة ميكروسكوباً وفي افريقيا بالذات تفتيتياً ذرياً حتى يترك وراءه نسيجاً متهالكاً أقرب إلى الامثولة والاعجوبة منه إلى الكيان الجيوبوليتيكي الصحي السليم وهو ما نراه اليوم على الساحة السودانية.
- ضرب التيارات السلفية والتي يحتضن السودان بعضاً منها ويقوم على اساسها نظام الحكم .
- تحجيم الوجود الصيني الذي بدا يستقر وينمو في السودان ويمارس عديد من الانشطة الاقتصادية على حساب الاحتكارات الغربية .
.... واذا كان لنا ان نستبق ما سوف يؤول اليه السودان فإننا نرى أن السودان في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد يقوم على اسس ديمقراطية تستند على المشاركة الواسعة وحرية الاختيار لكافة الفعاليات ومكونات المجتمع السوداني ونظام حكم يأخذ بالعلمانية سبيلاً كبديل لمفهوم الدولة الدينية كي يتسع هذا البلد بعيداً عن الاستقطاب الديني والعرقي ويعترف بالتنوع والتعدد على اسس المساواة دون استعلاء او اقصاء للقوي الاخرى مع عدالة برامج التنمية بين الاقاليم دون تميز اقليم على اخر ... وإلا فإن السودان قادم لا محالة إلى الانفصال والتفتيت ... فهل يدرك السودانيون ما يحيق بهذا الوطن من مخاطر؟
عليهم ان يفيقوا قبل ان تصبح الكارثة امراً واقعاً ونقف نبكي أطلال بلد كان ملء السمع والبصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا